رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الماراثون

شعبان ناجى;
شعبان ناجى

من أمام قريتنا يمر السباق.. وكثيرا ما تمر من أمام قريتنا سباقات كثيرة؛ لكن هذا السباق سباق دولى.. ماراثون.. يعنى 42 كيلو و195متراً.. يجريها المتسابقون حتى يصلوا إلى خط النهاية.. الطريق تم إخلاؤها تماماً، لكن قلنا نستغل هذا السيرك المنصوب.. نعم إنه سيرك منصوب، فمعظم المتسابقين من السيّاح. والسيّاح كما تعرفون أيديهم سخية.. يدفعون بالرّاحة ولا يقولون لا، وإن كان قد أصابهم بعض بخل أوشح أو حرص أو فقر فمن المصريين أنفسهم.

فرشنا بضاعتنا على جانب الطريق، من فواكه ومرطبات ومسليات. وكله فائدة. وأكرمنا المولى آخر كرم، والعملية سارت آخر حلاوة، لكن فجأة ظهر ما يعكِّر الدنيا، فالحزينة لا تلحق أن تفرح.. الولية أم صابر كانت تعبانة جامد. ووجدنا صابر يسندها ويقف بها على الطريق ليذهب بها إلى الدكتور فى الأقصر والطريق طبعاً معطل من أجل الماراثون، ولا توجد عربات، إلا أن صابر قد راح يشير إلى عربات السباق التى تمشى خلف المتسابقين وأمامهم وبجانبهم. ربما كان صابر يظنها عربات أجرة، فكان سائقوها يضحكون ويشيرون إليه مهللين ساخرين.

وراح له بعض المسئولين عن السباق وحذروه وطلبوا منه أن يبتعد، فقال لهم صابر إن أمه مريضة ولابد أن يذهب بها إلى الدكتور فى الأقصر وقالوا له إن هذا ليس شغلهم فهذا سباق دولى يشترك فيه متسابقون من كل أنحاء العالم.

صابر يكرر صارخا: «أمى ستموت». وهم يقولون: «ابتعد لا تعطل السباق».

وتركوا صابر؛ لكن صابر أصر على موقفه فراح يقف أمام العربات والموتوسيكلات وعطَّل المسيرة الطويلة، فجاء له المسئولون وصرخوا فى وجهه وأحضروا له الأمن فجروه بعيداً. وكانت أمه على جانب الطريق فى دنيا غير الدنيا. بكى صابر وقال أمى ستموت والطريق معطلة. وقالوا له وماذا نفعل يا حيوان هل نعطل لفخامتك سيارة من سيارات السباق؟!. هل أنت معتوه؟ قال لست معتوهاً بل أنتم بلا قلوب.

أهملوه على جانب الطريق مثل الكلب ومعه رجل من الأمن يحرسه حتى لا يعطل الماراثون ويوقف المسيرة. مر وقت وأوقات وأم صابر راحت فى غيبوبة تامة. وأخذ صابر يبكى ويلطم ويشق هدومه، بينما رجل الأمن واقف كالصنم المكى. ولمح المشهد شاب أجنبى ربما يكون ألمانيًّاً.. كان أحمر جدا، وكان يركب موتوسيكلاً غريباً ويمشى أمام السباق. توقف عندهم. تكلم بالعامية الألمانية. فتح صابر حنكه، بينما اقترب منه الصنم القرشى. تحدث مع الشاب الألمانى، وبعد مداولات أشار إليه الألمانى بأنه من الممكن أن يحمل أم صابر خلفه على الموتوسيكل الغريب، ويذهب بها إلى الطبيب فى الأقصر، ولكن رجل الأمن سأله: «وهذا الشحط ماذا يركب؟» قال له الشاب الألمانى: «مستر شخط يجرى فى الماراثون مثل أى متسابك آخر، فالسباك خر ومفتوخ، والمسيرة كميلة والدنيا خلوة يا خبيبى»!.

وبالفعل أخذ الألمانى الأحمر أم صابر على الموتوسيكل، بينما راح صابر يجرى مع المتسابقين فى الماراثون. حزّم جلبابه حول وسطه، وكأنه سيبدر شيكارة كيماوى فى أرض الأرز، ونفخ فى يديه وغرّب عينيه وهز رأسه مثل العجل الطلوقة، ثم راح يجرى بكل قوته. سبق المتسابقين. سبق العربات والموتوسيكلات، سبق الدنيا كلها.. سبق المسيرة الطويلة وسبق موتوسيكل الألمانى الأحمر الذى يحمل أمه.. لقد تخطى الأقصر، نسى أمه والطبيب. كان يجرى بغل. كانت دماغه الوسخة فقط فى الماراثون، لا ترى غير المسيرة. لم يشعر بنفسه إلا وهو عند خط النهاية. وجدهم هناك وقد قابلوه بالأعلام والهتافات والزهور «صابر.. صابر».. حملوه على الأكتاف، لفوا به التراك «صابر.. صابر».. حطّم المسيرة الطويلة، ثم اكتشف ساعتها أنه قد فاز بسباق الماراثون.

رابط دائم: 
كلمات البحث:
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق