رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بين تأييد ورفض تدخل «القوات الأجنبية»..
«هايتى» الكاريبية.. ونداء الإغاثة من براثن الثلاثية

هدير الزهار
> هايتى فى قبضة العنف والجوع والكوليرا

«العنف والجوع والكوليرا».. إنها الثلاثية المرعبة التى تهدد بقتل الآلاف من ساكنى هايتى.. وذلك مع تدهور الأوضاع بها أكثر من أى وقت مضى، خاصة مع منع العصابات وصول المساعدات الإنسانية إلى أولئك الذين هم على وشك الموت. الوضع مأساوى إلى حد لا يمكن وصفه، حيث يواجه 4.7 مليون شخص خطر الجوع الحاد، كما يعانى ما يقرب من 20 ألف شخص من «الجوع الكارثى»، وهم الذين باتوا على شفا الموت جوعا، وذلك وفقا لما ورد فى تقرير برنامج الأغذية العالمى التابع للأمم المتحدة.

ومما يفاقم الوضع أنه على سبيل المثال فى العاصمة بورت أوبرنس يعانى سكان حى سيتى سولاى، وهو أكبر حى فقير فى العاصمة ويقدر عددهم بحوالى 260 ألف شخص، ليس فقط من العوز ولكن من سيطرة العصابات طوال الأشهر الستة الماضية مما جعل نشر الفوضى والعنف يحول دون وصول المساعدات الإنسانية العاجلة إلى من هم فى أمس الحاجة إليها. فقد تسبب القتال بين العصابات المتنافسة للسيطرة على الطرق المؤدية إلى العاصمة فى مقتل ما يقرب من 500 شخص خلال الصيف الماضى، كما أدى العنف فعليا إلى فصل سكان بورت أوبرنس - البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة - عن باقى أنحاء البلاد. ونظرا لأن تلك العصابات تسيطر على نحو 60 % من أراضى هايتى، فقد لعبت دورها الدنيء فى إعاقة وصول البنزين والماء والضروريات الأخرى إلى المجتمعات، وكذلك المرضى الذين يحاولون الوصول للعيادات للحصول على الرعاية الطبية العاجلة. أدى العنف وعدم الاستقرار إلى إيجاد الظروف الملائمة لعودة الكوليرا المميتة. فرغم أنه فى فبراير الماضى، أعلنت هايتى الانتصار على المرض، الذى ينتشر عن طريق المياه الملوثة، وذلك بعد محاربته لأكثر من عقد من الزمان. فإنه منذ ذلك الحين، منع نقص الوقود المضخات من العمل.. والآن، بدون الحصول على المياه النظيفة، يصاب الناس بالمرض مرة أخرى، كما أن صعوبات الحصول على الرعاية الصحية تساهم فى تسريع العدوى الجماعية. لا توجد أرقام موثوقة حول مدى سرعة انتشار الكوليرا إلا أن الحكومة سجلت حتى الآن نحو 300 حالة وفاة، وما يقرب من 15 آلاف إصابة، لكن من المحتمل أن يكون ذلك أقل من الواقع.

الماضى مظلم والوضع مؤلم

فى ظل هذه الخلفية القاتمة، طلب أرييل هنرى، رئيس وزراء هايتى غير المنتخب، و18 مسئولا رفيع المستوى فى حكومة هايتى رسميا فى أوائل أكتوبر الماضى نشر قوات أجنبية لدعم قتال الشرطة الوطنية الهايتية ضد العصابات. فالأمل لا يكمن فقط فى أن تتمكن القوات الدولية من التغلب على تلك العصابات، بل أيضا فى أن تعمل على وقف انتشار الكوليرا بدلا من تحفيزها كما فعلت فى الماضى. فبعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار فى هايتى، التى حزمت حقائبها قبل خمس سنوات، خلفت وراءها سمعة سيئة حيث أنه بسبب العداء المستمر للقوات الأجنبية تلوثت مياه الصرف الصحى المتدفقة من قاعدة البعثة نهرا وتسببت فى تفشى وباء الكوليرا عام 2012، وإصابة نحو نصف مليون هايتى ووفاة ما يقرب من 10 آلاف.

رغم أن العديد من الهايتيين يساورهم الشك بشأن ما إذا كانت البعثة الدولية ستحل الأزمات السياسية والإنسانية والأمنية المتشابكة فى هايتى أم لا، فإن عددا متزايدا من الأصوات داخل وخارج البلاد باتت أكثر قلقا من خطر الجلوس فى صمت فى الوقت الذى يتفاقم فيه وباء الكوليرا تحت رحمة العصابات المسلحة. لذا من المرجح أن يكون الانتشار العسكرى السريع، الذى يغير ميزان القوة ويسمح بوصول الإمدادات إلى المجتمعات، هو النهج الوحيد الذى من شأنه أن يجلب الإغاثة الفورية.. لكن التحديات السياسية والتشغيلية لمثل هذا الجهد قد تكون مستعصية على الحل.

تاريخ جعل الأوضاع أسوأ

ووفقا لمجلة «فورين آفيرز» الأمريكية يعارض العديد من الهايتيين بشدة فكرة إرسال قوات أجنبية لحل مشاكل هايتى، حيث يصر السياسيون وقادة الرأى والمواطنون عبر وسائل التواصل الاجتماعى على أن التدخلات العسكرية الأجنبية السابقة، سواء بقيادة مشاة البحرية الأمريكية أو قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، قد أخضعت البلاد فقط لظلم الحكم الاستعمارى وتركت عقبها مجموعة من المشاكل التى لم يتم حلها.

ومن ثم بات هناك شعور قوى فى هايتى بأن التدخل الأجنبى فى مشاكلها سابقا لم يؤد إلا إلى تمكين الجهات الفاسدة وتفاقم الخلل السياسى. لذا بعد أيام قليلة من طلب هنرى المساعدة العسكرية، نزل الآلاف إلى شوارع بورت أوبرنس للاحتجاج على احتمال وصول القوات الأجنبية. لكن عددا متزايدا من الهايتيين يتصارعون على مضض مع فكرة أنه قد لا يكون هناك خيار آخر.

الاستجابة للإغاثة

أثناء مشاهدة الوضع الأمنى فى هايتى يزداد سوءا، بدأ الدبلوماسيون فى نيويورك مناقشة إمكانية إرسال دعم عسكرى إلى الشرطة الهايتية فى يوليو، وزارت بعثة من الأمم المتحدة لتقييم الاحتياجات البلاد بعد ذلك بوقت قصير. وبعد طلب هنرى الرسمى للمساعدة العسكرية الدولية فى أكتوبر الماضى، وافق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش على الاقتراح فى رسالة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث تمت مناقشته لاحقا بناء على طلب المكسيك والولايات المتحدة. كما صاغت هاتان الدولتان مشروع قرار بفرض عقوبات على قادة العصابات ورعاتهم، بما فى ذلك تجميد الأصول وحظر السفر وحظر الأسلحة، اعتمده مجلس الأمن بالإجماع فى 21 أكتوبر الماضى.

ستتألف «قوة العمل السريع»، كما هو موضح فى الرسالة التى أرسلها جوتيريش إلى مجلس الأمن، من «أفراد القوات المسلحة الخاصة»، لكن ليس من الواضح من الذى سيقود المهمة أو يمد بالجنود. تبحث المكسيك والولايات المتحدة عن دول إفريقية وكاريبية وأمريكية لاتينية لتقديم أفراد، لكن لم توافق أى دولة حتى الآن.

وتعد كندا، وهى دولة لها تاريخ طويل من المشاركة فى هايتى، المرشح الأول والمفضل من قبل الولايات المتحدة، لكن أوتاوا تدرس المخاطر التشغيلية لمحاربة عدو متأصل فى المجتمعات المدنية، فضلا عن تحديات القيام بذلك فى بيئة سياسية مشحونة.

إذا تمكنت قوة العمل السريع من العمل مع الشرطة الهايتية لتطهير العصابات من الموانى والطرق والمطارات وتمكين إيصال المياه النظيفة والوقود والإمدادات الطبية والغذاء، فإن المجتمعات المحاصرة فى هايتى ستتمتع أخيرا ببعض الراحة من الجوع والرعب المميت. فمن الصعب للغاية بالنسبة للبلدان القريبة من هايتى، وخاصة تلك الموجودة فى الأمريكتين، أن تدير ظهورها لطلب هنرى الصريح للمساعدة عندما يأتى ذلك فى مثل هذه اللحظة العصيبة. ومع ذلك، فإن ما يسبب القلق للداعمين والمساهمين الأجانب المحتملين للبعثة، وكذلك للهايتيين الذين يدعمونها، ليس ما إذا كانت هناك قضية للتدخل، ولكن ما إذا كانت الظروف مهيأة لأى شيء أكثر من نجاح عابر تليها العودة إلى ظروف اليوم الخطرة، أو ما هو أسوأ.

سيناريوهات وتحديات

تشكل الطرق التى يمكن للقوات الأجنبية من خلالها التعاون مع الشرطة الوطنية، وانخراطها مع المدنيين، عقبة رئيسية حيث تزدهر العصابات فى المناطق الحضرية الفقيرة المكتظة بالسكان. السيناريو الأكثر تعقيدا هو احتمال حدوث مظاهرات شعبية ضد هنرى تعتمد على المشاركة النشيطة للعصابات وربما قادتها الأبرز.. فمن المرجح أن يؤدى الاشتباك ـ الذى حتما سيتسبب فى إصابة أو قتل المدنيين ـ إلى اندلاع اضطرابات كبيرة؛ كما يمكن أن يؤدى مقتل الجنود الأجانب إلى تصعيد التوترات.

لذا هناك سؤال آخر يلوح فى الأفق حول مستقبل أى مهمة محتملة ألا وهو كيف يمكن للقوى الأجنبية أن تصمم قوة عسكرية دولية باستراتيجية خروج واقعية وتتجنب تدخلا آخر طويل الأمد؟.. الهدف المباشر للمهمة المحتملة هو تأمين الموانئ والمطارات وبناء ممر إنسانى للمجتمعات التى تواجه المجاعة والكوليرا، لكن فى رسالته إلى مجلس الأمن، تصور جوتيريش أن هذا التدخل السريع يجب أن يتبعه نشر قوة متعددة الجنسيات لدعم الشرطة.

إجراءات تمهيدية .. ولكن !

لا شك فى أن هذه الخطوات يمكن أن تساعد فى إضعاف قبضة العصابات حيث أدى قرار الولايات المتحدة وكندا بفرض عقوبات ليس فقط على قادة العصابات، ولكن أيضا على الشخصيات السياسية المهمة، مثل: الرئيس السابق ميشيل مارتيلى ورئيس مجلس الشيوخ جوزيف لامبرت، إلى زعزعة نخب هايتى ويمكن أن يبطئ، على الأقل مؤقتا، تدفق الموارد للجماعات الإجرامية. ومن ناحية أخرى، فإن الجهود التى تبذلها الولايات المتحدة لوقف تهريب الأسلحة والذخيرة إلى البلاد من خلال التحكم فى الشحنات إلى الموانئ الهايتية ستضعف قوة نيران العصابات. بقدر ما يمكن أن تكون هذه الإجراءات مفيدة، فإن الانتشار العسكرى السريع الذى يسهل إيصال المساعدات الإنسانية هو على الأرجح النهج الوحيد الذى من شأنه أن يجلب الإغاثة الفورية.

وعلى الرغم من أن الاحتياجات ملحة، إلا أن أوتاوا والعواصم الأخرى مترددة بشكل كبيرة من التدخل لتلبية هذه الاحتياجات.. فبدون وجود أرضية مشتركة بين هنرى وأولئك الذين يعارضونه، ستكون القوات الأجنبية تخاطر بالوصول إلى معركة مع الجماعات الإجرامية الذكية - بدعوة من زعيم ضعيف لا تزال قبضته على السلطة مشكوكا فيها - وسط نظر البعض إليهم كمجرد وجوه جديدة للاستعمار الذى تسبب فى الكثير من الضرر للدولة الكاريبية.. فإذا لم يتمكن قادة هايتى من الجلوس إلى طاولة المفاوضات فى البداية، فمن المحتمل أن يكون عام 2023 مجرد عام جديد يتسم بمزيد من العنف واليأس والفوضى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق