رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بايدن وكيشيدا.. خطوات نحو تحالف أقوى

إعداد ــ هدير الزهار
كريستوفر جوهانستون ـ مجلة«فورين أفيرز» الأمريكية

جاء اجتماع رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، مع الرئيس الأمريكى جو بايدن، يوم الجمعة الماضي، ليصبح بمثابة فرصة حاسمة لطى صفحة عقود من التاريخ فى علاقات اليابان مع الولايات المتحدة وفتح صفحة جديدة لتحالف أقوى.

فى منتصف ديسمبر الماضي، أعلن كيشيدا إستراتيجية جديدة للأمن القومى والدفاع تبتعد عن المسار الذى اتبعته اليابان منذ الحرب العالمية الثانية. وتدعو الخطة اليابان إلى زيادة الإنفاق الدفاعى بنحو 60 % على مدى خمس سنوات، مما يؤدى إلى تجاوز الحد الأقصى غير الرسمى البالغ 1% من الناتج المحلى الإجمالى المعمول به منذ السبعينيات.. وبعد أسبوع واحد فقط، كشفت حكومة كيشيدا النقاب عن طلب ميزانية دفاعية بقيمة 6٫8 تريليون ين (نحو 51 مليار دولار) للسنة المالية 2023، بزيادة قدرها 25 % على العام الماضي.

وبمجرد تنفيذ اليابان إستراتيجيتها ستكون قد عملت على تغيير مكانتها فى نظام الأمن الدولي، حيث إن زيادة تسليحها سيعقد حسابات كوريا الشمالية والصين، ولتعظيم فعالية الموقف الجديد لليابان، يجب أن يتطور بتحالف البلاد مع الولايات المتحدة.. فهى اليوم قوية، لكنها لا ترقى إلى مستوى شراكة عسكرية حقيقية قادرة على شن عمليات متكاملة فى وقت قصير، ففى الوقت الذى تسعى فيه اليابان إلى تحقيق رؤيتها الجديدة، يحتاج الحليفان المقربان إلى بنية قيادة وتحكم جديدة، ومستويات أعمق بكثير من تبادل المعلومات، وتعاون موسع بين صناعاتهما الدفاعية. وتوسيع كبير فى العمليات العسكرية الثنائية، بما فى ذلك التدريبات المشتركة الأكبر والأكثر تعقيدا مع القوات الأمريكية، وتعزيز الدوريات المشتركة وعمليات الاستطلاع، وتعاون أعمق فى المجالات الفضائية والسيبرانية. كما أن تطوير اليابان لقدرات الضربات المضادة على وجه الخصوص سيتطلب من البلدين العمل معا بشكل أوثق.

تنسيق محكم وفهم مشترك

ستحتاج اليابان إلى الاعتماد على المخابرات الأمريكية، والاستهداف، وقدرات تقييم الأضرار للرد على أى هجوم بضربات خاصة بها.. فضلا عن تأكيد الحاجة إلى تنسيق محكم على أساس فهم مشترك للتهديد. لذا ستحتاج واشنطن وطوكيو إلى قدرة ديناميكية لتحديد الأهداف ذات الأولوية، وتحديد من سيشن الهجمات وكيف، وتقييم الأضرار التى لحقت وما إذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من الإجراءات. لأول مرة، ستحتاج الولايات المتحدة واليابان إلى أن تكونا قادرتين على تنسيق استخدام القوة ضد أهداف خارج اليابان.

ولكن على عكس تحالف الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية، لم يتم إنشاء التحالف الأمريكى اليابانى أبدا لتمكين العمليات العسكرية المتكاملة، فعندما تم إنشاء التحالف، كانت اليابان أساسا منصة لإبراز قوة الولايات المتحدة، وهى منطقة انطلاق لعمليات الولايات المتحدة فى أماكن أخرى. هذا الترتيب مستمد من دستور اليابان ما بعد الحرب والقيود المصاحبة للسياسة على النشاط العسكرى الياباني.

فى الأيام الأولى للحرب الباردة، لم يكن هدف اليابان مطلقا أن تصبح شريكا عسكريا مهما للولايات المتحدة. لذلك قامت قوات الدفاع الذاتى اليابانية (SDF) والقوات الأمريكية فى اليابان ببناء هياكل قيادة متوازية ومنفصلة، وهو ترتيب لا يزال ساريا حتى اليوم - حتى مع قيام اليابان بتوسيع وتعزيز أدوار ومهام وقدرات قوات الدفاع الذاتى بشكل تدريجى على مدى العقدين الماضيين.

فقد أدت السياسات والإصلاحات القانونية لشينزو آبي، رئيس الوزراء السابق، إلى تعاون أعمق بكثير بين الجيش الأمريكى واليابانى وتوسيع الدعم الذى يمكن أن تقدمه اليابان للولايات المتحدة فى حالة الطوارئ، كما حافظت البحرية الأمريكية وقوات الدفاع الذاتى البحرية اليابانية على وجه الخصوص منذ فترة طويلة على علاقة وثيقة تشمل تعاونا عميقا فى الحرب المضادة للغواصات والدفاع الصاروخى الباليستي. لكن الهيكل القيادى للتحالف لا يزال يمثل حقبة ماضية وغير كاف لدعم الدور الدفاعى الأكثر نشاطا الذى تتبناه طوكيو حاليا.

هيكل ثنائي

ومن أجل تحقيق اليابان لإستراتيجيتها الدفاعية الجديدة، تعتزم البلاد إنشاء مقر عمليات مشتركة دائمة لممارسة قيادة موحدة لإدارة عمليات قوات الدفاع الذاتى البرية والبحرية والجوية، سيحتاج هذا المقر الجديد، الذى نوقش منذ فترة طويلة، إلى نظير أمريكى فى اليابان وآلية دائمة لتخطيط وتنفيذ العمليات العسكرية المتكاملة. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لديها قائد عمليات مشترك لقواتها فى كوريا الجنوبية، إلا أنه لا يوجد نظير أمريكى من هذا القبيل فى اليابان اليوم حيث تقدم كل خدمة أمريكية هناك تقارير منفصلة إلى الإدارة الخاصة بها تحت قيادة الولايات المتحدة فى المحيطين الهندى والهادئ فى هاواي. لذا فإن إنشاء قيادة عملياتية مشتركة للولايات المتحدة فى اليابان وهيكل ثنائى جديد لتنسيق العمليات العسكرية المتكاملة هو الخطوة التالية الحاسمة فى تعزيز التحالف، وستحتاج هذه البنية الجديدة فى النهاية إلى خلية تخطيط متصلة مباشرة بقيادة القوات المشتركة فى كوريا الجنوبية وسيسمح هذا بالتنسيق مع القوات الأمريكية والكورية الجنوبية فى حالة حدوث أزمة لضمان تزامن العمليات العسكرية اليابانية مع العمليات فى شبه الجزيرة الكورية.

ستحتاج واشنطن أيضا إلى مشاركة المزيد من المعلومات مع طوكيو للاستفادة الكاملة من استثمارات اليابان المخطط لها فى مجالات الدفاع والاستخبارات والقدرات الإلكترونية.. فلا يمكن تبادل المعلومات فى اتجاه واحد فقط؛ بل يجب أن تستفيد الولايات المتحدة أيضا من خطط اليابان لتقوية مجموعتها من المعلومات الاستخبارية المستقاة من البشر والإشارات والصور وكافة المصادر.

لذا تدعو إستراتيجية الأمن القومى إلى إنشاء «مركز وطنى للاستجابة للحوادث السيبرانية» لديه الموارد اللازمة لرصد التهديدات والأوضاع السياسية المتعلقة بالفضاء الإلكتروني.

«العيون الخمس»

يجب على الولايات المتحدة أن تدرك أن نجاح اليابان يصب فى مصلحتها أيضا فقد حافظ الحليفان لمدة 15 عاما على حوار حول أمن المعلومات بهدف تعزيز الممارسات الدفاعية لليابان. لقد أسفر هذا الحوار عن بعض التقدم، وفى عدد قليل من المجالات المنفصلة، مثل: الفضاء والعمليات الإلكترونية، وضعت الولايات المتحدة واليابان أهدافا واضحة والبروتوكولات اللازمة لتحقيقها. لكن لا يزال يتعين على واشنطن أن تشرح بشكل شامل الفوائد التى ستجنيها اليابان من التحالف.

لذلك يجب على الولايات المتحدة تطوير خارطة طريق واضحة لرفع اليابان إلى مرتبة شريك «العيون الخمس»، وهو أعلى مستوى تشارك فيه واشنطن المعلومات مع الحلفاء الرئيسيين. (ويشير مصطلح «العيون الخمس» إلى تحالف مخابراتى يشمل كلا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا). ربما يكون الانضمام للعيون الخمس مرغوبا من وجهة نظر اليابان بشرط ضمان حصولها على مكانة مكافئة فى تبادل المعلومات والثقة. كما يجب أن تضع خارطة الطريق هذه معايير واضحة وقابلة للقياس فى المجالات المادية والموظفين والاتصالات والأمن السيبراني. إذا كانت اليابان قادرة على تلبية هذه المعايير، فيجب على الولايات المتحدة الالتزام بمشاركة المعلومات حول التهديدات فى المحيطين الهندى والهادئ تعادل ما تشاركه مع أقرب شركائها الاستخباراتيين.

تدرك الاستراتيجيات الجديدة للأمن القومى والدفاع فى طوكيو الحاجة إلى تعزيز صناعة الدفاع اليابانية. تاريخيا، كانت لليابان صناعة دفاعية ضعيفة نسبيا وغير قادرة على المنافسة، تركز فقط على السوق المحلية الصغيرة، وذلك لأن اليابان حظرت بشكل فعال صادرات الأسلحة بعد الحرب العالمية الثانية، واقتصرت الصناعة على بناء معدات لقوات الدفاع الذاتى والتى تم استكمالها بشكل أساسى عن طريق المشتريات من الولايات المتحدة. بدأ هذا الوضع يتغير أخيرا مع التخفيف الجزئى لصادرات الأسلحة فى عهد آبى فى عام 2014. ومع ذلك، فإن التعاون الأمريكى اليابانى فى القدرات المتقدمة اقتصر حتى الآن على تطوير صاروخ اعتراض دفاع صاروخى باليستى فى أوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين.

تعميق التعاون الصناعى الدفاعى يصب فى مصلحة كل من الولايات المتحدة واليابان حيث تمتلك القاعدة التكنولوجية اليابانية إمكانات كبيرة للتعاون فى مجالات مثل الفضاء والأنظمة المستقلة والذكاء الاصطناعي، كما ستساعد القدرة الإنتاجية اليابانية الأكثر قوة أيضا على تنويع سلسلة التوريد للولايات المتحدة وحلفائها للمواد الدفاعية الرئيسية بما فى ذلك الذخائر، وهى حاجة ملحة عملت الحرب فى أوكرانيا على تسليط الضوء عليها.

إعادة هيكلة التكاليف

هناك نقطة أخرى يجب التطرق إليها ألا وهى أنه مع زيادة الإنفاق الدفاعى لليابان إلى مستويات جديدة، سيكون من الضرورى إعادة النظر فى ترتيبات تقاسم التكاليف التى عززت تحالفها مع الولايات المتحدة منذ السبعينيات. فاليابان تنفق حاليا نحو مليارى دولار سنويا على دعم الوجود العسكرى الأمريكى فى اليابان، مما يضطرها لدفع تكاليف المرافق على القواعد الأمريكية، ورواتب المواطنين اليابانيين العاملين فيها، وبناء منشآت جديدة لما يقرب من 55 ألف جندى أمريكى متمركزين فى البلاد حاليا. هذا الترتيب، مثله مثل الجوانب الأخرى للتحالف، متجذر فى حقبة أخرى، عندما لم تكن اليابان شريكا عسكريا مهما وكان التحالف فعليا أحادى الاتجاه.

أما فى الوقت الحالى ومع التزام اليابان بزيادة الإنفاق الدفاعى والاستثمار فى القدرات الجديدة فمن الضرورى أن تدرك الولايات المتحدة أن استمرار الإطار الحالى لتقاسم التكاليف من شأنه أن يقوض رؤية تحالف وشراكة أكثر مساواة.

لذا يجب على الولايات المتحدة واليابان تطوير خطة تعيد توجيه بعض الموارد التى وضعتها طوكيو منذ فترة طويلة فى الدعم الأساسى لوجود الولايات المتحدة نحو الأولويات المتفق عليها بشكل متبادل والتى تدعم تحالفا عمليا أكثر. قد تشمل هذه مرافق التدريب المشتركة ومخزونات الذخيرة والمخازن والبنية التحتية الثابتة، وذلك من أجل دعم إستراتيجية الأمن القومى اليابانية الجديدة التى تسعى للتخلص من إرث الحرب العالمية الثانية والسير نحو حقبة التحالف.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق