رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

البحث العلمى يقدم حلولا إستراتيجية..
الاكتفاء الذاتى من القمح والأرز والذرة حلم يمكن تحقيقه

تحقيق ــ أحمد الزهيرى
المحاصيل الإستراتيجية مع تطبيق نتائج الأبحاث الزراعية هى الطريق إلى تخطى الأزمات

  • الدكتور سعد نصار: حققنا بالسلالات الجديدة للمحاصيل الثلاثة إنتاجا مضاعفا يوفر الأمن الغذائى
  • الدكتور أيمن عبدالدايم: أقماح سخا المعدلة بإنتاجية 28 إردبا للفدان.. ومعاملنا يمكنها عمل ثورة فى التقاوى
  • الدكتور سعيد سليمان: زراعة 3 ملايين فدان أرز «عرابى» بمخصصات مائية لمليون ونصف المليون فدان

 


د. سعد نصار - د. أيمن عبدالدايم - د. سعيد سليمان

القمح والذرة والأرز ثلاثة محاصيل إستراتيجية فى مصر، تخوض معركة وجودية أمام ثلاثية أخرى أكثر عنفا، هى أزمة الدولار والتضخم والتغيرات المناخية. والمخرج الوحيد والسهل من هذه الأزمة العالمية هو البحث العلمى، لا باب آخر أمام مصر للخروج من هذا النفق الغذائى المظلم، خاصة ان لدينا ثلاثية قد لا تكون متوافرة فى أى بلد آخر، هى الأراضى والنيل والأيدى الماهرة العاشقة للزراعة

كانت الوجهة والقبلة فى البحث والتحقيق لكليات الزراعة ومعاهد البحوث الزراعية.. وكانت النتائج باهرة فى القمح والذرة والأرز، فالباحثون سبقوا الأزمة بأبحاث عالمية، وحلوا المعادلة بتحقيق أعلى إنتاجية للفدان، وبأقل استهلاك للمياه، وبجودة أفضل من المستورد.

عن قرب نتعرف على حلول مصرية لباحثين، أفنوا عمرهم فى المعامل والحقول، وجابوا العالم بحثا عن طرق وأساليب زراعة وتقاوى، وبذور وسلالات أضافوا إليها علمهم، سلبوا منها جينات وأضافوا أخرى إليها، ووصلوا بها لطرق يمكن من خلالها تحقيق الاكتفاء الذاتى فى هذه المحاصيل على المدى القريب.

يقول الدكتور سعد نصار مستشار وزير الزراعة أحد واضعى رؤية مصر الزراعية 2030 إن البحث العلمى فى مجال الزراعة عموما وفى السلع الإستراتيجية الغذائية القمح والأرز والذرة خصوصا هو السبيل الوحيد للخروج من فخ الأزمات الغذائية، والدليل على ذلك أن قمة المناخ رقم 27 أول قمة تخصص يوما كاملا للحديث عن أهمية البحث العلمى فى مجال الزراعة بعد أن وضعت التغيرات المناخية وكورونا والحرب الروسية الأوكرانية العالم على حافة المجاعة.

وعندنا فى مصر حققنا طفرات بحثية فى القمح والأرز والذرة فى السنوات الأخيرة باستنباط سلالات جديدة انعكست على إنتاجية الفدان، فمثلا فى القمح عام 1980 كانت إنتاجية الفدان 19 إردبا، وبفضل البحث العلمى استنبطت سلالات مؤخرا رفعت إنتاجية الفدان من 19 إلى 30 إردبا، بفضل التجارب البحثية فى معاهد البحوث الزراعية، وبفضل عقول مصر الزراعية، وبالمثل فى مجال الذرة فى عام 1980 كانت إنتاجية الفدان 11 إردبا، ووصلنا إلى 23 إردبا للفدان، وأخيرا الأرز.. فى عام 1980 كانت إنتاجية الفدان 2٫04 طن، وأصبحت الآن 3٫04، ليس هذا فقط بل رشدنا فى استهلاك الفدان للماء بفضل أبحاث مركز البحوث الزراعية فأصبح استهلاك الفدان 600متر مكعب بدلا من 900 متر، وكذلك تم تبكير الحصاد من شهر سبتمبر إلى منتصف يونيو.

ويضيف الدكتور نصار أن الأبحاث الآن تستند إلى ثلاث ركائز فى مصر، أولاها استنباط سلالات جديدة ترفع من إنتاجية الفدان، وثانيتها الخريطة الصوتية، التى قد تناسب سلالات أقاليم الدلتا ولا تناسب إقليم الوجه القبلى، وهذه نقطة مهمة فى البحث، وثالثة النقاط الممارسات، ويقصد بها الأسمدة وعدد الريات، ومواعيدها، وعدد النباتات فى الفدان، فلابد من تقديم معلومات وإرشادات للمزارعين للتعامل مع الأصناف الجديدة حتى نحصد من الفدان أعلى محصول، وهنا يبرز دور الإرشاد الزراعى الذى يحتاج إلى اهتمام كبير من الدولة لتحقيق أعلى فائدة من أبحاث الزراعة فى مصر.


استنباط سلالات جديدة ذات إنتاجية عالية

بأيدينا نحقق الحلم

كانت نقطة البداية مع الدكتور سعيد سليمان الأستاذ بكلية الزراعة جامعة الزقازيق الذى نجح فى استنباط سلالات جديدة من الأرز، تستهلك كمية قليلة من الماء وتعطى ضعف الانتاج.

يقول الدكتور سعيد إن ملخص فكرة البحث استنباط أصناف مقاومة للجفاف فى الأرز، فأصناف الأرز المصرية شرهة لاستهلاك المياه، فالفدان يستهلك ٧ آلاف متر مكعب فى الموسم، وهذا يمثل ضعف ما تستهلكه الذرة الشامية، وهو المحصول الصيفى المنافس للأرز، و بالتالى تتجه الدولة لخفض مساحات الأرز باستمرار، وهذه فكرة غير مناسبة لمصر فى هذه المرحلة، فكانت الأبحاث والتجارب على حل هذه المعادلة.

و فى عام ٢٠١٠ توصلنا لاستنباط أصناف أرز عرابى المقاومة للجفاف والتى تستهلك ٣٥٠٠ متر مكعب من المياه، أى نصف كمية المياه التى تستهلكها أصناف الأرز العادى، و تزيد فى المحصول بمقدار طن للفدان الواحد. وفى الآونة الأخيرة قمنا بتطوير أصناف جديدة من عرابى تحقق إنتاجية مضاعفة للفدان بأقل نسبة استهلاك للمياه فى ظل التغيرات المناخية المتلاحقة، وجاءت النتائج أكثر من رائعة، و كل ما نحتاج إليه حاليا هو دعم وزارة الزراعة لتحقيق حلم الاكتفاء الذاتى من الأرز من خلال تعميم زراعة الأصناف الجديدة فى شتى أنحاء مصر، والاستفادة منها فى الأراضى الزراعية المستصلحة حديثا، خاصة أن هذه الأصناف مناسبة جدا للأراضى المستصلحة، وهو ما يمكننا من الخروج من تحت مظلة أزمة الغذاء العالمية.

ويضيف الدكتور سعيد أنه لا حل ولا طريق إلا بدعم البحث العلمى وتوفير كل الإمكانيات والسماح للباحثين والعلماء فى مجال الزراعة باستنباط سلالات وأصناف مقاومة للجفاف والملوحة والبرودة والأمراض والحشرات، وتتلاءم مع تغيرات المناخ، وتعطى إنتاجية أكبر من أجل سد الفجوة الغذائية، خاصة أن مصر تستطيع بهذه الطريقة زراعة 3 ملايين فدان من الأرز عالى الجودة (السلالات من عرابى وباقى أصناف الأرز الجاف) بمخصصات مائية لمليون ونصف المليون فدان. فإنتاجية الفدان تحت أقصى ظروف الجفاف من 4 إلى 6 أطنان، وانتشرت زراعة جميع الأصناف (عرابى ١، عرابى ٢، عرابى ٣، عرابى ٤) فى جميع أنحاء الجمهورية، خاصة المناطق الصحراوية والملحية مثل الوادى الجديد وسيناء وبرج العرب والملاحات بالمنزلة.

الفرح بسخا

ما القمح ببعيد عن الأرز فى البحث العلمى الذى حمل فرحة جديدة بزيادة كبيرة فى إنتاجية المحصول العام القادم بعد دخول سلالات سخا 95 على خطوط الإنتاج، وفى انتظار تسجيل سخا 1002، وهى سلالات من القمح تصل إنتاجية الفدان منها من 24 إلى 30 إردبا.. كما أنها تقلل من استهلاك المياه بمعدل الربع.

يقول الدكتور أيمن عبدالدايم أستاذ إنتاج وفسيولوجيا المحاصيل بكلية الزراعة بكفر الشيخ: يعد محصول القمح فى مصر محصولا إستراتيجيا، حيث توجد فجوة ليست بالقليلة بين استهلاكه وإنتاجه محليا، وبرغم كل الجهود المبذولة من الدولة لزيادة الناتج الإجمالى من القمح، والذى بلغ العام الماضى 8.9 مليون طن، ومع الزيادة المطردة فى تعداد السكان، فهناك تحد كبير فى تأمين رغيف الخبز، ما يجعلنا نلجأ إلى استيراد القمح بالعملة الصعبة، التى بلغت 11 مليون طن العام الماضى، ولذا فلابد من تفعيل دور البحث العلمى فى العمل على زيادة إنتاجية وحدة المساحة لمواجهة ذلك التحدى.

ويضيف الدكتور عبدالدايم: مع اتجاه الدولة الى زيادة الرقعة الزراعية فى مناطق قد تكون تربتها متأثرة بالأملاح أو فى مناطق جافة، أو ذات حرارة مرتفعة، قد لا تناسب الأصناف الموجودة حاليا، مما يستلزم توفير الدعم المادى اللازم لبرامج قومية تشارك فيها الجامعات والمراكز البحثية المختلفة بإمكاناتها لتربية واستنباط أصناف حديثة تناسب تلك الظروف، مع المحافظة على الإنتاجية العالية لوحدة المساحة. وبالفعل أنتجنا فى معاملنا البحثية أصنافا تتحمل تلك الظروف، ولعل من أهمها صنف القمح سخا 95 المناسب للأراضى المتأثرة بالأملاح، أو التى قد تتعرض للجفاف، وسخا سلالة يصل إنتاجها إلى 24 إردبا للفدان وفقا لمتوسط الحقول الإرشادية، وهى أصناف مبكرة النضج تناسب المواعيد المتأخرة، ونعمل حاليا على أصناف تحت التسجيل ( مثل سخا 1002) الذى يتميز بالتبكير حوالى 15 يوما عن الأصناف المنزرعة، والتى تعمل على توفير 25 % من المقنن المائى للقمح بما يعادل 500 م3 من إجمالى 2000 م 3، ودون انخفاض فى المحصول، وذلك يجعلنا نتخيل أنه إذا عممنا هذه النسبة على المساحة الإجمالية للقمح على مستوى الجمهورية، والتى بلغت العام الماضى 3 ملايين و650 ألف فدان فإننا نستطيع القول إنه بالإمكان توفير ربع كمية المياه التى تستخدم للقمح، ويمكن استغلالها فى زراعات أخرى.

فالقمح كما يشير الدكتور عبدالدايم يحتاج إلى برنامج قومى لعمل الخريطة الصنفية للقمح حيث لابد من زيادة مخصصات البحث العلمى لإجراء تجارب مرتبطة بمواعيد الزراعة، واستنباط أهم الأصناف التى تنتج تحت ظروف البيئات المصرية المختلفة، والبحث فى طرق الزراعة والتسميد، وكل العمليات الزراعية، وبالتالى رسم السياسة الصنفية للقمح فى مصر، والتى لها أهميتها لمعرفة الأصناف الأكثر مرونة لمواعيد الزراعة المختلفة، ولأماكن وبيئات الزراعة المختلفة.

ويؤكد الدكتور أيمن أن فى مصر العديد من أصناف القمح ذات القدرة الإنتاجية العالية التى تنتج سنويا من خلال وحدات إنتاج التقاوى أو الشركات الزراعية وتوزع على المزارعين، إلا أنها لا تكفى لعمل تغطية شاملة لمساحات القمح المستهدفة سنويا، ومازال ـ إلى الآن ـ هناك تفاوت كبير بين القدرة الإنتاجية للصنف وبين ما ينتجه المزارع، وذلك لعدم تطبيق المزارع حزمة التوصيات الفنية اللازمة لكل صنف، ويرجع ذلك بالدرجة الأولى لفقدان التوعية الشاملة للمزارعين.


الذرة على خطوط البحث

والذرة الشامية المحصول الإستراتيجى الأول فى مصر للعلف الداجنى امتدت إليه أيدى الباحثين منذ فترة طويلة، وحملت معها بشرى سارة من حيث الإنتاجية وملاءمة السلالات (هجين فردى 168، وهجين ثلاثى 668) للأراضى المستصلحة حديثا، وفقا للمشروع القومى للرئيس: استصلاح مليون ونصف المليون فدان.

يقول الدكتور عبدالدايم إن محصول الذرة الشامية من المحاصيل المهمة والإستراتيجية، ولعل أهميته تبرز فى انه علف داجنى، ونظرا لوجود عجز فى العلف الداجنى تعمل الدولة على استيراد الذرة الصفراء من الخارج لسد احتياجات السوق المحلية.

لكن الآن مع وجود أصناف ذرة صفراء عالية الإنتاج لدى مركز البحوث الزراعية مثل هجين فردى 168وهجين ثلاثى 668 والتى يتراوح إنتاجها ما بين 28 و 30 إردبا للفدان، فى حين يصل متوسط الإنتاج العام 24 إردبا للفدان، إلا أن المشهد سوف يتغير قريبا، وسوف نشهد طفرة إنتاجية مع إضافة المساحات الجديدة التى أعلنت عنها الدولة مؤخرا لسد الفجوة بين ما نستهلكه وما ننتجه، خاصة أن هذه الأصناف تناسب الزراعة بعد المحاصيل الشتوية ما بين ابريل ويونيو، وذلك تلاشيا لهجوم دودة الحشد الخريفية ذات التأثير العالى على إنتاجية الذرة الشامية، وكذلك وجود أصناف الذرة الحمراء التى تتميز بارتفاع نسبة «الكاروتين» عن الذرة الصفراء، وتميزها بارتفاع صبغى «الانثوسيانين» بها، والتى تحسن من جودة اللحم. لكن مازالت الذرة الشامية تحتاج لدعم برامج التربية والاستنباط فى إطار تعاون مستمر بين الجامعات والمراكز البحثية المختلفة لإنتاج أصناف مقاومة للآفات المختلفة، خاصة دودة الحشد الخريفية التى قد تدمر المحصول، وتحتاج لدعم توزيع الأصناف، وفقا لسياسة صنفية محددة، ودعم البرنامج الإرشادى لمزارعى الذرة الشامية وتقديم الدعم المادى للمزارع، مع إلزامه باستلام الأصناف الحديثة ذات الإنتاجية العالية، خاصة مع ارتفاع جودة المنتج المحلى بالمقارنة بجودة المستورد، والذى غالبا ما ينزع منه الجنين فى البلد المصدر.لذلك الذرة الشامية تحتاج إلى دعم صناعة التقاوى لتوفير التقاوى ذات الإنتاجية العالية والتى تتحمل الظروف البيئية العكسية.


تصوير ــ هاشم أبو العمايم

نقص إرشاد

يقول الدكتور تامر منصور الباحث بمركز البحوث الزراعية - بجانب ما نقوم به من أبحاث فى مجال إنتاج التقاوى واستنباط أصناف جديدة، أو تعديل سلالات قائمة فإن كل هذا الجهد البحثى والأكاديمى مرتبط بضرورة توعية المزارعين بالأصناف الجديدة، وكيفية التعامل معها، ولكن هناك مشكلة قلة عدد المرشدين الزراعيين، فنحن نعانى نقصا شديدا فى أعداد المرشدين الزراعيين رغم ما تبذله وزارة الزراعة والمراكز البحثية والجامعات من تنفيذ القوافل والندوات الإرشادية والحملات القومية والمدارس الحقلية، وبالتالى فإن الأمر يحتاج إلى ضرورة تطوير التعاونيات لزيادة إنتاجية الأراضى القديمة التى تمثل ٦٥% من إجمالى الأراضى الزراعية، وكذلك تدريب وتأهيل الكوادر الإرشادية فى مجال التغيرات المناخية وتأثيرها، وكيفية التعامل معها لإعداد المرشد الزراعى المتخصص والقادر على تقديم الخدمة الإرشادية فى هذا المجال، بالإضافة إلى مضاعفة الإنفاق على البحوث الزراعية لاسيما البحوث المتعلقة بإنتاج وتطوير الأصناف المتأقلمة مع التغيرات المناخية، خاصة الأصناف المقاومة للملوحة والحرارة، والموفرة للمياه.

ويرى الدكتور منصور ضرورة تفعيل دور الجامعات ومؤسسات البحث العلمى فى تطوير إستراتيجيات الأمن الغذائى، واستغلال التطور فى تقنيات الإنتاج الزراعى والهندسة الوراثية لتحسين معدلات الإنتاج المحلى من المحاصيل الزراعية، وتحقيق الأمن الغذائى، وتطبيق نظام الزراعة التعاقدية، وذلك من خلال تعاقد المزارعين مع الشركات والمصدرين، وذلك قبل زراعة المحاصيل التى تواجه مشاكل تسويقية، وأخيرا تطوير مشروع الرى الحقلى بالأراضى القديمة فى الوادى والدلتا، والتى تمثل أكثر من 5 ملايين فدان، لرفع كفاءة الرى، وتحسين جودة التربة، وإعادة النظر فى إيجاد تركيب محصولى يحقق الأمن الغذائى، ويوفر الحبوب والبقول والزيوت التى يحتاجها المستهلك بدلا من الاعتماد على السوق العالمية التى تتقلب فيها أسعار السلع بسرعة كبيرة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق