بعد عامين من سيطرة الديمقراطيين على الرئاسة والكونجرس، ها هم الجمهوريون يعودون للسيطرة على مجلس النواب بالكونجرس الـ 118. فما الذى سيعنيه هذا البرلمان المنقسم لحكومة الرئيس جو بايدن فى الجزء الثانى من ولايته؟ هل سينجرف فى دوامة الاستجوابات والتحقيقات التى يعده بها الجمهوريون أم سيشكل عام 2023 اختبارًا محوريًا لقدرته على التغلب على خصومه السياسيين واسترضاء ناخبى القاعدة الديمقراطية فى آن واحد؟
ويشغل الجمهوريون 222 مقعدا من مقاعد مجلس النواب، والديمقراطيون 213 مقعدا، بينما يملك الديمقراطيون أغلبية 51 عضوا فى مجلس الشيوخ، مقابل 49 عضوا للجمهوريين. وعلى الرغم من إجماع الأمريكيين على وجود قضايا ملحة تتطلب تعاون الحزبين لمواجهتها، مثل ارتفاع معدلات الجريمة، وفشل سياسات الهجرة، وارتفاع أسعار الرعاية الصحية، لا يتوقع كثير من الخبراء تسجيل أى تقدم فى الأجندة التشريعية لكلا الحزبين فى دورة الكونجرس الجديدة. وأظهر استطلاع حديث للرأى أجراه معهد «بيو» للأبحاث ديسمبر الماضى، اعتقاد 65% من الأمريكيين أن بايدن لن ينجح فى تمرير برامجه لتصبح قوانين فى العامين المقبلين.
وبالفعل، يقول مشرعون من الحزب الجمهورى إنهم يريدون التراجع عن بعض برامج بايدن، أو وقف تمويل العديد منها. فمن المرجح أن يمارس الجمهوريون سلطتهم من خلال عدة تحقيقات تستهدف إدارة بايدن وعائلته، خاصة التعاملات التجارية لنجل الرئيس الأمريكى هانتر بايدن ـ وسياسات الرئيس تجاه الحدود الأمريكية المكسيكية، وأصل فيروس «كورونا»، وفوضى انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وتدفق أموال دافعى الضرائب نحو أوكرانيا. ويتوقع كذلك أن تنتهى السيطرة على تحقيقات اللجنة الخاصة بأحداث اقتحام مبنى الكابيتول فى نهاية عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. بمعنى آخر، قد تعنى الأغلبية الجمهورية الجديدة فى مجلس النواب أن الأجندة التشريعية لبايدن قد ماتت بشكل أساسى، ما لم يتمكن من العثور على حلول وسط ودعم من الحزبين لبعض المقترحات التى تفيدهما معا.
ومع ذلك، وحتى إذا كان مجلس النواب الجمهورى يخطط بالفعل للتصويت على قضايا تهم الرأى العام، مثل الإجهاض وأمن الحدود، لكن هذه الجهود قد تنتهى بشكل أساسى بسبب سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ والبيت الأبيض ـ حيث يمكن للرئيس ممارسة حق النقض (الفيتو) على التشريعات. وفى مجلس الشيوخ سيكون التركيز الكبير للديمقراطيين منصبّا على تثبيت ترشيحات إدارة بايدن للمناصب الإدارية الرئيسية والقضاة الفيدراليين. ولأن هامش الأغلبية ضئيل للغاية، فقد يكون هناك ضغط من الجمهوريين الأكثر اعتدالا للتراجع عن بعض التحقيقات، وقد يحد ذلك أيضا من حرية الحركة لدى الرئيس الجديد لمجلس النواب كيفين مكارثى.
والشيء بالشيء يذكر، فلن ينسى أحد المخاض الصعب على مدى 4 أيام و15 تصويتا للتوافق على مكارثى زعيما للنواب. فأكثر المعارضين له كانوا من الجمهوريين. فى المقابل، ورغم الأغلبية الضئيلة، كان الكونجرس الذى هيمن عليه الديمقراطيون خلال العامين الماضيين أحد أكثر المجالس إنتاجية فى التاريخ الحديث، حيث سنّ جميع أنواع التشريعات حول التصنيع والبنى التحتية والتحكّم باستخدام الأسلحة وأزمة المناخ.
وبالتأكيد لن يقف البيت الأبيض مكتوف الأيدى انتظارا للجولات المقبلة من الجدل فى الكونجرس، وكشفت صحيفة «واشنطن بوست» أن البيت الأبيض بدأ فى اتباع إستراتيجية معدلة للتحرك بحرية خلال العامين المقبلين يسعى من خلالها إلى تخفيف الاشتباكات عن طريق التعاون بين الحزبين وراء الكواليس بشأن مشاريع قوانين من الحزبين. وتتضمن الإستراتيجية أيضًا التحرك بقوة لتنفيذ أجزاء من التشريعات التى تبلغ قيمتها عدة تريليونات من الدولارات والتى تم عرضها بالفعل على مدى العامين الماضيين، مما يوفر ثقلًا موازيا لتحركات الحزب الجمهورى نحو التحقيق فى الأخطاء والخلافات عن نفس الفترة. ولذلك، بدأ بايدن السفر إلى الولايات المتصارعة للترويج لهذه التشريعات ولتذكير الأمريكيين بأن الكثير من التأثير الاقتصادى لهذه القوانين سوف يكون محسوسًا فى الأشهر المقبلة. فحسب قوله: «كلما عرفوا أكثر عما نقوم به، كان هناك المزيد من الدعم». فأى كفة سترجحها الأيام المقبلة؟.
رابط دائم: