-
د. حافظ: تنفيذ توصيات مؤتمر المناخ مسئولية جماعية
-
القمص بولس: العظة الأسبوعية للبابا تحث على حماية البيئة

د. سمير حافظ - القمص بولس عويضة
أوصت الأديان والشرائع السماوية كافًة بأن يحافظ الإنسان على البيئة من جميع ما يلوثها، وأن يحسن إليها، وجاء مؤتمر المناخ -الذى يتم تنظيمه بمدينة شرم الشيخ- كحدث عالمى على أرض مصر، ليؤكد أنه بداية عصر جديد للتعامل مع المتغيرات المناخية التى يعانيها البشر، كما جاء تحرك المؤسسات الدينية بمصر بسرعة، انطلاقًا من أن «الحياة بلا تلوث» هى وصية جميع العقائد الدينية، إدراكًا منها أيضا لخطورة التغيرات المناخية على مستقبل الإنسانية.
الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، دق ناقوس الخطر مبكرا، حتى ينتبه العالم لهذه القضية المهمة، من خلال تصريحات عدة له، حذر فيها من الخطر الداهم للتغيّر المناخى، مطالبا بالتحرك الجاد لمكافحته، وحماية مستقبل البشرية منه، مما يُعد إعلانا واضحا لموقف الأزهر من هذه القضية المهمة. أكد ذلك أيضامناقشة الدكتور أحمد الطيب، رئيس مجلس حكماء المسلمين، هذا الأمر، مع البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان؛ فى مؤتمر «حوار الأديان»، الذى عُقد أخيرا بدولة البحرين، مما يؤكد اهتمام القادة الدينيين عبر العالم، بمواجهة التغير المناخى. كما أسست جامعة الأزهر لجنة «خدمة المجتمع وتنمية البيئة» بهدف جعل الجامعة صديقة للبيئة، وتم أيضا عقد مؤتمر للاستعداد للتعامل مع تغير المناخ، وفى الوقت نفسه تبنى التعليم الأزهرى ما قبل الجامعى، فى الفترة الماضية، برامج توعية للتلاميذ حول الحفاظ على البيئة.
المؤسسات الدينية
وزارة الأوقاف لم تكن بعيدة عن الحدث، إذ خصصت محورا فى المؤتمر الدولى الثالث والثلاثين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية-الذى عُقد بالقاهرة أخيرا- حمل عنوان «نماذج عصرية ملحة فى المجالات الاقتصادية والطبية والبيطرية والبيئية وغيرها». كما أصدرت بعض الكتب للاهتمام بقضايا البيئة، إضافة إلى تخصيص العديد من الندوات التثقيفية والدروس بالمساجد وخطب الجمعة التى تدعو للسلام مع النفس والمجتمع والبيئة والكون. وحتى لا تنفصل الفتوى عن واقع الناس، ومستجدات القضايا المعاصرة، تحركت دار الإفتاء المصرية، ومعها دور وهيئات الإفتاء فى العالم، فى تطبيق عملى، إذ تم تنظيم مؤتمر «الفتوى وأهداف التنمية المستدامة» فى القاهرة، بمشاركة مفتين وعلماء دين وباحثين وخبراء ومتخصصين من 95 دولة، لتأكيد العلاقة بين الفتوى والتنمية المستدامة، ودور القادة الدينيين فى مواجهة التغير المناخى. وقد دارت أغلب الجلسات العلمية للمؤتمر حول محور البيئة والتعامل معها، وكان من أبرز توصياته إصدار «ميثاق عالمى لمواجهة التغيرات المناخية».

تلوث البيئة
الدكتور عبدالغنى الغريب، رئيس قسم العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، يقول إن تلك التحركات المسبقة، وما يستتبعها من خطوات لاحقة للمؤسسات الدينية بقيادة مشيخة الأزهر لمواجهة التغيرات المناخية، تنطلق من أن جميع العقائد والشرائع السماوية، توصى بالمحافظة على البيئة، ليعيش الجميع «حياة بلا تلوث».
ويضيف أن تلك الشرائع تنظر للإنسان على أنه «خليفة الله فى أرضه»، وأن الكائنات الأرضية كلها مسخرة لخدمته، فهو المهيمن عليها بأمر الله، والقيّم عليها وفق شريعة الله، إذ يقول الله تعالى: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا»، وقد أوجبت تلك الشرائع الكثير من المسئوليات على الإنسان تجاه المخلوقات المحيطة به، والبيئة التى يحيا فيها. ويوضح أن أول واجبات الإنسان نحو بيئته، أن يحافظ عليها ويعمرها، كما جاء فى الكتب السماوية، كما أوصى النبى صلى الله عليه وسلم بحسن عمارة الأرض حتى آخر نفس فى حياة الإنسان، إذ يقول صلى الله عليه وسلم: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِى يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا»، مما يوجب على الإنسان الامتناع عن إفساد البيئة، مع نشر الوعى المجتمعى حول الحفاظ عليها، ونشر ثقافة النظافة باعتبارها قيمة دينية، والتوسع فى زراعة الأشجار المثمرة، والمساحات الخضراء ومواجهة التصحر، مع بناء المصانع بعيدا عن الأماكن السكنية، للحد من الإضرار بالناس، عملا بالقاعدة الشرعية: «لا ضرر ولا ضرار». ويشير إلى ضرورة سن القوانين والتشريعات التى من شأنها المحافظة على البيئة.

جفاف المراعى
موقف الكنيسة
ويشير القمص بولس عويضة -أستاذ القانون الكنسي- إلى أن «الإنجيل» حوى نصوصا كثيرة تؤكد المحافظة على البيئة، وتجرم الاعتداء عليها، منها: «الله سيدمر الذين يدمرون الأرض». (رؤيا 18:11)، موضحا أن البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ينبه فى عظاته الأسبوعية، إلى ضرورة أن نساعد على تحسين المناخ وحماية البيئة، من خلال زرع شجرة أمام كل منزل، وكذلك أمام أبواب وأسوار الكنائس، بالتعاون مع الجيران، لينتشر اللون الأخضر المبهج.

الدكتور سمير حافظ عميد كلية الهندسة الزراعية بجامعة الأزهر
فى سياق متصل، يؤكد الدكتور سمير حافظ عميد كلية الهندسة الزراعية بجامعة الأزهر، وعضو اللجنة العليا للبيئة وخدمة المجتمع بالأزهر، أن جميع العقائد الدينية تأتى فى صدارة تحمل المسئولية نحو قضية تغير المناخ، موضحا أن على الجميع تنفيذ التوصيات والقرارات التى تصدر عن مؤتمر المناخ، وغيره من اللقاءات الدولية، حتى نحافظ على كوكبنا آمنا ضد المخاطر الموجودة حاليا، أو المحتمل وجودها لاحقا. ويناشد علماء الدين، وفى مقدمتهم علماء المسلمين، أن يهتموا بالتوعية الدينية بهذا المجال، فى خطبهم ومواعظهم، مع إدخال الثقافة البيئية فى مناهج التعليم، حتى نضمن تكوين جيل يتشرب ثقافة المحافظة على البيئة منذ الصغر، ويتفهم أخطار عدم المحافظة عليها، فالتعويل على الأجيال القادمة هو صمام الأمان، كما أن الوعى بالمشكلات البيئية منذ الصغر كفيل بتقويم السلوك البشرى نحو البيئة. ويشدد على ضرورة تقديم الرؤية الإسلامية لمشكلات البيئة إلى العالم، عن طريق ترجمة الأعمال الرائدة فى هذا المجال إلى اللغات العالمية، مع تأكيد دور المنظمات والهيئات المدنية فى رفع درجة الوعى البيئى.
رابط دائم: