رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الرياضــيات وقراءة واقعنا السياسى والاجتماعى

هبة عبدالستار

كيف يمكن أن نستخدم الرياضيات لقراءة واقعنا السياسى والاجتماعى وتحليل العديد من القضايا التى تشغلنا؟ وماهو تأثير الاحتمالات الرياضية على السياسة والتاريخ والحاضر وربما المستقبل أيضا؟..تساؤلات يحاول الإجابة عنها الباحث محمود بكير فى كتابه الجديد « الرياضيات حرفة عقلية: طريقة جديدة فى الإدراك العقلى»، الصادر أخيرا عن المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات.، الذى يوضح فيه الأسباب التى تستدعى تحويل الرياضيات إلى «حرفة عقلية»، وكيفية استخدام بعض الأفكار الرياضية فى مقاربة كثير من القضايا العامة، وكيفية اصطناع «منظومة» عامة، يمكن استخدامها فى المجالات السياسية، والاجتماعية، والعلاقات الدولية، والأعمال... إلخ.

 

ويعرض مقاربة رياضية عن «الصراعات من منظور الجشطلت». ويتحدث عن «أثر الفراشة» تاريخيًا، ويتخذ من الواقع العربى نموذجا. ويبحث فيما إذا كان لحركة الفراشة أى تأثير فى استقرار المنظومة الكونية؟ ثم يجيب عما إذا كان ثمة علاقة لذلك بالمنظومة الاجتماعية أو السياسية، وعما يجرى فى الواقع العربى، وإن كان من الممكن «نمذجة» السلوك الإنسانى أو المجتمعى رياضيًا. ويشدد المؤلف على دور طبيعة البرهان الرياضى فى صياغة أيّ «منظومة منطقية» فى الخطابات، أو فى الإبداع الأدبى، وفى الرؤى الفلسفية، وحتى فى الحديث العادى. ويتناول إحدى فوائد الرياضيات فى العلوم السياسية، وفى فهم سلوك مجموعة من البشر، وأحيانًا فى توقعه، إضافة إلى تأثير الرياضيات فى النمو الأخلاقى إن أحسنوا دراستها كحرفة عقلية.

يبدأ الكتاب بمحاولة الإجابة عن تساؤلات بديهية كمدخل لفهم تلك الحرفة العقلية مثل ما هى الرياضيات؟ ما هى فائدتها؟ وكيف تولّدت؟، موضحا أن هناك سوءَ فهم كبير لدى قطاع واسع من الناس لماهية الرياضيات، إذ لا يزال معظم هؤلاء يعتقدون، أنها مجرد مجموعة من الإجراءات والخوارزميات بهدف القيام ببعض الحسابات، وأنها ليست أكثر من مادة علمية كغيرها من المواد الدراسية، وأنها معنية بدراسة مجموعات الأعداد، والعمليات الرياضية عليها، فضلًا عن دراسة بعض الأشكال الهندسية، والقليل من المبرهنات التى تتعلق بها، مع بعض مبادئ الجبر وطرق التفاضل والتكامل... إلخ، موضحا أنه ربما كان هذا حالها سابقا، إلى ما قبل القرن التاسع عشر الميلادى، أما اليوم، وبعد التطور الهائل الذى طرأ عليها فى القرنين الأخيرين، أضحت تتناول كل شيء تقريبًا، حيث أصبحت منهجًا للتفكير، والرئة التى تتنفس بها ُّمعظم العلوم الحديثة.

وعن بنية الرياضيات؛ يوضح أن هناك ثلاث مدارس فكرية تُعنى بفلسفة الرياضيات، وإحدى هذه المدارس الأكثر انتشارا وشيوعا هى المدرسة الصورية، وتنص وجهة نظر هذه المدرسة على أن ما تنشده الرياضيات هو دراسة بُنَى الأشياء من خلال إيجاد نظام من الرموز للتعبير عن هذه الأشياء؛ فالرياضيات - من وجهة نظرهم - تهتم بالخواص البنيوية لأنظمة الرموز بعيدا من معانيها. والرمز فى حد ذاته مجرد عن أى معنى، أو مغزى، باستثناء حالة ربطه بالرموز الأخرى، أى إن معنى الرمز يظهر عندما تظهر «العلاقة» مع غيره من الرموز.

لقد لاحظ الرياضيون منذ زمن بعيد أن الاهتمام بالبنية سيؤثر على نحو اقتصادى فى التفكير. وهذا الجانب على قدر كبير من الأهمية فى تطور الرياضيات، وإن كان لا يبدو بسهولة للعيان. ولتوضيح ذلك، يشير إلى أن عملية اكتشاف المستقيم، أو القطعة المستقيمة، كانت علامة فارقة، وربما نقطة تحول، فى تاريخ الفكر الإنسانى عمومًا، وفى تاريخ الفكر الرياضى خصوصا، لأن ما بُنى على المستقيم أو القطعة المستقيمة من هندسات وغير ذلك من علوم رياضية لم يكن معروفًا عندها، أو قابلًا للتوقع، أو حتّى من الممكن تخيّله فى تلك الفترة. ففى اكتشاف المستقيم، تعلم الإنسان الاقتصاد، والوصول إلى ما ينبغى بأقصر الطرق، إلى أن أضحى هذا هدف العلم بعينه، وهو «الاقتصاد فى التفكير».

ويوضح أن نظرية «أثر الفراشة» فى الرياضيات،التى يتم تطبيقها على علوم كثيرة، تعتمد فى جوهرها على أن معظم ظواهر الحياة تخضع لنوع معين من قانون عام، يتضمن أن أيَّ تغييرات تطرأ عليها، مهما كانت طفيفة، تؤدى بعد مرحلة، ربما طويلة، إلى تغييرات جذرية، لا يبدو أن لها علاقة بالبداية، أو ربما ننسى كيف كانت البداية؛ لذلك فإن «القيم الابتدائية» التى تنطلق منها «الأنظمة الدينامية» سرعان ما يصبح ليس لها علاقة بما يجرى، وهذا هو الحال فى الظواهر الاجتماعية. ونعنى بذلك، على المستوى الإنسانى، أن أى تغيير، وإن كان بسيطًا، فى خيارات الإنسان، سيؤدى إلى تغييرات جذرية بعد مرحلة من الزمن. وتتضح صورة التغيير أكثر كلما طالت المدة الزمنية؛ أى إن الأمور قد تبدأ صغيرة جدا ثم تكبر، وتتعاظم إلى درجة من التعقيد يصعب عندها فك خيوطها، أو حتى فهم أسبابها. يحاول بكير فى دراسته هذه شرح «الآلية» التى تجعل الكثير من الأمور تصل إلى درجة كبيرة من التعقيد أو السوء؛ لأن الوعى بهذه «الآلية» يجعل من الأسهل معالجة الأمور، أو على الأقل قد يحول دون تكرارها فى مجالات معينة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق