رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حلم مصر الأخضر يبدأ بنقطة مياه..
«الرى الذكى» السبيل لزيادة إنتاجية وجودة المحاصيل

تحقيق ــ أحمد الزهيرى

  • خبراء الرى: هناك أساليب حديثة يمكن للدولة الاستفادة منها لتعظيم العائد وتقليل الفاقد
  • يجب تغيير ثقافة المزارعين للتحول للرى باستخدام الذكاء الصناعى لتوفير المياه
  • المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والرى: منظومة متكاملة للرى تراعى جميع الأبعاد المائية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية


 


تطبيق غرامات تبديد المياه حال استخدام «نظام الغمر» فى الأراضى الرملية


الرى هو نقطة البداية للتنمية الزراعية الشاملة، وهو حل المعادلة الصعبة ما بين حلم مصر الأخضر، وبين محدودية كمية المياه اللازمة لرى محاصيل متنوعة تكفى الحاجة ونصدر فوائضها .. لكن هناك موانع تقف أمام تحقيق «الحلم».. منها تشبث البعض بأنماط الرى التقليدية والخوف من التكنولوجيا, مما لا يؤجل الحلم فقط بل يحوله إلى كابوس مرهق للفرد وللدولة.
فى الوقت الذى تحاول فيه بعض الدول تقسيم قطرة المياه لنقطتين ويتنافس الخبراء فى الزراعة بين الرى الدقيق والرى الصغير أو الرى بالفقاعات واستخدام الذكاء الصناعى فى تحديد أوقات الرى ونسبها وكمياتها.. لا يزال الرى بالغمر يسيطر على ثقافة فلاحينا..
عن قرب نفتح باب الرى لنتعرف من الخبراء والباحثين على الجديد فيه ؟ وكيف نخطط لاستبدال «الرى الذكى» بثقافة الغمر؟ وما هى الفوائد التى تعود على المزارعين والدولة فى هذا الاتجاه ومن أين نبدأ؟..


قطاع الزراعة هو المستهلك الرئيسى للمياه المتاحة فى مصر، حيث يستهلك ما يقرب من 80% من إجمالى الموارد المائية المصرية، لذلك عند الحديث عن توفير المياه وتقليل الاستهلاك المائى تتجه الأنظار دائما الى قطاع الزراعة والقائمين عليه لبذل الكثير من الجهد من أجل الحفاظ على الموارد المائية وإدارتها بطريقة رشيدة تساعد على الاستمرار فى الإنتاج وتحقق الطموحات والخطط التى تضعها الدولة من أجل زيادة مساحة الرقعة الزراعية كى تتواءم مع الزيادة السكانية المستمرة، وأيضا من أجل الحفاظ على المياه للأجيال القادمة.
ويؤكد الدكتور سامح الصاوى الباحث بمعهد البحوث الزراعية والبيولوجية وواحد من الذين لهم باع بحثى كبير فى طرق توفير المياه للرى أن هناك ثلاثة اعتبارات رئيسية مهمة فى معادلة الرى تبين الهدر من الاستفادة القصوى من الماء وهى توقيت الرى وكمية الاحتياجات المائية للمحصول وأخيراً سعة التربة التخزينية للمياه فى منطقة انتشار الجذور، حيث تستهلك النباتات المياه من الأرض باستمرار ويختلف معدل استهلاكها على حسب نوع المحصول وعمره والأحوال الجوية السائدة وكل هذه العوامل متغيرة وليست ثابتة.
وتتعاظم كمية الهدر من الماء تحت ظروف التربة الرملية والأراضى المستصلحة حديثا حيث تظهر مشكلة عدم قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء ولا سيما فقرها من المادة العضوية ولذلك فإن إدارة عملية الرى فى مثل هذه المناطق يعتبرمن محددات نجاح زراعة المحاصيل والخضر. حيث تحتاج النباتات فى مثل هذه الظروف إلى توفير المياه فى المكان والوقت المناسب وبالقدر المناسب بخلاف الأرض الطينية القديمة بالوادى والدلتا التى تستطيع أن تحتفظ بالماء لفترات طويلة.
ومن هنا يأتى دور وأهمية التكنولوجيا الحديثة والأجهزة الذكية فى إدارة العملية الزراعية، حيث دخلت التكنولوجيا فى جميع المجالات، وأصبحت هى المتحكم الرئيسى وأيضا شهد قطاع الزراعة طفرة كبيرة فى استخدام التكنولوجيا الحديثة للاستفادة من المميزات التى تحققها تلك الأجهزة الذكية من دقة فى التطبيق وتقليل الأخطاء وتوفير فى المدخلات وأيضا للوصول إلى أفضل النتائج.
وتعد إدارة عملية الرى باستخدام تكنولوجيا الرى الذكى من التقنيات الحديثة التى تلعب دورا كبيرا فى توفير المياه، حيث يتم استخدام أجهزة وأدوات تستطيع قياس نسبة الرطوبة والحرارة بالتربة ويمكن من خلالها إدارة عملية الرى بكفاءة عالية عن طريق استخدام الحساسات ‪Sensors‬ التى تقوم بدورها فى إرسال البيانات الى أجهزة الكمبيوتر أو تطبيق المحمول بصفة دورية وبالتالى يسهل الاطلاع على حالة التربة والنباتات باستمرار وأخذ القرارات السريعة، ويمكن أيضا التحكم الكامل من خلال أجهزة الرى الذكى فى عملية الري، حيث يتم فتح وإغلاق نظام الرى أوتوماتيكيا على حسب حالة الجو ونسبة الرطوبة فى التربة.
وهذه التطبيقات تعظم الاستفادة فى المزارع البعيدة التى تعانى من نقص العمالة وصعوبة الوجود المستمر بها.
وتتميز نظم الرى الذكى بالقدرة على إدارة عملية الرى بكفاءة عالية خاصة فى حالة قلة ضغط الماء أو ضعف الطاقة فيمكن من خلال هذه التقنية التحكم فى المحابس الكهربائية لكل قطعة على حدة، وتتم عملية الرى بالتتابع إلى أن يتم رى الأرض كلها. أيضا يسهم نظام الرى الذكى فى توفير مياه الرى من خلال إضافة كمية المياه للنباتات على حسب حالة التربة والظروف الجوية السائدة وأيضا من خلال توقف عملية الرى عقب سقوط الأمطار والاستفادة من مياه الأمطار فى رى النباتات. هذه التكنولوجيا يمكن استخدامها فى المناطق المستصلحة حديثا، حيث من السهل تجهيز المزارع بها ويجب تطبيقها إجباريا، فهى ستحل كثيرا من مشكلات الرى وستوفر كميات كبيرة من المياه


جودة المحاصيل

ويعدد الدكتور زكريا فؤاد زكريا أستاذ البحوث الزراعية والرى بالمركز القومى للبحوث فوائد استخدام نظم الرى الذكية بأنها تسهم فى تحسن إنتاجية وجودة المحاصيل الزراعية ووقايتها من الأمراض و فطر التربة وغيرها من الآفات التى تنشأ نتيجة زيادة كمية ماء الرى كما يساعد الرى الذكى على تعظيم الاستفادة الاقتصادية بتقليل تكالٌيف الرى ورفع كفاءة العمال، كما يتيح إمكانية متابعة عمليات الرى من أى مكان ويتيح أيضا سرعة إصلاح الأعطال التى قد تحدث فى أثناء الري‪.‬
ويضيف الدكتور زكريا فؤاد: لابد من تدعيم الحلول البديلة للرى بالغمر فى الوادى والدلتا وبث هذه الثقافة من خلال المرشدين الزراعيين خاصة الرى الصغير حيث يوفر الرى بالتنقيط أو الرى الصغير حلًا لنقص مياه الرى لأنه يخفض كمية المياه اللازمة للرى بشكل كبير وفى الوقت نفسه يساعد فى زيادة الإنتاج‪.‬

الرى الصغير

ويؤكد المهندس أسامة عبد الرحيم المتخصص فى تكنولوجيا الرى الحديث ــ أنه لابد أن نستفيد من تجارب الدول الأخرى فى عملية الزراعة وتكنولوجيا رى النباتات، خاصة فى الأراضى حديثة الاستصلاح والمدرجة فى خطة الدولة وتشمل ملايين الأفدنة أما فيما يخص الوادى القديم والدلتا فلا يصح أننا مازلنا نستخدم الرى بالغمر.
ويضيف أن هناك طرقا حديثة للرى كل يوم، وبداية من فكرة «الرى الصغير» التى قام بها العالم الأمريكى دانيال هيليل، حيث تم تطوير نسخة عصرية لنظام جمع المياه واستخدامها لرى المحاصيل فى المناطق الجافة ويعتمد نظام «الرى الصغير» على نقل المياه إلى التربة بواسطة القطّارات بحيث يتم تقطير الكمية الكافية من المياه فى التربة لجعلها تحتفظ بالرطوبة المثلى التى تحتاج إليها على مدار اليوم. وهذا النظام يختلف عن نظام الرى التقليدى الذى يجرى فيه إغراق التربة بالمياه على فترات، والذى يتطلب استهلاك كميات أكبر من المياه‪.‬ وهذا النظام مناسب جدا لمشروعات استصلاح الأراضى التى تقوم بها الدولة الآن فى شتى صحاريها ومدنها الجديدة.

الفقاعات حل آخر

ويصيف المهندس أسامة عبدالرحيم أن هناك نوعا آخرمن طرق الرى غير منتشر فى مصر ولكن منتشر فى الدول التى تعانى من الشح المائى وهو رى الفقاعات ويمكن تبسيط وتعريف الرى بالفقاعات بأنه نظام رى يدمج ما بين الرى بالتنقيط وبالمرشات، وتعتمد هذه الطريقة على حقن الهواء داخل أنابيب الماء أو الخزانات، وبالتالى فإنها تزيد نسبة الأكسجين فى الماء بنسبة تقترب من 150% وبالتالى تزيد نسبته بالتربة، مما يساعد فى التخلّص من البكتيريا الضارة وتحسين التربة، ويستخدم فى هذا النظام جهاز فقاعات يُنظّم تدفق الهواء إلى أنابيب الماء قبل المباشرة بالسقاية.‪

‬‫الطاقة الشمسية ‬

‫ويتحدث حسين محمد عبدالعال ــ مهندس زراعى وصاحب تجربة فى الرى من الآبار بالطاقة الشمسية أو ما يعرف بنظام كاليفورنيا ــ عن أن هذا النظام مناسب جدا للأراضى المستصلحة فى ظهير مصر الصحراوي، وأنه قام باستصلاح عشرات الأفدنة بذلك النظام وقام بنقله للمزارعين فى محافظة سوهاج ويتمنى تعميمه فى جميع المحافظات. وهو يعتمد على مضخات تعمل بالطاقة الشمسية لنقل المياه من الجداول والآبار وهو مناسب للأراضى الصحراوية والمستصلحة حديثا، حيث تمت زراعة العديد من محاصيل الخضراوات الرئيسية فى جميع المواقع فى كاليفورنيا، وفى العديد من الدول الإفريقية والشرق الأوسط وتمت مقارنة أداء هذه النظم بأداء طرق الرى التقليدية وهى الرى بـ(الدلو) والرى بالغمر (الرى الانسيابى).‬
‫ويضيف المهندس حسين عبد العال أن الدراسات التى أجريت على نظام كاليفورنيا للرى أثبتت أنه أفضل بدرجة كبيرة من حيث تحسين كفاءة استخدام المياه وتحسين جودة المحاصيل مقارنةً بجميع طرق الرى التقليدية التى يستخدمها المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة فى البلدان المستهدفة. أضف إلى ذلك، أن مستوى الكفاءة الاقتصادية كان أعلى بمرتين إلى ثلاث مرات مقارنةً بنظم الرى التقليدية.‬
‫وتشير أحدث الدراسات على حد قول المهندس حسين عبد العال إلى أن «نظام كاليفورنيا» للرى الذى يعمل بالطاقة الشمسية تكلفته منخفضة نسبيًا حيث تتراوح مابين 600 وألف دولار أمريكى للهكتار مقارنة بنظام الرى بالتنقيط الذى يتطلب نحو من ألفين إلى أربعة آلاف دولار أمريكى للهكتار كاستثمار أوّلي. وهناك سبب آخر يتمثل فى ارتفاع أسعار الوقود المستخدم فى الرى التقليدى التى تعظم التكلفة وبالتالى تقلّل من دخل المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة.‬
وعلى سبيل المثال فاستهلاك فدان الطماطم الذى تم ريه بنظام كاليفورنيا يستهلك كمية مياه أقل بـ18% من نظرية المروى بالغمر‬.

‪ ‬«الإرشاد أولا»

ويتفق المهندس عبدالنعيم محمد سعيد (مرشد زراعي) مع قول المهندس السيد عبدالسميع (مرشد زراعي) فى أن نقطة البداية فى الاقتصاد فى مياه الرى فى ظل محدودية الموارد ورغبة الدولة فى استصلاح ملايين الأفدنة لا تكمن فقط فى استخدام أساليب جديدة للرى بل ثلاث نقاط مهمة أولاها أن توفير المياه فى الرى لابد أن يبدأ من الوادى والدلتا وتغيير ثقافة المزارع الزراعية الذى تربى على الرى بالغمر وتقليل الفجوة بينه وبين التكنولوجيا.. وبث روح التعاون بين المزارعين فى عملية الرى بتوفير تسهيلات ومحفزات لهم لاستخدام تكنولوجيا الرى الحديث
وثانيتها زيادة عدد المرشدين الزراعيين وإعادة تفعيل دورهم، فهم حلقة الوصل الأهم للدولة لتنفيذ سياستها الزراعية وبدونهم ستفقد الدولة التواصل المباشر مع الفلاحين وثالثا وضع سياسة زراعية واضحة ومنح المزارعين بدائل متعددة سواء فى المحاصيل أو طرق رى وتوفير قروض ميسرة لهم دون فوائد لتغطية نفقات تحولهم من الرى بالغمر للرى بالتنقيط أو الرى الدقيق أو حتى الرى الذكى.

منظومة متكاملة

الحكومة لديها تصور كبير لإعادة صياغة عملية الرى كاملة فى مصر، سوف تكون الحل المناسب للحفاظ على المياه واستغلالها بشكل صحيح.. هذا ما يؤكده محمد غانم المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والرى.. ويقول: يجرى حاليا دراسة ملف الرى الحديث فى مصر بشكل متكامل يشمل التأثير على معدل شحن الخزان الجوفى وكميات الصرف الزراعى التى تدخل المنظومة المائية فى مواقع أخرى وملوحة التربة وغيرها، ووضع معايير وأولويات وتحديد مناطق للعمل خلال الفترة المقبلة، فى ضوء أن الرى الحديث يعد جزءا من منظومة الرى المتكاملة ويجب دراسة تأثيراته من جميع الأبعاد، مع بحث مختلف البدائل المستخدمة عالميا فى مجال نظم الرى الحديث، وإمكانية استخدام هذه النظم مع مراعاة كل الأبعاد المائية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
ويضيف محمد غانم، انه يتم الآن متابعة التحول للرى الحديث بالأراضى الرملية، وتطبيق غرامات تبديد المياه تجاه المخالفين حال استخدامهم للرى بالغمر فى الأراضى الرملية كما يجرى بحث آلية التوسع فى التحول للرى الحديث فى البساتين ومزارع قصب السكر وفقا للمنظومة المتكاملة المستهدفة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق