منذ عام 1971، وتبلور أول ملامح تشكيل المنتدى الاقتصادى العالمى (World Economic Forum)، الذى حمل فى بدايته اسم منتدى الإدارة الأوروبية، لم تنقطع دوراته المتتالية عن مناقشة تحدى تلو الآخر، على الرغم من البداية المخملية التى جمعت نخبة الاقتصاديين الأوروبيين بهدف دراسة النموذج الأمريكى فى الإدارة والاقتصاد، وهو ما تم إعادة النظر فيه لترتبط صورة المنتدى باسم منتجع الأثرياء فى دافوس الجبلية السويسرية كواحد من أيقونات الرأسمالية العالمية الجائرة، طبقًا لما يراه المناهضون للمنتدى والناشطون وعلى وجه الخصوص فى مجالى الاقتصاد والبيئة.
ويأتى اجتماع هذا العام فى الفترة ما بين 16 و20 من يناير الحالى فى ظل وضع جيوسياسى واقتصادى هو الأكثر تعقيدا منذ عقود، على حسب وصف بورجه بريندى، رئيس المنتدى، حيث يواجه المنظمون والمشاركون من قادة العالم وممثلى الحكومات والنخب السياسية والاقتصادية الكبرى فى المؤتمر الثالث والخمسين، حزمة من التحديات بسبب «عدم التعاون فى وسط عالم مفكك» وهو المحور الأساسى لمناقشات المنتدى، علاوة على مناقشة استمرار تبعات ما بعد جائحة كوفيد-19 والآثار الاقتصادية للحرب الروسية ـ الأوكرانية، وأزمة إمدادات الطاقة ومخاطر الركود العالمى التى أعلنها البنك الدولى دون مواربة فى بداية الشهر الحالى، فى ظل تزايد الفجوة بين 1% من المتحكمين فى اقتصاد العالم وبقية سكانه، مما تسبب فى تعثر أسواق العمل وارتفاع معدلات البطالة وأزمات الغذاء ومعدلات الديون، مع تسارع تبعات أزمات تغير المناخ التى تنذر بكوارث متتالية، مما يجعل الكوكب بين شقى رحى: الفقر الآنى والانقراض المستقبلى.
يتجاوز عدد المشاركين هذا العام 2500 من المتحكمين فى إدارة دول العالم من رؤساء دول وحكومات جنبا إلى جنب مع مسئولى هيئات، منهم الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لحلف الأطلنطى (الناتو) ورئيس الاتحاد الأوروبى، والمئات من المديرين التنفيذيين للشركات المتعددة الجنسيات، علاوة على ممثلين للمجتمع المدنى الدولى، وحضور نحو 116 مليارديرا على رأسهم ملك الفحم الهندى جوتام أدانى، إلى جانب نخبة من الأثرياء الأمريكيين والأوروبيين والآسيويين وكذلك رجال أعمال عرب ومشرقيون، مع غياب روسى وصينى متعمد. وقد خصصت سويسرا للمنتدى ما يزيد على خمسة آلاف جندى لن يجدوا صعوبة فى إبعاد المئات من المناهضين للتجمع الذى ينعقد فى الشهر الأكثر برودة فى منتجع جبلى على ارتفاع نحو 1600 متر لا يقصده إلا الأثرياء، ومع ذلك تشير الأرصاد إلى انخفاض معدل تساقط الثلوج فى إنذار من الطبيعة لمنظمى المنتدى بتبعات التغير المناخى. فى الوقت نفسه وبعد تجربة العامين الماضيين مع موضة اللقاءات الافتراضية وسطوة السوشيال ميديا، حرص منظمو المنتدى، إلى جانب حضور وسائل الإعلام التقليدية المعتادة، على دعوة عدد من المؤثرين الشباب على منصات شبكات التواصل لإحاطتهم علمًا بما يدور فى أروقة المنتدى المنعزل الذى يتم استخدامه لعقد صفقات وتحالفات تجارية أيضا. وهو ما فسره البعض بأنه محاولة للترويج لسياسات الكبار عن طريق المؤثرين الافتراضيين الذين يعملون من أجل زيادة نسب مشاهدتهم دون أن يكون لديهم العقلية النقدية والتحليلية اللازمة، وهو ما يخشى معه المراقبون من تضليل الجمهور العادى. إذ على سبيل المثال، يحتضن المنتدى شركات النفط الكبرى التى ستضغط بالطبع من أجل مصالحها وأرباحها، فى الوقت الذى يعانى فيه العالم أزمة الطاقة وأسعارها، علاوة على مشكلات التلوث نتيجة لاستنزاف الموارد واستخدام الطرق التقليدية دون البحث عن سبل بديلة أقل ضررا وتكلفة.
ولعل ما سبق، يتفق مع ما يردده البعض من أن تحديات العيش على كوكب الأرض لن تنتهى إلا بنهايته، إذ يؤكد الخبراء أن الكوكب لم يمر بفترات ازدهار وسلام إلا لفترات قصيرة محدودة، وهو ما يجعل من مجرد مواجهة التحديات العالمية مهمة تقليدية ثقيلة، ما لم يتكاتف الجميع من أجل بذل كل ما فى وسعهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى تستمر العجلة فى دورانها.
رابط دائم: