رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بالتنورة .. هــــنيدة وخــالد يتحـديان الإعـاقـة

أمـانى ماجـد
هنيدة بالتنورة

نكتشف كل يوم أن أصحاب الهمم طاقة غريبة متفجرة لا تقف أمامها عقبة الإعاقة العقلية ولا حتى الظروف المادية القاسية ..يحفرون بأجسادهم الصغيرة وعقولهم التى نتخيلها ضعيفة مكانا يصعدون به نحو القمة ليس فى الألعاب الرياضية فحسب ولكن فى فن جديد عليهم هو «التنورة»..ذلك الفن السماوى الذى لا يجيده إلا قليل من الأصحاء ..

فى السطور التالية نقترب من قصة اثنين من ذوى الهمم ..يعشقان التنورة ويكافحان ويتحديان كل الصعاب لمواصلة اللف بـ«التنورة» ..


.................

  بعد 9 أشهر على بداية التدريب وصل عدد الحفلات التى شاركت فيها الطفلة هنيدة من أصحاب الهمم حتى الآن إلى 30 حفلة معظمها فى قصر الثقافة الخاص بذوى الهمم ومديرية التربية والتعليم

تقول هنيدة «ماما وإخواتى بيشجعونى وأنا باحب التنورة أوى ونفسى كل الناس تعرف أنى شاطرة ولما أكبر هأكون لاعبة تنوره كبيرة ومشهورة»،وتضيف:«ممكن تقولوا لمحمد صلاح إن أنا نفسى أقابله وأسلم عليه عشان أنا باحبه أوى».

وتحكى السيدة نهى محمد والدة الطفلة «هنيدة محمد عزيز» التى تعمل فى محل بقاله عن ابنتها الطفلة الموهوبة .. فقالت :«هنيدة ابنتى عمرها 10 سنوات وتعشق فن التنورة وأنا أقف بجوارها وأكافح لدعمها مع تربية أشقائها الثلاثة من خلال هذا المحل الذى يعد مصدر دخلنا الوحيد..» .

وتضيف السيدة نهى قائلة «ابنتى من ذوى الهمم وحالتها هى صعوبات تعلم وارتشاح فى العين وضعف البصر نتيجة وجود كيس مياه على العصب البصرى يؤدى إلى صداع شديد فترات طويلة،كما تعانى مرض البهاق ..والحمد لله ابنتى بظروفها هذه حصلت على المركز الثالث فى ألعاب القوى «الجرى» فى الأولمبياد ..لكن الجديد فى حياتها هو عشق التنورة والتميز فيها.

وبدأ هذا العشق فى إحدى الحفلات بقصر الثقافة الخاصة بذوى الهمم،وشاهدت هنيدة رقصة التنورة وطلبت أن تقلد الراقص ،وفعلا بدأت تلف مثله،ووقتها قال لى راقص التنورة أن بنتى موهوبة ..وفعلا أخذت هذا الكلام على محمل الجد،وتم تفصيل تنوره تتناسب معها عند أحد المتخصصين.

وتضيف والدة هنيدة «وكانت النقطة المهمة لنا هى كيفية تدريب البنت على تجاوز «الدوخة» التى تنتج من اللف بالتنورة وكذلك التدريب عليِ الحركات المختلفة،ولضيق ذات اليد تم التدريب من خلال اليوتيوب..وفعلا بدأت ابنتى تحاول وأنا بجوارها أشجعها وأدعمها وأتعامل معها كأنها إنسانة طبيعية وليست من ذوى الهمم..حتى تجاوزت مسألة الدوخة التى تحدث فى بداية تعلم التنورة.

وبعد 3 أشهر تجاوزت هنيدة هذه المرحلة وحاليا تلف بتنورة وزنها نحو 10 كيلو جرامات و لمدة 15 دقيقة تقريبا بمفردها ولو شاركها أحد فى الرقص تلف نصف ساعة-كما تقول الأم..

وفى محاولة لتدريب الطفلة على المزيد من حركات التنورة فكرت الأم فى البحث عن مدرب ..لكن العقبة كانت ضيق ذات اليد ..وظلت تبحث حتى وجدت الكابتن عليوة «لاعب التنورة» الذى قدر ظروفهم المادية ووافق أن يدرب الطفلة بالمجان ..وجاءت المشكلة الثانية وهى اختيار مكان مناسب للتدريب..وأخيرا اتفقوا على التدريب فى مدخل العمارة التى تقطن فيها الأسرة..وبدأت هنيدة فى التدريب الاحترافي».

حسبما تقول والدة الطفلة ولفتت إلى حدث تطور إيجابى لابنتها بعد ممارسة اللف بالتنورة واختفاء الصداع الشديد الذى كانت تصاب به بسبب مشكلة ارتشاح العين.. ومن خلال تجربة شخصية تنصح والدة الطفلة هنيدة كل الأسر التى أكرمها الله بأطفال من ذوى الهمم بالاهتمام بهم رياضيا وفنيا «حسب موهبتهم» قائلة:»الأطفال دى بداخلها طاقة محدش يتخيلها»


هنيدة ووالدتها - البطل/ خالد إبراهيم


خالد.. ومتلازمة داون

ولم تتوقف التنورة عند إبهار ذوى الهمم من الاطفال فحسب،بل جذبت أيضا الشباب ومنهم خالد إبراهيم «متلازمة داون» الذى يمارس اللف بالتنورة ولكن بشكل محدود لاختلاف ظروفه المرضية والمادية، ويقول والده إبراهيم محمد «بالمعاش»:ابنى عمره 18 عاما وفى مصيف رأس البر رأى حفلات تنورة وبدأ يقلد اللعب ،وأخذ «عوامة البحر وخمار والدته»وعلى أنغام الموسيقى حاول اللف بها.. وتوقف الأمر عند هذا.

وبعدها فى أثناء مشاركته بالتمثيل والرقص الصعيدى فى إحدى الحفلات الخاصة بذوى الهمم تحدثت مع منظمة الحفل عما حدث من خالد..فطلبت منى الاهتمام برغبته وتفصيل تنورة مقاسه ،وفعلا تم تصميم تنورة مقاسه و بدأ يلف بها لكن بدفين فقط والمفروض أن يلف بـ 4 دفوف،لكنه بالطبع يحتاج إلى تدريب ..ومع هذا شارك فى آخر حفل سنوى أقامته مؤسسة «أولادنا»،ورقص التنورة على أنغام أوبريت «الليلة الكبيرة»،وأدى أيضا الرقص الصعيدى.

وأضاف والد خالد: «ولموهبة ابنى الواضحة وسعادته باللف بالتنورة بحثت عن مدربين له، لكن للأسف وجدت أن سعر الحصة مبالغ فيه ولا يتناسب مع إمكاناتى حيث إننى «بالمعاش»، ومعظم المدربين قالوا لى إن خالد يحتاج 10 حصص على الاقل للتدريب، والحصة تكلفتها 250 جنيها، ولذلك أتمنى أن نجد مدربا متطوعا لابنى.. ليحترف اللف بالتنورة بعد إنهاء دراسته الثانوية فى مدرسة التربية الفكرية،لتكون له مهنة تنفعه من بعدي».. ويشير إبراهيم محمد والد الشاب خالد إلى أن التنورة أضافت بعدا جديدا إيجابيا لشخصيته وحققت له سعادة كبيرة مختلفة رغم تميزه فى السباحة وحصوله على عدة ميداليات على مستوى الجمهورية وإجادته فن الرقص الصعيدى ودون تدريب أيضا.

تزايد الانتباه والتركيز

ولأنها عايشت ودعمت هنيدة وخالد وغيرهما من ذوى الهمم سألنا الدكتورة جيهان عبدالله استشارى الصحة النفسية بوزارة التربية والتعليم عن جدوى احتراف فن التنورة وتأثيره على ذوى الاحتياجات الخاصة ..فقالت إنها أنشأت «جروب صحبة الخير»على شبكة الإنترنت بهدف التواصل مع تلك الفئات أو بمعنى أدق مع أسرهم ومن خلال موقعها ودراستها تسعى لدعم الأطفال والشباب بتوعية أسرهم للتعامل مع الأبناء بهدف تفريغ الطاقات فى أنشطة ثقافية مفيدة ترفع من قدرات الأولاد.

وقالت إنها عرفت هنيدة من خلال إحدى الأمهات المشاركات فى «صحبة الخير»،ولفتت إلى موهبة هنيدة وخالد وغيرهما واندماجهما فى الأعمال الدرامية فى الحفلات التى تنظمها المؤسسات المختلفة ،لافتة إلى الدور الكبير الذى يقوم به أولياء أمور ذوى الهمم.

وتشير الدكتورة د.جيهان إخصائية الصحة النفسية إلى أن التعامل بشكل عام مع ذوى الهمم يحتاج إلى إخصائى نفسى لعمل جلسات للمعرفة والانتباه والتركيز تستغرق عدة أشهر وأحيانا سنوات وذلك حسب الحالة..

لكن الدراسات الحديثة توصلت إلى أن الاعمال الدرامية حين تضاف إلى أسلوب التعامل مع المعاقين تؤدى إلى تغير مذهل فى شخصية المعاق ..وخاصة اللف بالتنورة فمجرد وجود الاطفال على المسرح والتركيز مع الموسيقى وأداء حركات معينة مع مقطع موسيقى محدد يتوافق مع تعبيرات الوجه ،والخفة فى تبديل الدفوف التى يلف بها اللاعب ليعطيها لشخص يقف خلفه بشكل لا يلحظه الجمهور..مع تحمل وزن التنورة....كل هذا التآزر الحركى يفضى فى النهاية إلى تفريغ الطاقة السلبية للاعب أو اللاعبة والتخلص من العدوانية وارتفاع وتيرة الانتباه والتركيز.

ولفتت إلى أن التنورة تعلم ذوى الاحتياجات الخاصة تذوق الموسيقى ..فهم لا يرقصون على أى ألحان..فإذا تم تشغيل موسيقى لا تروق لهم يتركون المسرح على الفور..فهم يرقصون لمتعتهم فقط..ولديهم شجاعة غريبة فى رفض ما لا يعجبهم.وأثنت إخصائية الصحة النفسية على اهتمام الدولة بذوى الهمم لكنها لفتت إلى ضرورة الاهتمام بالبعد الدرامى فى حياة هؤلاء الأولاد لما له من أهمية قصوى فى رفع قدراتهم الذهنية والبدنية.

اللف والدوران

وفى لمحة سريعة عن فن التنورة ــ وله جذور صوفية ــ الذى أبهر ذوى الهمم التقينا عليوة محمد لاعب التنورة الذى يبلغ من العمر 26 عاما قضى نصفها تقريبا فى اللف بالتنورة، وقدم العديد من الحفلات ودرب عشرات الهواة..بدأنا معه من حيث نشاهد على المسرح ..بالألوان الباهرة والإضاءات المتنوعة والدفوف و الحركات ..فقال إن رقصة «اللفيف» تبدأ بدورانه حول نفسه من الشمال إلى اليمين والذراع اليمنى تتجه إلى السماء واليسرى إلى الأرض وتزداد سرعة دوران الراقص بتزايد الإيقاع فأشعر وأنا أدور بأننى أرتفع عن الأرض وأبدأ فى التحرر من قطع التنورة واحدا تلو الأخرى..

ومع الجزء الأخير من التنورة أقوم بتطبيقه كأنه مولود صغير إشارة إلى ميلاد العالم من جديد وبداية الخليقة بانفصال الأرض عن السماء..ويذوب اللفيف من الانتشاء والسعادة حبا فى الله عز وجل والشعور بالارتفاع عن الأرض ويبدأ اللفيف فى تأدية حركات عديدة بالدفوف .

ويقول :عندما بدأت التنورة المصرية كانت بالزى الأبيض نسبة إلى المولوية التى ابتكرها مولانا جلال الدين الرومى، ثم تم إدخال الالوان المختلفة التى اشتهرت بها جميع الطريق الصوفية للتأكيد أن التنورة لا تنتمى إلى طريقة صوفية بعينها..وكل لفيف يختار الشكل الذى يرغب فيه عند تفصيل التنورة من خلال كتالوج يعرضه عليه مصمم التنورة الذى يأخذ مقاسات الشخص،ويتميز القماش بسمكه ليتحمل اللف والدوران وتيارات الهواء المتدفق فى أثناء الدوران ..واللفيف لديه تنورة للصيف وأخرى للشتاء، ويستغرق المصمم فى إعدادها نحو ثلاثة أشهر،بتكلفة تصل إلى 3 آلاف جنيه .

أما وزن التنورة فيختلف حسب مقاسات الشخص ..فتنورة الطفل فى حدود 10 كجم ..أما الخاصة باللفيف الشاب فتزن نحو 30 كجم وهكذا..وعن التدريب يقول إن اللاعب يتدرب فى البداية على تحمل «الدوخة»التى تحدث عند اللف لمدة دقائق بسيطة تزداد تدريجيا ثم ندربه على التركيز ثم حركات مختلفة مثل التثبيت والفانوس والدفوف وقواعد اللف بالذراعين .

..والسؤال الذى يفرض نفسه:هل يستطيع ذوو الاحتياجات الخاصة استيعاب كل التفاصيل السابقة؟

يجيب اللفيف عليوة محمد : طبعا قادرون، وأنا دربت الطفلة هنيدة وفى مدخل عمارتهم ..والبنت تستجيب ..لكن عدد الحصص يتوقف على حالة المتدرب،ومن خلال التجربة أرى أن ذوى الهمم لديهم إرادة حديدية فى التدريب.

..وأخــــــــــــيرا..
نتبنى أمنيات (هنيدة وخالد) فى رغبتهما فى التدريب الاحترافى .. ونهمس فى آذان المسئولين بدعم تلك الأسر التى تكافح من أجل أبنائها ..أبناء مصر القادرين فعلا على نحت أسمائهم ببراعة فى عالم «التنورة».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق