تنساب بنا الحياة فإذا بالحجر الذى كان، أمس، يسدّ فم النهر، إذا بالتيار يجرفه، حتى يبلغ النهر غايته.
كان عام 1983، بالنسبة للجيولوجى حمد تعيلب، هو الحجر الذى غير مجرى حياته. جعله أباً لثمانية إخوة قبل أن يتزوج. تركهم له والده، العامل فى مديرية أوقاف مطروح، ومات، رغم أن حمد حول أوراقه من كلية طب الأسنان إلى كلية العلوم تحقيقا لرغبته!
تعيلب يتواصل مع جوف الأرض
كان حمد قد تخرج للتو فى جامعة الإسكندرية، انقطعت صلته بلمبة الجاز التى ظل يذاكر عليها، وكان عليه أن يعمل فى كل شىء، حتى إنه عمل سائق «كارتة». هو والكارتة والحمار كانوا يكدون طوال النهار لإطعام بيت جائع، وبالليل يشبع نهمه للمعرفة بكتب العقاد وطه حسين وأنيس منصور.
ولم يكن هناك بدّ من النزول إلى القاهرة، فنزلها هو ودعاء أمه «الله يربحك يا حمد» وأخذا معاً يدقان الأبواب المغلقة. وقد فتحت. عمل حمد، 20 عاما، مهندس بترول فى إحدى الشركات بسيناء، ومنها سافر إلى ليبيا وعمل فى النهر الصناعى العظيم. تزوج وأنجب ولدين وأربع بنات. حياته الشخصية استتبت. بلغ النهر المصب، غير أن حجراً بقى عالقاً فى طريقه.. أن عيوناً طبيعية كثيرة فى واحة سيوة تضخ، منذ 50 عاماً، ملايين الأطنان من الماء العذب فى جوف الصحراء، دون أن يستفيد منها أحد!
جاء الطلب إلى «مركز بحوث الصحراء» بالقاهرة: لجنة تحلل الماء والتربة المحيطة بهذه الآبار، وكان حمد عضواً بها. وخلصت اللجنة، بعد أن أجرت مسحاً على مساحة 5 كم فى 5 كم، إلى أن ماء الآبار عذب وليس بحاجة حتى إلى محطات ضخ، وأن التربة صالحة للزراعة.. أى أن مطروح جاهزة للاكتفاء الذاتى من الماء، وربما تكون جاهزة لأن تصبح سلة غلال مصر.
أحيل المهندس حمد إلى التقاعد منذ أربعة أعوام، لكنه مازال يتمنى حسن الاستفادة من الكشف الذى توصل له.
مسكينة تلك الأنهار التى تجرى فى السر، تحت الأرض، دون أن يراها أحد آخر.
رابط دائم: