-
انخفاض توقعات النمو ينذر بأوضاع أكثر هشاشة ومزيد من الحذر
مازالت مؤشرات الاقتصاد العالمى تبعث على الحذر، وتنبئ بالمزيد من التباطؤ فى النمو، وسط أجواء مالية ونقدية متقلبة وأوضاع اقتصادية هشة فى الدول المتقدمة والنامية على حد السواء، تتجاوز فى آثارها أشد الأزمات التى شهدها العالم على فترات متفاوتة من التاريخ.
ففى بداية الثلاثينيات من القرن الماضى، كانت أزمة الكساد الكبير فى الولايات المتحدة، وانهيار سوق الأسهم الأمريكية يوم «الثلاثاء الأسود»، تلاها عشرسنوات من الخسائر المالية الضخمة، ثم مرت الأزمة وعاد الانتعاش والنمو والإزدهار.
وجاءت أزمة النمور الآسيوية فى عام ١٩٩٧، واضطرابات أسواق المال والأموال الساخنة وتخفيض العملة، لتعيش الدول فى آسيا أزمة طاحنة، ثم تمر وتتحول الدول الآسيوية إلى النمو السريع، وجذب الاستثمارات المباشرة وفرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة.
وليس ببعيد عنا الأزمة المالية العالمية فى ٢٠٠٨، والتى شهدت انهيار أسواق العقارات، وإفلاس بعض المؤسسات المالية الكبرى فى الولايات المتحدة وتأثيرها على عدة دول. وبعد عدة إجراءات على مستوى الدول ومساندة الشركات، تجاوزت الولايات المتحدة الأزمة وتجاوزها العالم، حتى جاءت أزمة كورونا الصحية التى عطلت الاقتصاد العالمى، وتسببت فى توقف سلاسل الإمداد والإنتاج وزيادة التضخم، بل وتشابك فى نهايتها الحرب فى أوكرانيا، التى لاتزال تداعياتها وتأثيراتها مستمرة على الاقتصاد العالمى.
وبالرغم من مرور عدة أشهر على نهاية الأزمة الصحية و بداية الحرب فى أوكرانيا، إلا أن الوضع الاقتصادى العالمى لايزال هشا ضعيفا يتصف بعدم اليقين، وسط تحذيرات من استمرار الوضع غير المستقر خلال عام ٢٠٢٣ .
وقد أكدت هذه التوقعات فى أحدث تقرير للبنك الدولى عن الآفاق الاقتصادية العالمية، والذى خفض فيه توقعات نمو الاقتصاد العالمى بمعدل 1.7% فى عام 2023 ، بينما كانت نظرته أكثر تفاؤلا لعام ٢٠٢٤، والذى توقع أن ينمو فيه الاقتصاد العالمى ليصل إلى 2.7% .
ومع تعديل توقعات نمو الاقتصاد العالمى، توقع البنك الدولى أن تنخفض توقعات النمو فى نحو 95% من الدول ذات الاقتصادات المتقدمة، ونحو 70% من الدول فى اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، وذلك فى ظل معدلات النمو العالمى التى تتباطأ بشدة فى مواجهة ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض الاستثمارات، واستمرار الاضطرابات الناجمة عن الحرب فى أوكرانيا.
كما لفت البنك الدولى إلى أنه بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية الهشة، فإن أى تطور سلبى جديد يحدث على مستوى الاقتصاد العالمى، مثل ارتفاع التضخم بنسبة أكبر من المقدر، أو حدوث ارتفاع مفاجئ جديد فى أسعار الفائدة لاحتواء هذا التضخم، أو فى أسوأ الأحوال عودة تفشى فيروس كورونا، أو زيادة التوتر على صعيد الحرب الأوكرانية، فإن هذا الخطر الجديد يمكن أن يدفع الاقتصاد العالمى إلى حالة ركود جديدة بحيث تكون هى المرة الأولى منذ أكثر من 80 عاماً، التى يشهد فيها عقد واحد اثنتين من نوبات الركود العالمي.
والمعاناة من الأوضاع الاقتصادية والأزمة الحالية، سيكون للدول المتقدمة نصيب ليس هين منها، ففى الولايات المتحدة الأمريكية، من المتوقع أن ينخفض معدل النمو إلى 0.5% فى عام 2023 - أى أقل بمقدار 1.9 نقطة مئوية عن التوقعات السابقة، الأمر الذى يمثل أضعف أداء خارج حالات الركود الرسمى منذ عام 1970.
وكذلك منطقة اليورو ستشهد فى عام 2023 انخفاضا فى النمو، فمن المتوقع أن يبلغ معدل النمو بمنطقة اليورو 0% - انخفاضا من 1.9% بعد تعديل التوقعات، بينما ستكون الصين إلى حد ما أسعد حظا، فمن المتوقع أن يبلغ معدل النمو 4.3% فى عام 2023 - أى أقل من التوقعات السابقة بمقدار 0.9 نقطة مئوية.
وباستثناء الصين، فإنه من المتوقع أن يتراجع معدل النمو فى اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية من 3.8% فى عام 2022 إلى 2.7% فى عام 2023، مما يعكس ضعف الطلب الخارجى بدرجة كبيرة، بسبب (ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة العملة، وتشديد شروط التمويل)، ناهيك عن الأوضاع المعاكسة على الصعيد المحلي. وبنهاية عام 2024، ستنخفض مستويات إجمالى الناتج المحلى فى الاقتصادات الصاعدة والنامية بنحو 6% عن المستويات المتوقعة قبل تفشى جائحة كورونا. وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن يستقر معدل التضخم العالمى عند مستوى متوسط، فإنه سيظل أعلى من مستويات ما قبل الجائحة.
وكما أن الدول والحكومات ستعانى لمواجهة تحديات الوضع الاقتصادى العالمى، سيعانى أيضا الأفراد فى المجتمعات والدول الأكثر تأثرا، فعلى مدى العامين القادمين، من المتوقع أن يبلغ متوسط نمو نصيب الفرد من الدخل فى اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية 2.8%، وهو ما يقل بنقطة مئوية كاملة عن المتوسط المسجل للسنوات 2010-2019، بينما فى منطقة إفريقيا جنوب الصحراء - التى تضم نحو 60% من الفقراء فى العالم - من المتوقع أن يبلغ متوسط نمو نصيب الفرد من الدخل 1.2% في 2023-2024، وهو معدل قد يتسبب فى ارتفاع معدلات الفقر وليس فى انخفاضها.
رابط دائم: