رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فى القاهرة كان مولده.. د. أكمل الدين إحسان العالم والمفكر: الحضارة الإسلامية مستمرة والمشكلة غياب العقلانية

د. هالة أحمد زكى

  • النجاح عندنا سيظل فرديا لأننا فشلنا فى عمل مؤسسات بحثية

" شارع سنجر الخازن بحى الحلمية الجديدة... مجلة الأطفال"السندباد"، كتابات الأستاذ هيكل بالأهرام، عمود "ما قل ودل" للأستاذ أحمد الصاوى محمد، كلية العلوم جامعة عين شمس، ترجمة مسرحية "حكاية حب" للشاعر ناظم حكمتودراسة عن القصة القصيرة كتب لها المقدمة د. ثروت عكاشة.

مفردات تحكى عن حياته وشبابه قبل أن يغادر مصر، وإن كان حقيقة لم يغادر.. هو أكمل الدين إحسان الذى يمتلك تفاصيل أكثر وحكايات أعمق صحبته فى رحلة الأيام. وهو من ولد في القاهرة في الأربعينيات ودرس في الستينيات وذهب فى السبعينيات ليؤسس مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، ليصبح بعدها أول أمين عام منتخب لمنظمة التعاون الإسلامي التي تضم في عضويتها ٥٧ دولة و تعد ثانى أكبر منظمة دولية في العالم بعد الأمم المتحدة.

كل هذا مهم، إن كان الجدير بالذكر زيارته الأخيرة لمكتبة الإسكندرية لإلقاء محاضرةفي مناسبة صدور كتابه عن التراث العلمى الذى اعتبرته د. ماجدة مخلوف الأستاذ المتفرغ بكلية الأداب ومترجمة هذا الكتاب بمجلداته الثلاثة دراسة جادة تراجع الأحكام المسبقة على الحياة العلمية الإسلامية بعد الدولة العباسية، وهى دراسة تدفعنا إلى إعادة النظر في كثير من القضايا المتعلقة بالحياة العلمية في العالم الإسلامي.

ولهذا امتدت المناقشات بالمكتبة لمدة أربعة ساعات كاملة بحضور الأساتذة أحمد زايد، لطيفة سالم، محمد عفيفى، أحمد الشربينى، أيمن فؤاد السيد، فتحى أبو عيانة، ماهر عبد القادر، سحر عبد العزيز، سيد محمد محمود، صبرىالدالى، محمد الجمل وعدد من طلبة الدراسات العليا بجامعة الإسكندرية.  
 

وكان  لناهذا اللقاء الذى اختص به بالأهرام...وليبدأ الحوار

*جئت إلى مصر بلد مولدك لتحتفى بصدور كتابك عن التراث العلمىالذى فيما يبدو قضيةتحظى لديك باهتمام خاص؟

نعم القاهرة هي بلد مولدى ومسقط رأسىونقطة البداية في حياتى الأكاديمية والثقافية. وهذا بالطبع من أسباب اعتزازى. وأظن أن كتابى التراث العلمى العثمانى هو خاتمة أعمالى، وكان من حسن الطالع أن تعاونت دار النشر مع مكتبة الإسكندرية لتنظيم هذه الندوة العلمية والإحتفالية. ومن حسن حظى اننى عضو في مجلس الأمناء بالمكتبة.

*أسألك في البداية..كيف هيأت لك دراستك استكمال وجهتك بعدأن حققت حظا في البحث العلمى سواء كدارس ماجستير أو دكتوراة؟

كنت دائما ومنذ التحاقى طالبا بكلية العلوم جامعة عين شمس أهتم بطبيعة الحال وبصورة أكاديمية بدراسة العلوم نفسها، بالإضافة إلى اهتمامى بتاريخ العلم بدافع ذاتى. وأحيانا كان يطغى طرف على أخر فأصبح في حيرة من أمرى. وظللت على هذا الحال حتى بعد حصولى على درجة الدكتوراة في الكيمياء العضوية بجامعة أنقرة، ثم على أبحاث ما بعد الدكتوراة بجامعة اكستر بانجلترا. وفي عام ١٩٨٤ حسمت الأمر عندما طلب منى تأسيس أول قسم لتاريخ العلوم بكلية الأداب جامعة إسطنبول.

ولماذا في رأيك يحجم بعض الدارسين عن الدخول بقوة إلي هذا المجال؟

أظن أن السبب الأساسى هو عدم وجود الإطار الأكاديمى المناسب وكون الأمور سارت عن طريق الهواية لا عن طريق الاحتراف.

قبل أن انتقل إلى وجهة أخرى، أريدك أن تعرفنابأساتذتك في كلية العلوم جامعة عين شمس وعلى هذا المناخ الثقافي الذى كانت تعيشه القاهرة في ذلك الوقت؟

كلية العلوم عين شمس عرفت أكبر مؤرخ للعلوم في جيله وهو أستاذ الفيزياء مصطفى نظيف صاحب أول دراسة جادة في بصريات ابن الهيثم. ثم جاء د. عبد الحليم منتصر الذى كان مهتما بتاريخ العلوم عند العرب و ألقى عدة محاضرات جذبت انتباهى كطالب، شاركت بعدها في مسابقة سنوية لطلبة الجامعات ببحث عن أبى القاسم الزهراوى ونلت به الجائزة الثانية. والجدير بالذكر أن المرحوم د. محمود الطناحى هو من نال الجائزة الأولى. وفى صدد الاهتمام المبكر بتاريخ العلوم كان أيضا للمرحوم الأستاذ الفاضل د. عبد الحافظ حلمى محمد فضل كبير في اهتماماتى الثقافية أثناء الدراسة في كلية العلوم وبعد تخرجى فيها ولسنوات طويلة.وإضافة إلى هذا كنت أعمل مفهرسا للكتب التركية في دار الكتب المصرية.

وماذا عن ذلك الزمن الذى كان يمكن فيه لدارس العلوم أن يكون هو نفسه محاضرا لإحدى اللغات الشرقية في كلية الأداب ومترجما ومحققا بدار الكتب؟

بالنسبة لتدريس اللغة التركية وأدابها بجامعة عين شمس فقد حدث بعد أن تخرجت في كلية العلوم وصدرت لى عدة ترجمات ومؤلفات لفتت انتباه قسم اللغات الشرقية بأداب عين شمس، وكانت تجربة جميلة مع طلبة أذكياء وتواقين للتعلم. كما نشرت لى بالفعل مقالات في مجلة الشعر التي كان يشرف عليها د. عبد القادر القط، ومجلة القصة التي أشرف عليها محمود تيمور ومجلة المجلة التـى كان يشرف عليها يحيى حقى رحمهم الله جميعا.

في كل ما تكتب وتؤلف هناك ما يشير إلى اهتمامك بالحضارة الإسلامية ومهمتك في تقديمها كمثقف وسياسى وقارئ. ولك رأى أنها حضارة لم تتوقف ولكنها فقط أبطأت من سيرها وأنها مازالت حاضرة حتى عصرنا الحالي؟

نحن ورثنا العديد من الأفكار والأطر المحددة من القرن التاسع عشر. وهى في أغلبها من دراسات المستشرقين الأوائل.هم ساهموا في دراسة التراث ونشره ولكن بعضا منهم أساء الفهم إما عن قصور أو عن نظرة غير علمية في خدمة أهداف غير أكاديمية. ومن ذلك علاقة الإسلام بالعلم ونظرية الفترة الذهبية للعلوم في الحضارة الإسلامية وحصرها في القرون الخمسة الأولى من تاريخ الإسلام، ليكن ما حدث أو أنجز بعد ذلك غير جدير بالاهتمام.
ولا شك أن حضارتنا مستمرة ولكن المشكلة التي نعيشها منذ فترة طويلة هي كيفية الموائمة بين قيم الحضارتين الإسلامية والمعاصرة. إذا كنا نريد أن نضعهما في إطار المواجهة والصدام أو أن نعتبر أن الحضارة المعاصرة ما هي الا نتاج الجهد البشرى العام وأن لنا نصيب كبير في تطورها ووصولها إلى ما هي فيه الأن. وهذا خيار صعب ولكن لابد وأن ننجح في هذا الاختبار بعد أن طال الأمد بين شد وجذب.

لكن هناك رأى للفيلسوف والمؤرخ شبنجلر هو أن كل حضارة تمر بنفس المراحل التي يمر بها الإنسان. في مرحلة الصبا يكون لها روح يانعة، وباقترابها من ذروتها يزداد عنفوانها وقدراتها على تأكيد ذاتها. وأخيرا تدخل مرحلتها الأخيرة وفيها تشع روح زائفة ينخدع البسطاء بمظهرها المادى الباهر، وهى تخفى فقدان كل مقومات حيوية الحضارة؟

المشكلة تكمن دائما في تناول مثل هذه الأفكار فى غياب العقلانية وعدم التعمق فيها وعدم تناولها وفهمها بشكل سليم، هو الأمرالذى ينتج في المجتمعات على اختلافها عناصر فكرية غير ناضجة ذات طابع يسهل اقناع العامة بها، ويحركهم في اتجاهات غير مثمرة. وقد عانينا في تاريخنا المعاصر من هذه التشنجات التي لم تؤدى الا للفشل.

قلت في محاضرتك الأخيرة بمكتبة الإسكندرية أيضا أن الحضارة الإسلامية تفتقد دقة التأريخ حيث اعتاد عدد من المفكرين ومنهم جورج سارتون إعتبار وصول تاريخ العلم للقمة قد تحقق في القرن الخامس الهجرى، بعدها عانت الحضارة من مرحلة من الركود. لماذا في رأيك لم يدخل عدد من العلماء دائرة الضوء؟

جورج سارتون هو مؤسس  كرسى تاريخ العلوم بجامعة هارفارد، فهو يعتبر المؤسس الأكاديمى. وأظن أنه قد تأثر بأراء المستشرقين من الجيل السابقالذى وضع حد فاصلا بين القرن الخامس والقرون التي تليه. وأكتفى بما كان موجودا في زمانه من دراسات تركز حول رواد العلم في العالم الإسلامي و أخرهم عنده عمر الخيام الرياضي والفلكى الكبير الذى أعتبره أخر المبدعين.

في كتابك نظرة تحليلية لأربع دول تحمل بذور حضارية مختلفة وهى روسيا والصين واليابان أردت أن تعرفنا كيف سار بهم الحال وقارنتهم بالفترة العثمانية؟

أظن أن هذه المقارنة الرباعية حول موقف العثمانيين والروس والصينيين واليابانيين من دخول العلم والتكنولوجيا الحديثة إلى بلادهم هي الأولى في هذا الصدد.وقد أردت بهذه المقارنة أن نفهم أكثر مفردات النقل والترجمة و الاستصحاب للعناصر الجديدة التي يحملها العلم الأوروبى أو يبشر بها. وأيضا كيفية تفاعل الطرف المقابل في هذه الدوائر الأربعة.

وماذا عن رأيك بضرورة تجاوز الاكتفاء بالفخر بالماضى وأنه علينا فهم المشهد الحالي والتدقيق في فكرة التطور والتقدم، وأن نتعرف ونفهم أيضا كيف انتقلت أيضا العلوم القادمة من أوروبا إلينا؟

في بداية عملى في تاريخ العلوم وجدت أن كل الدراسات والكتابات سواء كانت علمية أو عامة تركز على أمجاد علمائنا في القرون الماضية، واننا هنا في الشرق كنا في وضح النهار بينما كانت أوروبا تغط في ثبات عميق. رأيت أن بعض هذه الدراسات التي كانت تنظم بكرم وحسن استقبال وتقبل لم تكن كافية. وهنا برز السؤال الكبير هل سنبقى أسرى لنظرة العصر الذهبى. أم ننظر نظرة جديدةتهتم أيضا بمشاكلنا المعاصرة. ومن هنا جاء اهتمامى بدراسة دخول العلوم والتكنولوجيا الحديثة إلى العالم الإسلامي وتنظيمى أول مؤتمر علمى دولي حول هذا الموضوع عام ١٩٨٧. وكان المؤتمر محاولة علمية جادةوقد فتح الباب للعديد من الحلقات الأكاديمية حول نفس الموضوع ونشرت الكثير من الدراسات والكتب، وبدأت الجامعات تهتم به كمواضيع للدراسات العليا. ونحن الأن عموما في وضع أفضل مما كنا عليه قبل أربعين عاما.

لدى سؤال يفرض نفسه هل يعتبر النجاح فى منطقتنا العربية والإسلامية عملا فرديا؟

أظن ذلك... طالما لا ننجح في إنشاء مؤسسات بحثية كبيرة ذات تقاليد علمية مستقرة وجذور راسخة تمتد عبر الأجيال.
سيظل النجاح فرديا، أنظرى إلى الفائزين بجوائز نوبل من الدول الإسلامية فهم إما أدباء كنجيب محفوظ أو أورهان باموق أو علماء مثل عبد السلام الباكستانى و أحمد زويل المصرى وعزيز سانجارالتركى. وكل هولاء العلماء فازوا بجائزة نوبل لأعمالهم في الجامعات الأوربية أو الأمريكية وليس في أوطانهم. أما الأداب فهى في الأصل ابداعات فردية.

كنت أول أمين عام منتخب لمنظمة التعاون الإسلامي وقلت في أول حوار لك بالأهرام أنه لا شروط لبداية الحوار مع الأخر وضرورة الحوار داخل البيت الواحد لأن اسماع صوتنا للعالم هو قضيتنا الأولى. كيف ترى هذا الأن ؟

أرى الأن جهودا مخلصة وحثيثة للإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف وعلينا جميعا أن ندعم هذه التوجهات السلمية في هذا المجال، وأن نصل إلي مصالحة تاريخية مع الكنيسة الكاثوليكية على غرار ما صار بينها وبين ممثلي الديانة اليهودية.

وقتها أصبحت وأنت المثقف رجل سياسة رغم انك في الأصل رجل أكاديمى يتابع شئون التراث الثقافي والعلمى. وسؤالى الأن وقد جمعت بينهما، لماذا تختص الأن دورك الثقافي؟

إذا كانت السياسة هي أسلوب لحل المشاكل وتحديد أهداف سامية في خدمة المجتمعات فهى وسيلة نبيلة. أما إذا كانت لتحقيق منافع شخصية بأساليب غير مقبولة فإننى أتذكر قول الشيخ محمد عبده رحمة الله عليه عن السياسة وأربابها. أما العمل الأكاديمى وخاصة إذا كان على مستوى دولى فهو مجد وباق في منفعة العلم والعلماء.

حصلت أخيرا على جائزة التقدم العلمى من الكويت، كما قامت روسيا بالاشتراك مع تركيا بإصدار كتاب خاص عن حياتك. فما هي تفاصيل الفوز والتكريم؟

أشكركم على المشاعر المصرية النبيلة. اننى الأن بصدد القيام بالترجمة الإنجليزية لكتاب التراث العلمى العثمانى وهى ترجمة مطلوبة منى منذ مدة طويلة. واننى إذ شارفت على الثمانين أدعو الله أن يوفقنى لما فيه الخير وأن أقدم فيما بقى كل ما فيه النفع للعلم والحضارة الإسلامية.

 على ذكر أهل مصر، هل تعتبر كتابك المهم "الأتراك في مصر وتراثهم الثقافي" هو كتابك الأم عن المحروسة؟

هذا كتابى الثانى في هذا المجال. وكتابى الأول  مرجعى وهو مصر في العهد العثمانى،  وقد شارك فيه أربعون مؤرخا لكل منهم تقديره ووجهة نظره.ومنهم عشرون من مصر وعشرة من تركيا وعشرة من أوروبا وأمريكا وصدر منذ مدة عن مركز التاريخ والثقافة والفنون أرسيكا التابع لمنظمة التعاون الإسلامي وينتظر أن يصل قريبا إلى القارئ المصرى.

لدى والدك تجربة ثرية في مصر وقد كان عالما أزهريا حقق مكانة وتواجدا ثقافيا من خلال عمله بدار الكتب محققا وكانت تجمعه صداقة بالشاعر محمد عاكف أرصوى. وقد صدر لك كتاب أخير عنه. أرجو أن تحكى لنا عن الأبن عندما يكتب عن الأب بعد تجربة السنوات والعمر والخبرة؟

العلاقة بين الأب والأبن دائما علاقة خاصة. ولكن فيما يخص علاقتىبوالدى رحمه الله فلها خصوصية أخرى، فقد هاجر والدى في سبيل العلم من مسقط رأسه إلى مصر أرض الكنانة حيث كان مسقط رأسى ومرتع شبابى، فأصبح لها تأثيرها العميق في نفسى وثقافتى. وإليه أدين بهذه الخصوصية وقدورى أبى الثرى في هذه البلاد العزيزة،و أحرص على زيارته كلما جئت إلى مصر، واننى لأرجو أن يظل قبره ليزوره الأحفاد وأبناؤهم. ..هنا في مصر.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق