رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اختاره للعمل معه فى الأمم المتحدة
أحمد فوزى: «غالى» كان خارق الذكاء وصارما و«ابن» نكتة

محمد القزاز
د. بطرس وبجواره أحمد فوزى

أحمد فوزى، سيرة إعلامية طويلة ومتميزة، تنقلت من البرنامج الأوروبى إلى رويترز وامتدت إلى الأمم المتحدة متحدثا رسميا والمسئول الأول عن الإعلام بها، كان عاشقا لبطرس غالى، طالبا ومذيعا، فكافأته الدنيا عن هذا العشق، فاختاره غالى ليكون ضمن فريق المتحدث الرسمى للأمم المتحدة. كان غالى يبحث عن رجل بصفات بعينها، يجيد العربية والإنجليزية والفرنسية، وكان فوزى يمتلك هذه الصفات فجمعهما القدر، ظل فوزى فى الأمم المتحدة طوال فترة غالى ومن بعده كوفى أنان وبان كى مون حتى بلغ سن التقاعد.

منذ التحاق فوزى بالأمم المتحدة عام 1992 شغل مناصب عليا فى تلك المنظمة، حيث أدار اتصالات الأزمات وعمل كحلقة وصل بين الأمم المتحدة ووسائل الإعلام العالمية فى مناطق الصراع وأثناء المفاوضات السياسية المشحونة للغاية، وكان عمله يتضمن إيصال مجموعة واسعة من أنشطة الأمم المتحدة إلى وسائل الإعلام العالمية والجمهور ، وفى البلدان التى تشهد صراعًا والتى خرجت منها ، بما فى ذلك أفغانستان وليبيا والعراق وتيمور الشرقية، وتعزيز وسائل الإعلام الحرة والمستقلة والتعددية.. عن ذكريات الرجل مع د. بطرس غالى فى مئويته، وعن مواقفه معه، كان هذا الحوار..

كيف بدأت علاقتك بالدكتور بطرس؟

كنت أعرف دكتور بطرس منذ زمن طويل قبل أن يتولى العديد من مناصبه، فأولا كنت أحد عشاقه، وكنت أذهب إلى كلية السياسة والاقتصاد للاستماع، مجرد الاستماع، إلى محاضراته، لأنها كانت شيقة للغاية، وكنت أعمل مذيعا بالإذاعة المصرية فى البرنامج الأوروبى، وكنت أستضيف شخصيات عديدة ذات مناصب مهمة مصرية وعربية وأجنبية، وكان بالطبع الدكتور بطرس هو أحد ضيوفى، فضلا عن معرفتى به أثناء عملى فى رئاسة الجمهورية فى عهد الراحل أنور السادات، وزيارتى معه ضمن الوفد الذى سافر إلى القدس، فكانت بيننا لقاءات كثيرة ومعرفة سابقة، لكن شاء القدر أن أنتقل إلى لندن وأعمل فى وكالة تليفزيونية اسمها فيس نيوز قبل أن تصبح تليفزيون رويترز عام 1992، وعملت مراسلا معهم وقد أرسلونى إلى أماكن عديدة لتغطية الأحداث، وبعدها أصبحت مسئولا عن منطقة الشرق الأوسط من القاهرة ثم براغ مسئولا عن أوروبا أثناء سقوط الاتحاد السوفيتى، حتى أواخر الثمانينيات وفى أوائل التسعينيات أصبحت المدير الإقليمى لهذه الوكالة عام 1990 فى نيويورك، وأثناء وجودى هناك، تم اختيار د. بطرس أمينا عاما، وكانت الوكالة وقتها مهتمة جدا بإجراء حوار معه، فوقع الاختيار عليّ لأجرى هذا الحوار، أولا كونى مصريا، والأمين العام الجديد مصرى، وثانيا لأنى أجيد اللغة العربية بجانب الإنجليزية والفرنسية، وذهبت إلى الدكتور بطرس لإجراء الحوار مستندا إلى معرفتى السابقة له، فرحب وأجرينا الحوار.

هل تتذكر أهم ما دار فى الحوار وقتها؟

كان هذا اللقاء بعد سنوات عديدة لم نلتق فيها، لم يتغير: أستاذ كبير، رجل خارق الذكاء، له نظرة عالمية لكل الأمور، وعلى دراية تامة ببواطن الأمور، أتذكر أن أول شيء قام به فى يناير عام 1992 هو أن دعا جميع الدول إلى جلسة عاجلة لمجلس الأمن لوضع أسس للنظام العالمى الجديد، ذلك كما تعلم أنه كان أول أمين عام للأمم المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى رسميا عام 1991 وانتهاء الحرب الباردة، كان مفهومه لهذا الوقت التاريخى أنه لابد من أسس ودعائم للنظام العالمى، فالعالم أصبح بلا نظام عالمى، كان د. بطرس قد أعد رؤية وأجندة لهذا النظام وهى «أجندة السلام» وحين طلبت الدول منه أن يعرض رؤية الأمم المتحدة لهذا النظام أعلن لهم هذه الأجندة، التى كانت حديث المدينة فى نيويورك وكان الكل يتحدث عنها، ومن ثمّ فإن حوارى معه تركز على «أجندة السلام» وأجرينا الحوار باللغتين العربية والإنجليزية وحال الوقت دون إجرائه بالفرنسية.

وهل تم اختيارك للعمل معه بعد إجراء هذا الحوار؟

لا، بل بعد نحو ثلاثة أشهر فوجئت بمكالمة تليفونية من سكرتيرته «كلير» فقالت «أستاذ فوزى نحن نبحث عنك منذ أسبوعين، الأمين العام يريد أن يتحدث معك، للحظة تخيلت أن هناك مشكلة تسببت بها للأمين العام، وتحدث معى د. بطرس قائلا ودون مقدمات كما هى طبيعته» إنت فين عاوز أشوفك» وقال باختصار: «أنا أعيد تكوين الفريق عندى فى مكتب المتحدث الرسمى لأمين عام الأمم المتحدة، إيه رأيك تنضم إليها»، بالطبع كان ردى ما الوقت الذى تحب أن أبدأ فيه، أنا مستعد للذهاب لك الآن، فقال، أنتظرك غدا فى السابعة مساء، وحين التقيت به ودون مقدمات أيضا قال: أريد شخصا بمواصفاتك للعمل معى، نحن نريد شخصا يفهم الشرق الأوسط جيدا، ويستطيع التعامل مع الإعلام، وأيضا يجيد اللغة العربية، وهذه الصفات متوافرة لديك، أعاد سؤاله مرة أخرى عن رأيى، فقلت: هذا شرف عظيم، ومن ذكاء هذا الرجل أن قال لى : لا تتعجل، ستعمل لمدة أسبوع مع المتحدث الرسمى ولا تستقيل من عملك الآن، أفضل أن تحصل على إجازة لمدة أسبوع، كن مع الرجل كظله، حتى ترى إن كان العمل والفريق يناسبك أم لا، كان الرجل يمتلك ذكاء إنسانيا كذلك، فهو لا يريد للشخص الذى يعمل معه أن يفشل فى مهمته الجديدة، فيعرض أولا أن يتبين هذه الوظيفة إن كانت مناسبة له أم لا.

بمناسبة هذا القرب، ما أهم المواقف التى كنت تلاحظها على الدكتور بطرس؟

كان الرجل ذا رؤية عالمية ثاقبة جدا وشاملة جدا وذاكرة لم أجدها فى أى شخص آخر تعاملت معه على مدى سنوات عمرى، أتذكر أننا كنا نحن الثلاثة، الوزيرة فايزة أبو النجا ود. مراد وهبة وأنا، نجتمع كثيرا فى مكتبه، وكأننا فى محاضرة وليس اجتماعا، وعليك أن تستعد لتلقى الدرس منه، مع ما يصاحب ذلك من متعة واستعداد كبير، وكان الرجل دائم السؤال عن القرارات الدولية وعن تواريخ لقاءاته مع الرؤساء والزعماء، فيسأل عن رقم قرار بعينه؟ وما سبب صدوره، فكان ينظر إلى أى من الثلاثة وينتظر الإجابة، وحين يجيب أحدنا عن تاريخ القرار وسبب صدوره يسأل فى أى فقرة،، وحين يجيب أحد منّا على سبيل المثال أنه الفقرة السادسة فيصحح بأنه لا بل الفقرة الثامنة، شكرا أستاذ، ويكمل اجتماعه فى هذا الصدد.

لكن من وجهة نظرك، لماذا يشعر الكثيرون أن وجود بطرس على رأس المنظمة لم يكن موضع ترحيب خاصة من الأمريكيين؟

لأنه كان رجلا مستقلا صاحب مبدأ لا يحيد عنه أبدا، لا يقبل أوامر ولا يسعى إلى إرضاء أحد، وكان صريحا لا يجيد التلاعب بالكلمات، فى أزمة رواندا طالب بـ 35 ألف جندى من قوات حفظ السلام، وعلى الفور، لكن المعاندة من جانب الأمريكيين وغيرهم وصلت إلى آفاق غير محدودة لإفشاله، فأرسلوا فقط 5 آلاف وتقلص العدد إلى ثلاثمائة فقط، وفى أزمة البوسنة والتطهير العرقى ومذبحة سربرنيتسا أرسلوا 5 آلاف فقط.

هل تعرض الرجل لظلم فى الأمم المتحدة؟

بالطبع، ودون أدنى شك على الإطلاق، كانت القشة التى قصمت ظهر البعير كما يقولون هى مجزرة قانا فى لبنان عام 1996، فحين حدثت تلك المذبحة ادعت إسرائيل أن ما حدث لم يكن مقصودا، وأن الضربة التى تمت فى مركز قيادة فيجى التابع لقوات اليونيفيل واللاجئين الفلسطينيين كانت بالخطأ، لكن بطرس غالى أرسل المستشار العسكرى ومعه لجنة تقصى حقائق، وطالبه بالاطلاع على ملفات المدفعية الإسرائيلية، وتوصلت إلى أن الضربة كانت مقصودة ولم تكن بالخطأ، وهنا طالب د. بطرس بنشر تقارير اللجنة، لكن مادلين أولبرايت والولايات المتحدة استمهلا د. بطرس فى النشر مدة أسبوعين، بحجة أن هناك حقائق جديدة سيتم الكشف عنها، فانتظر أسبوعين ثم طلبوا أسبوعين آخرين، وحين شعر أن هناك مماطلة لم ينتظر أكثر من ذلك وطالب بنشر التقارير التى تدين إسرائيل، وبعد ذلك أعلنت أمريكا أنها سوف تستخدم حق الفيتو فى منع ترشيح د. بطرس لولاية ثانية.


.. وفى مبنى الأمم المتحدة

فى السنوات التى زاملت فيها د. بطرس فى الأمم المتحدة، ما المواقف التى لا تنساها؟

كان إنسانا عظيما، هذا ما رأيته فى أثناء تعاملى معه قبل الأمم المتحدة، وتأكدت منه فى فترة عملى معه، ولأنه إنسان واضح وصريح، فقد كان ذلك محل شكوى بسبب تلك الصراحة، لكن برغم تلك الصراحة بل والصرامة، فإنه كان صاحب نكتة، وكان حين يضحك تلحظ « زغللة فى عينيه. وكان دبلوماسيا محنكا جدا، يجيد العلاقات الدولية والدبلوماسية بكل اللغات وبنفس القدر من الكفاءة.

بعد ترك الأمم المتحدة، هل كنت تتواصل معه؟ وهل تتذكر ما كان يدور بينكما؟

بالطبع، كنت أنتهز فرصة عيد ميلاده فى شهر نوفمبر لأتحدث معه، وكان بصوته الأجش «يرد: بتعمل إيه دلوقتي» فأروى له مثلا أن كوفى أنان الأمين العام للأمم المتحدة أرسلنى إلى لندن، أو أرسلنى فى مهمة عمل أخرى، وكان يرد بنصيحة يكررها كلما اتصلت به « إوعى تبطل شغل» هذه النصيحة لا أنساها أبدا، وأعمل بها، فمنذ تركى الأمم المتحدة وأنا لا أتوقف عن العمل.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق