رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

لا تعبث مع كانسيمى
ملكة الضـحك الأوغنــدية

صخر صدقى

ولدت سعيدة من أبوين ضاحكين، فتاة خفيفة الظل، سريعة البديهة، مفعمة بالحيوية والطاقة الإيجابية، بحسها الكوميدى تخفف عن المشاهد آثار أى توتر، تفعل ذلك بأفضل وسيلة فعالة لتنقية المزاج والترويح عن النفس، رسم البسمة وإثارة الضحك، وكما هو معروف عن الفكاهة والضحك بأنهما من ضروريات الحياة ومن أقوى الأسلحة ضد الاكتئاب.

...............

تحظى الأوغندية آن كانسيمى Anne Kansiime 1986 بنصيب وافر من النجومية والجماهيرية، تشيع البهجة من حولها بأدائها الذى توظف فيه كل إمكاناتها فى فن الإضحاك. تربعت على عرش الكوميديا فى شرق إفريقيا حتى أطلقوا عليها لقب ملكة الكوميديا. حصدت العديد من الجوائز، من أهمها جائزة الأوسكار الإفريقية لأفضل كوميدى. بدأت الترويج لأعمالها عن طريق اليوتيوب، حيث حظيت بمشاهدة جماهيرية على نطاق واسع، وكان أول ظهور لها فى تليفزيون كينيا المجاورة لأوغندا، حيث خصصت لها حلقة فكاهية أسبوعية بعنوان «لا تعبث مع كانسيمى» Don«t mess with Kansiime.

فى الأدوار التى تؤديها لا تلجأ إلى إثارة الضحك بحركات هزلية إلا فى المواقف التى تتطلب ذلك، غالبية المواقف تقوم على التناقض والمفارقات التى تتعلق بالعلل والأمراض الاجتماعية، تثير الكثير من الجدل حولها لما تتناوله من علاقات متباينة كالزواج والطلاق والصداقة والخيانة والنجاح والفشل والجيرة المزعجة والجيرة الطيبة والبطالة والبحث عن عمل. فى إحدى الحلقات نشاهدها وهى تجلس على مقعد بجوار مكتب صاحب العمل الذى قام باستدعائها فى مقابلة من أجل العمل مندوبة مبيعات، وهى الوظيفة التى تقدمت بطلب للشركة لشغلها، بادرته بالشكر لاستدعائها، وراحت تقدم له نفسها بحماس شديد وثقة بأنها تجيد التعامل مع أى نوع من الزبائن، وتجيد الكلام فى لغات لا تفهمها وبأنها تستطيع بيع أى شىء مهما تكن صعوبة ترويجه، أبدى صاحب العمل سعادته بشغفها لشغل الوظيفة وبروحها المرحة، عندما سألته عن نوع العمل الذى سوف يعهد به إليها، أبلغها دون شرح بأنه يتعلق ببيع السم والحمض للناس، ألجمتها المباغتة. ظلت تتفرس فى وجهه غير مصدقة ما سمعته على غير المألوف «أبيع سما وحمضا؟!»، فى لحظة انقلبت تراجيدية وعبثية الموقف إلى ربكة الدهشة المضحكة «سم وحمض؟!»، وكأن ذهنها قد تعطل عن التفكير أخذت تحادث نفسها «أقتل الناس؟! أدخل السجن؟!»، ظلت تتلفظ بكلمات تتبعثر فى الهواء ممزقة بين الرفض والقبول لشدة احتياجها إلى عمل تتكسب منه، وحتى يخفف من وقع الصدمة عليها، راح صاحب العمل يعدد لها المميزات التى سوف تحصل عليها عند قبولها بالعمل، وهى مرتب مجز، علاوات ومكافآت، وسكن.. طغى هوسها بسخاء العائد المادى على صدمتها بما سوف تبيعه من سم وحمض. فى حلقة أخرى نشاهدها وهى تقف خارج منزلها ممسكة بالمكنسة فى انتظار جارتها التى استدعتها لتواجهها بعلاقتها مع زوجها، عندما جاءت الجارة صاحت بعلو صوتها تنادى على زوجها الخائن الذى هرول إلى الخارج بشكل غير مهندم ليصطدم بتلك المواجهة التى لم تخطر على باله، وسط صمتهما، وقفت كانسيمى بينهما تجدول لهما مواعيد للخيانة وتخيرهما «سبت وأربعاء؟ أم ثلاثاء وخميس؟» ظلا على تجهمهما وصمتهما، لينتهى الموقف بمشهد لكانسيمى وهى تجرى بالمكنسة خلف الجارة.




فى حلقات أخرى نجد البطل فيها ليس الموقف ولكن الشخوص نفسها تجسدها فى قوالب مضحكة، مثل تلك الفلاحة التى تتوهم أشياء غير موجودة فى الواقع، وكانت كانسيمى فى تلك الحلقة تلعب دور فلاحة تمهد الأرض للزراعة مع تلك الشخصية المضحكة التى تزاملها فى فلاحة الأرض، حيث فوجئت بها تصرخ فى فزع وتجرى بعد أن لقيت بالفأس الذى كانت تحفر به التربة «ثعبان!»، لنكتشف أن ما تشكل فى ذهنها على هيئة ثعبان ليس إلا كيسا بلاستيكيا أسود، تعاود الحفر لكن دون أن تتخلى عن مثل تلك التصورات الوهمية، الشخصية تبعث على الضحك والسخرية لاستمرارها فى الفزع من أشياء وهمية لا وجود لها فى الحقيقة.

جمهورها الذى يتهافت على مشاهدة ما تقدمه لهم من حلقات فكاهية فى زيادة مضطردة، تسوق أعمالها إلى الدول الإفريقية المجاورة، مع الشهرة والثروة لم تتخل عن دورها الاجتماعى وعن مسئوليتها تجاه أهل بلدتها وتجاه القارة ككل. تقوم بالعمل الخيرى من خلال مؤسستها التى بدأتها عام 2016 Anne Kansiime Foundation، حيث بدأت برعاية الأطفال المحتاجين من بلدتها، تقول «فعل الخير يبدأ مع أهل بلدى»، ليمتد نشاطها بعد ذلك ويتسع ليشمل الأطفال المحتاجين بطول وعرض البلاد. تمتلك من المهارات والثقافات ما يجعلها متحدثة لبقة فى المقابلات التليفزيونية والصحفية، بجانب كتابتها الساخرة وأقوالها المأثورة المتداولة بين جمهورها، يتهافتون على قراءتها بالحماس واللهفة التى تقابل بها أدوارها الكوميدية، وهى بالمثل مبنية على المفارقة، وتتصدى للعلل والأمراض الاجتماعية التى يعانيها الناس، غالبا ما تكون مبطنة بنقد لاذع لبعض الممارسات والعادات غير المقبولة اجتماعيا «لا تضيع وقتك فى التفكير فى سيئات من تتعامل معهم فى مجال عملك، أنت هنا يا صديقى من أجل كسب العمل والمال وليس من أجل كسب الأصدقاء»، وتنصح الزوجة التى يريد زوجها أن تتخلص من الجنين «سيدتى، لو طلب زوجك منك أن تجهضى الجنين، اطلبى منه أن ينتظر حتى يولد ويقتله هو بنفسه، لأنك لن تجعلى من رحمك قبرا»، وتحذر الفتيات اللاتى يغرر بهن «أختى العزيزة إذا ما دعاك صديقك إلى حجرته ولم تجدى بها مقعدا للجلوس فلا بد أن تنتبهى لسوء قصده» وفى مجال آخر تقول «أختى العزيزة لو تعرفت على شخص وحاول التقرب منك بطلب رقم هاتفك، لا تتسرعى وتلبى طلبه على الفور، بل على دفعات شهرية، قدمى له رقما واحدا مع بداية كل شهر، وهى أفضل وسيلة لاختبار قدرته على الصبر وعلى مدى تعلقه بك « العلاقات الاجتماعية الهشة تقول «يقطعون الأميال فى جنازتك ولا يخطون خطوتين لزيارتك وأنت على قيد الحياة»-- «لا يستفسرون منك عن أحوالك للاطمئنان عليك لكن للاطمئنان على مفعول سحرهم عليك» –—«الكلمات المعسولة فعلا مثل العسل، المبالغة فيها تغم النفس»-- «عندما تفكر فى طلب صداقة على صفحات التواصل الاجتماعى تبذل قصارى جهدك فى معرفة التفاصيل لتطمئن إلى صحة البيانات فى الوقت الذى تكون فيه كل البيانات على صفحتك مزورة». وتكتب عن البطالة «فى إفريقيا تنتشر البطالة بشكل كبير، حتى العلاقات الاجتماعية عاطلة عن العمل»، ومن كتاباتها الساخرة التى توجه فيها نقدا لاذعا لمن يتركون بلدهم ويسافرون إلى الخارج بلا نية فى العودة «يريدون التعليم فى المملكة المتحدة، والعمل فى دبى، والعلاج والرعاية الصحية فى الهند، والاحتفال فى الولايات المتحدة الأمريكية، لكن عندما يتعلق الأمر بالموت، يوصون بالدفن فى إفريقيا، وكأن إفريقيا ليست إلا مقبرة لدفن الموتى»، وتقول لمن يتعامل مع الناس من أهل بلده بنظرة استعلاء، على أنهم أقل شأنا من الزبون الغربى أو الأمريكى، «عزيزى الصراف الإفريقى من فضلك امنحنا الابتسامة نفسها التى تمنحها للرجل الأبيض، من المشين بعد مرور سنوات عديدة على التحرر من الاستعمار ومن التفرقة العنصرية أن نقابل بهذه التفرقة من مواطنينا». وعن التفاؤل نقرأ» لو أن الحياة تقدم لك آلاف الأسباب للبكاء، رد عليها بملايين الأسباب للابتسام - لا ينبغى أن تستعبدنا هموم وضغوط الحياة، متناسين النعم التى تجعلنا سعداء».

عن الفكاهة والسخرية فى أعمالها، تقول كانسيمى بأنها لا تقصد من ورائها المتعة والتسرية عن النفس بالإضحاك فحسب، لكن بتمرير ما يمكن أن يكون مفيدا من أفكار ومن نقد لأوضاع حياتية سلبية بغرض وضع حلول إيجابية لها، نوع من الاجتهاد للبحث عن قيم جديدة وإحياء قيم تكاد تندثر تحت ركام الاستهانة والاستسهال.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق