رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

سقوط

أيمن الداكر

عندما هوى من أعلى «سقّالة» الطابق الثالث وهو يزيّن واجهة تلك البناية الحديثة، قال الطبيب: إن الكسر الذى أصاب عموده الفقرى قد أعطب أعصاب ساقيه، وربما يلزمه ذلك الفراش بقية حياته التعسة، وقال آخر: إن إصلاح ما أفسده ذلك السقوط المفاجئ يتطلب جراحة عاجلة تلزمها عشرات الآلاف من الجنيهات.

تبرع البسطاء من رفاقه بأجر يوم عمل لا ينقصه شىء، ومنحه أثرياء القرية بضعة قروش وكساء قديم للأطفال، راحت زوجته-التى تشبهه كثيرا فى النحافة وضمور الوجه-تمد يد الحاجة للأهل والجيران، لكن الطبيب رفض ذلك المبلغ القليل الذى تم جمعه، وسحب يده فى تأفف قبل أن تلثمها الزوجة الغارقة فى نحيبها، ثم عهد إلى المدير المالى ليلقى بهم خارج المستشفى بطريقة لائقة.

كان نصف الرجل الميت حملًا خفيفًا على نصفه الحى، فقد شدّت الأيام عضده بساعدين قويين جراء أعماله اليدوية فى الهدم والبناء و«محّارة» جدران البنايات الشاهقة، ذلك دأبه طوال عمره الذى لم يسقط من ذاكرته، كفّ عن زيارة الأطباء وابتاع «توك توك» متهالكًا لكنه يستطيع السير فى الطرق الممهدة، وقد أهداه العم جرجس-الذى يصلح أحذيتهم التى أفسدتها الأيام-حزامين قويين من الجلد الأسود، تساعده زوجته فى الجلوس على مقعده خلف المقّود، ثم تشد حوله الأحزمة الجلدية فلا تخونه تلك «الخنفسة» السوداء وتلقى به عن ظهرها، يرتدى جلبابًا فضفاضًا ينسدل على المقعد ليوارى موات ساقيه، يلف رأسه بشال بنى يخفى جل وجهه، وعمامة طويلة تمنحه بعض الوقار فى أعين النساء والصغار، لم يطمع فى أكثر من بضعة جنيهات تسد رمق الأطفال، وتحفظ وجه زوجته أمام الجيران.

لكن أحدهم أقسم أنه شاهده يترجل من «التوك توك» ويعتمل بأدواته فى الموتور الخلفى، يصلح العطب وتدور العجلات سريعا، وشاهده مرة أخرى يمشى على ساقيه ويتجرع الماء من «الزير» الفخارى على أطرف القرية، فأصابه حنق شديد وراح يشيع الخبر فى أرجاء القرية صارخًا:

«العاجز يخدعكم ليبتز أموالكم، العاجز يستطيع الحركة كيفما شاء»

ساق القوم نحو الدار فى انتظار عودة «التوك توك» الذى لم يتأخر كثيرًا، أرقد العاجز مركبته الصغيرة أسفل شجرة الجميز، لم يترجل منها وانتظر رحيلهم حتى يزحف نحو باب بيته، لكن ذلك الرجل الغاضب تقدم نحوه ثم دفعه ليسقطه أرضًا، لكنه لم يسقط، اتكأ على ساعديه ثم انتصب واقفًا على قدميه، هلل الرجل ونظر نحو القوم فى تشف وسخرية، خطا العاجز نحو بيته دون أن ينبس بكلمة، فشد الغاضب عمامة رأسه وسقط الشال الذى كان يلثم به وجهه، تطايرت خصلات الشعر وتكشف وجه الزوجة الغاضبة وهى تصفع الرجل على وجهه.


أيمن الداكر

رابط دائم: 
كلمات البحث:
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق