فى مناسبة ذكرى ميلاده المائة، من حقه علينا أن نتذكره بصورة ما، تحية له ولأعماله، فهو علامة بارزة فى مجال إنتاج النشيد الوطنى والأغانى الحماسية فى المناسبات القومية، خاصة وأننا نعيش أيامًا تتحقق معها إنجازات وطنية فى اتجاهات متعددة.
دع سمائى فسمائى محرقة ... دع قناتى فمياهى مغرقة ...
كلمات ألهبت حماسة الشعب المصرى، وأشعلت فى وجدانه ثورة للثأر ومقاومة العدوان الثلاثى، الإسرائيلى الفرنسى البريطانى الغاشم على أرض مصر فى بور سعيد سنة 1956، كتبها كمال عبد الحليم، ولحنها باقتدار على إسماعيل، وأنشدتها بكل القوة والحماس صاحبة الصوت الجهورى والحنجرة الذهبية فايدة كامل.
بعد سنوات من هذا العدوان الثلاثى، غنى الثلاثى المرح لمصر وناسها الطيبين برشاقة صوتهن «حلاوة شمسنا وخفة ضلنا ... الجو عندنا ... ربيع طول السنة»، صاغ كلماتها مأمون الشناوى أحد أهم الشعراء فى مصر، ولحنها أيضا على إسماعيل.
ارتبط اسم على اسماعيل (1922 ـ 1974)، الملحن والمؤلف الموسيقى وقائد الأوركسترا ، باتجاه آخر فى المجال الموسيقى يطلق عليه التوزيع الموسيقى، وهو بشكل عام أن يقوم الموزع الموسيقى بتحديد آلات معينة لأداء مقاطع محددة من العمل، حسب ذوقه الخاص، وربما يضيف إليها بعض الهارمونيات، أى النغمات المصاحبة، لإضافة أبعاد جديدة إلى الألحان، وقد برع فى هذا الجانب على إسماعيل وكان من أهم من أُطلق عليهم «الموزعين الموسيقيين» فى فترة الستينيات والسبعينيات، وهو أيضا كان عازفا متمكنا وبارعا فى العزف على مجموعة من الآلات الموسيقية.
كانت تربط على إسماعيل علاقة صداقة قوية ومتينة بنجم الأغنية الوطنية والعاطفية الوجدانية منذ الخمسينيات إلى منتصف السبعينيات عبد الحليم حافظ فارس الرومانسية وصوت الثورة (كما أُحب أن أُطلق عليه)، وقد شارك على إسماعيل فى توزيع معظم الأعمال التى قدمها عبد الحليم حافظ خاصة فى المناسبات الوطنية مثل ذكرى احتفالات قيام ثورة يوليو 1952، واحتفالات عيد الجلاء 1954، والبدء فى بناء السد العالى 1960، وأثناء حرب الاستنزاف مع العدو الإسرائيلى بعد نكسة 1967، ثم انتصارات أكتوبر التاريخية 1973، كما أنه لحن لعبد الحليم حافظ عددًا من الأغانى العاطفية، وأغانى أفلامه الشهيرة.
تميز على إسماعيل كملحن ومؤلف عن معاصريه، بتمكنه الشديد فى جانب التوزيع الموسيقى، هذا الذى يتطلب دراسة متخصصة ودراية كافية وقوية بإمكانات الآلات الموسيقية من ناحية طبيعة صوتها ولونه وتقنياتها وإمكاناتها ومساحتها الصوتية ودورها فى التشكيلات الهارمونية. وهكذا ظهرت لنا أغانى عبد الحليم حافظ، وأغانى الثلاثى المرح وهن ثلاث فتيات، سناء البارونى وصفاء لطفى ووفاء مصطفى من خريجات معهد الموسيقى العربية، اكتشفهن على إسماعيل وأطلق عليهن «الثلاثى المرح» حيث تميزت أغانيهن بالسهولة والبساطة والرشاقة وخفة الظل، فكانت مناسبة للحفلات البسيطة والأفراح وأعياد الميلاد والمناسبات الاجتماعية الأخرى، خاصة الدينية، فلهن أشهر أغانى شهر رمضان حتى اليوم، مثل «وحوى يا وحوي» كلمات عبد الفتاح مصطفى، و «أهو جه يا ولاد أهو جه يا ولاد» كلمات نبيلة قنديل، و»سبحة رمضان» كلمات حسين طنطاوى، وكل هذه الأغانى من ألحان على إسماعيل، كما لحن ووزع لغيرهن من المطربات والمطربين المعروفين.
وضع على إسماعيل أيضا ألحانا لأغانى وتابلوهات فرقة رضا للفنون الشعبية، التى أسسها على ومحمود رضا، وهى موسيقى تحمل روح على إسماعيل الفنية التى كانت تتسم فى غالب الأحيان بالألحان المرحة الرشيقة الراقصة، منها البسيطة والمركبة فى الوقت نفسه، والتى كان يقودها بنفسه، حيث قدمها فى مختلف محافظات مصر والدول العربية وفى عدد كبير من الدول الأوروبية أيضا.
ومن الأفلام المهمة فى تاريخ السينما المصرية التى وضع موسيقاها على إسماعيل الفيلم الشهير «يوم من عمري» الذى تعتبر الموسيقى أقوى العناصر المكونة لهذا الفيلم فعبرت بشكل قوى عن الصورة والموقف والحبكة الدرامية. وهنا يسوقنا الحديث إلى ضرورة إبداء الرأى فى التسمية الشائعة « الموسيقى التصويرية» سواء فى الأفلام أو المسلسلات الإذاعية أو التليفزيونية أو فى العروض الحية على المسرح، فالموسيقى التى نستمع إليها فى كل هذه الأعمال يطلق عليها عادة الموسيقى التصويرية، وفى حقيقة الأمر إنها موسيقى مصاحبة وليست تصويرية، فهى جزء لا يتجزء من العمل الدرامى، حيث إنها لا تُصور المشهد ولكنها تصاحبه حتى تزيده أبعادا فنية وتعبيرية وتقنية آخرى.
إلى جانب فيلم «يوم من عمري» كتب على إسماعيل موسيقى مجموعة من أشهر الأفلام السينمائية الأخرى، مثل «إجازة نصف السنة» و«غرام فى الكرنك» و«عروس النيل» و«شفيقة القبطية» و«المماليك»، وأيضا الفيلم العلامة فى تاريخ السينما المصرية «الأرض».
درس على إسماعيل الموسيقى على يد الخواجة برنتى الذى كان مقيما فى مصر، ثم بمعهد الموسيقى المسرحية، إلى جانب عمله كموسيقى مجند بالجيش، بعد حصوله على دبلوم مدرسة الصناعات البحرية بالسويس، فقد ورث مهنة الموسيقى عن والده الذى كان قائدا للفرقة الملكية. وفى دراسته بمعهد فؤاد الأول زامل على إسماعيل كلًا من عبد الحليم حافظ وكمال الطويل وأحمد فؤاد حسن وفايدة كامل.
وعلى إسماعيل هو الشقيق الأكبر للممثل المعروف جمال اسماعيل، وزوج الشاعرة الغنائية نبيلة قنديل، التى كتبت أشهر الأغانى الوطنية مثل «فدائي» و«دع سمائي» و«راجعين شايلين فى إيدنا سلاح»، وأنجب من نبيلة ابنتهما شجون وحسين ومصطفى على إسماعيل، الذى وضع ألحان بعض الأغانى الشهيرة مثل «حرية» و«لو بطلنا نحلم نموت» والطول واللون والحرية لمحمد منير، ليكمل مسيرة جده عن والده حتى لا تنقطع سيرتهما.
رابط دائم: