تواجه حكومة الائتلاف الحاكم فى ألمانيا العديد من التحديات مع عودة البلاد لاستخراج الفحم الحجرى الذى يعد من أسوأ أنواع الوقود الأحفورى لمواجهة أزمة الطاقة العالمية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية.
وكانت الحكومة الألمانية التى وصلت إلى السلطة قبل 13 شهرًا قد وعدت بأن تكون أكثر الحكومات اخضرارا على الإطلاق.
لكنها لا تزال مضطرة لإطالة عمر محطات الطاقة التى تعمل بالفحم لتعزيز أمن الطاقة فى البلاد.
فى جميع أنحاء العالم، يتم الاعتماد على الفحم شديد التلوث والرخيص نسبيًا، حيث تسعى الحكومات الأوروبية إلى الحد من ارتفاع تكاليف الطاقة التى من الممكن أن تتسبب فى زعزعة استقرار الحكومات التى تعانى بالفعل من ارتفاع معدلات التضخم.
وقد كانت ألمانيا، أكبر اقتصاد فى القارة، تعتمد على روسيا فى أكثر من 50٪ من إمداداتها من الغاز قبل الحرب، مما جعلها تواجه أزمة أكثر إلحاحًا من جيرانها.وبالرغم من طقسها المعتدل، والانتشار السريع لمحطات وإمدادات الغاز الطبيعى المسال من النرويج، لصالحها، لكن الحكومة لا تزال بحاجة إلى تأمين احتياجاتها. وفقا لوكالة الطاقة الدولية ومقرها باريس أعادت ألمانيا بالفعل فتح محطات الطاقة التى تعمل بالفحم، على الرغم من خطط التخلص منها بحلول عام 2038.
كما تولد ألمانيا الآن أكثر من ثلث احتياجاتها من الكهرباء من الفحم، حيث تستعيد ألمانيا ما يكفى من الفحم لتزويد حوالى 5 ملايين منزل بالطاقة. كما أظهرت البيانات التى جمعتها وكالة الأنباء الدولية بلومبيرج أن البلاد قامت فى ديسمبر الماضى، بحرق الفحم لتوليد الكهرباء بأسرع وتيرة فى ست سنوات على الأقل.
وبينما انخفضت أسعار الغاز مؤخرًا، لايزال حرق الوقود الأحفورى لتوليد الطاقة أرخص. وقالت إنجريد نستله، عن حزب الخضر، وهو جزء من الائتلاف الحاكم: «أعتقد أنه كان من الحكمة للغاية استخدام المزيد من «الليجنيت»، أو الفحم البنى خلال هذا الشتاء والشتاء المقبل للتعامل مع هذا النقص المفاجئ فى الغاز». وأضافت «على المدى القصير، نحتاج إلى شيء ما للحفاظ على استقرار أنظمتنا. لكن هذا لا يعنى أننا نتراجع فيما يتعلق بأهداف المناخ».
مؤخرا تحولت قرية لوتزى الصغيرة فى منطقة شمال الراين وستفاليا بغرب ألمانيا إلى نقطة اشتعال للمحتجين البيئيين. وذلك بعد أن تم الاتفاق مع إحدى شركات الغاز العملاقة، على هدم بعض المنشآت لاستخراج المزيد من الفحم البنى منخفض الجودة الموجود تحتها، والذى يتسبب فى إطلاق المزيد من ثانى أكسيد الكربون، ويؤدى إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب عند حرقه أكثر من أى نوع آخر. ويعد هذا الاتفاق جزءا من الاتفاقية التى أبرمتها مع الحكومة للحفاظ على تشغيل محطتين لتوليد الطاقة تعملان بالفحم لفترة أطول من المخطط لها من أجل التعويض عن الانقطاع المفاجئ للغاز الروسى بعد أن قطعت شركة غازبروم الإمدادات إلى أوروبا.
تعهد المئات من النشطاء الذين احتلوا القرية بجعل تطبيق هذا الاتفاق أكثر صعوبة بقدر الإمكان. ومن بين هؤلاء، الناشطة المناخية لويزا نيوباور والتى قالت : «الفحم هو أكبر مصدر لثانى أكسيد الكربون فى أوروبا، وأن هذه الانبعاثات تؤثر على الناس فى جميع أنحاء العالم». وأضافت «هذا يعنى أننا نقف هنا أيضًا من أجل الأشخاص الذين يعتمدون علينا للتحدث عندما لا تجرؤ الحكومة على القيام بذلك». وترى كلوديا كيمفرت، خبيرة الطاقة فى المعهد الألمانى للأبحاث الاقتصادية التى درست خطط التعدين وتوافقها مع أهداف المناخ فى ألمانيا، إن الحكومة أبرمت «صفقة سيئة» واستجابت دون داع لمطالب هذه الشركة.
وأكد نشطاء بيئيون أن العودة إلى استخدام الفحم ستؤدى إلى انتكاسة لجهود ألمانيا للوصول إلى صافى انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2045 والوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية باريس التى تسعى للحد من ظاهرة الاحتباس الحرارى إلى 1٫5 درجة مئوية. فى الوقت نفسه، يشعر النشطاء بالغضب وخيبة الأمل من حزب البيئة الخضراء، الذين ينضمون حاليا فى حكومة ائتلاف، لأنه سمح بحدوث ذلك. وهو ما وضع حزب الخضر فى مأزق بالفعل حيث أدت الاحتجاجات إلى اشتباكات كبيرة بين النشطاء والشرطة.
وترى الحكومة الألمانية أن استخراج المزيد من الفحم ضرورى لمنع حدوث عجز فى الكهرباء وتجنب زيادة الأسعار، كما أن هذا يمثل إجراء طارئا، حيث تسرع الحكومة القيام بالاستثمارات طويلة الأجل فى طاقة الرياح والطاقة الشمسية وتأمين إمدادات الغاز البديلة، وإنهاء الاعتماد على الفحم الروسي.
وكان روبرت هابيك، وزير الاقتصاد فى حزب الخضر قد اتفق العام الماضى على قيام الشركة باستخراج 280 مليون طن من الفحم فى هذا التوسع، مقابل إغلاق المنجم بشكل نهائى بحلول عام 2030، أى قبل ثمانى سنوات من الموعد المخطط له، وحماية خمس قرى أخرى وثلاث مزارع، يقطنها 500 شخص، من الهدم. ووصف روبرت هابيك، الذى وجد نفسه فى موقف حرج بالدفاع عن التوسع فى توليد الطاقة من الوقود الأحفوري، الصفقة بأنها «علامة فارقة للعمل المناخى وبأنه نتيجة للاتفاق تم إنقاذ غابة هامباخ «. وادعى أن الاتفاقية تقلل كمية استخراج الفحم إلى النصف تقريبا. كما قال هابيك، الذى وضع أيضًا خططًا لتوسيع مصادر الطاقة المتجددة بقوة فى محاولة لجعل ألمانيا محايدة للكربون بحلول عام 2045، إن إطالة عمر محطات الطاقة التى تعمل بالفحم كان «مؤلمًا، ولكنه ضرورى فى ضوء نقص الغاز».
أقر المستشار أولاف شولتس بأن ألمانيا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد للتحول إلى الطاقة النظيفة، لكنه قال إن لوتزى لم تكن المعركة الصحيحة. وقال فى مقابلة نشرت يوم السبت مع إحدى الصحف الألمانية : «ربما ينبغى توجيه الاحتجاج ضد حقيقة أن الموافقة على توربينات الرياح تستغرق ست سنوات». وأضاف «إذا أردنا تحقيق انتقال الطاقة، فنحن بحاجة إلى مزيد من السرعة.»
وكشفت دراسة أجرتها وكالة الشبكة الفيدرالية المنظمة للكهرباء والغاز، أن ألمانيا ستحتاج إلى المزيد من المحطات التى تعمل بالغاز لتأمين إمدادات الكهرباء فى العقد المقبل، مما يتطلب زيادة فى واردات الغاز الطبيعى المسال. كما تخطط البلاد أيضًا للإبقاء على محطاتها النووية الثلاث المتبقية قيد التشغيل حتى منتصف أبريل، بعد تاريخ تقاعدها الأصلي. وكانت ألمانيا قد وافقت على التخلص التدريجى من الطاقة النووية فى أعقاب كارثة فوكوشيما اليابانية فى عام 2011، لكن حكومة شولتس تعرضت لضغوط متزايدة لتمديد هذا الموعد النهائي.
أكد النشطاء أن احتجاجاتهم تتعلق أيضا بباقى دول العالم وليس القرية الألمانية وحدها، حيث قالت بولين برونجر، ناشطة مناخية بارزة أخرى: «إن كل طن إضافى من الفحم يتم استخراجه سوف يتسبب فى مزيد من المعاناة وسيؤدى إلى تأجيج الأزمات فى جميع أنحاء العالم، خاصة فى دول جنوب الكرة الأرضية». كما يعد هدف النشطاء الأساسى جذب الرأى العام الألمانى وتكرار نجاح حملة مماثلة ضد شركة الغاز العملاقة فى غابة هامباخ المجاورة فى عام 2018. والتى كان من المقرر إزالتها للسماح بتوسيع منجم ليجنيت، ولكن تم تأجيل التنفيذ بعد قيام حملة ضخمة من قبل دعاة حماية البيئة.
رابط دائم: