-
تيارات أدبية جيدة تعيد النظر فى الدعاية الصهيونية
رغم مرور 49 عاما على حرب أكتوبر التى سجل العرب فيها أكبر انتصار على إسرائيل فى التاريخ المعاصر، فإن تأثير هذه الحرب لا يزال قويا على المجتمع الإسرائيلى بصفة عامة وعلى الأدب الصهيونى بصفة خاصة ،فقد أحدثت زلزالا كبيرا قوض كل المسلمات التى رسختها أجهزة الدعاية الصهيونية، وانقلابا فى توجهات التيارات الأدبية، هذا ما قاله الدكتور جمال الرفاعى أستاذ اللغة العبرية وآدابها بكلية الألسن بـجامعة عين شمس ذو الدراسات المتعددة فى مجال الأدب العبرى، وفى حوار مع «الأهرام» يرصد الرفاعى التحولات التى حدثت فى الأدب العبرى فى العقود الأخيرة ومدى تأثيرها على القارئ الإسرائيلى ،ومساهمتها فى تغيير صورة العربى، كما يتحدث عن سر اهتمام اليهود بترجمة الأدب العربى فى حين لا يلقى الأدب الإسرائيلى إلا قبولا محدودا للغاية لدى المترجمين.
-
بعد نكسة عام 1967 أشاد الأدب الصهيونى بالجيش الإسرائيلى الذى أشيع أنه لا يقهر، ترى كيف استقبل هذا الأدب الهزيمة فى عام 1973؟
تسببت هزيمة اليهود فى عام 1973 فى ظهور تيار أدبى جديد يرى أن الصهيونية قد انتهت بعد هذا الحدث، وأنها بحاجة إلى رؤية بديلة وقيادات جديدة تجسد هذا الطرح ، ونظرا لأن قادة إسرائيل من أوروبا، فإن اليهود »السفارديم« أصبحوا يشكلون قوة سكانية لها وزنها على كل المستويات وأنه ينبغى عدم معاملتهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية وأشهر من عرض هذه الرؤية هو الأديب أفراهام يهوشواع فى روايته الفصول الأربعة ورواية أخرى بعنوان العاشق، كما ظهرت مسرحية بعنوان «جوكر» بأسلوب وثائقى تعبر عن حالة التخبط التى سيطرت على مجموعة من المجندين أثناء وجودهم فى «دشمة» بهضبة الجولان وكشف الكاتب المسرحى «يهوشواع سوفول» السمات النفسية التى يعانى منها المحارب الإسرائيلى مثل عدم الرغبة فى التطوع والاستهتار وفقان الثقة فى القيادة العسكرية. وهناك مسرحية أخرى بعنوان «نساء فى الحرب» لحانوخ ليفين وهى عبارة عن مونولوجات وديالوجات لنساء يصفن إحساسهن تجاه مشكلة ثكلى الحرب والأطفال اليتامى فبطلة المسرحية نعمى زروع فقدت إثنين من أبنائها فى حرب أكتوبر، إلا إن الحل التى تطرحه المؤلفة هو تقبل الحرب التى لابد منها.
-
وبعد أن سقطت أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر ،هل تغيرت صورة العربى فى الأدب الصهيونى؟
قبل أن نتحدث عن التحول الذى حدث فى هذا المجال يجب أن نضع فى اعتبارنا أن صورة العربى قبل عام 1973 قد شهدت حالة من التشويه والسخرية غير المسبوقة فى الأدبيات الصهيونية فكانوا يسخرون من الجنود المصريين ويزعمون أنهم جبناء يفرون من أرض المعركة، كذلك سخروا من الرئيس الراحل جمال عبد عبد الناصر فى الشعر كما فى قصيدة لحاييم حيفا بعنوان «ناصر فى انتظار رابين».
أى أن بعد نكسة عام 1967أصبح من الممكن أن يتقدم الجيش إلى القاهرة، حيث مقر الرئيس عبد الناصر،كما وصفته بعض الروايات بأنه مثل فرعون موسى الذى تحدى الرب و استعبد اليهود ورفض خروجهم من مصر وفقا لسفر الخروج الذى أوضح أنه نتيجة لذلك أنزل الرب عدة ضربات على مصر، وأن اليهود هم فقط الذين ينفذون الأوامر الإلهية. ولكن عقب العبور العظيم لقناة السويس انهارت الكثير من الأساطير وظهرت بعض الأصوات الجديدة التى طالبت بإعادة النظر فى المسلمات وتمثلت فى كتابات اليهود الشرقيين القادمين من بعض الدول العربية التى أنصفت هذه الدول بحديثهم عن حالة التسامح التى عاشوا فى ظلها قبل الهجرة إلى فلسطين والغربة التى تحاصرهم فى المجتمع الإسرائيلى،وهناك رواية فى غاية الأهمية "عند الغابة"، للروائى الإسرائيلى أفراهام يهوشواع وتدور حول موظف يهودى مختل عقليا قررت الحكومة عزله عن العمل وتعيينه حارسا على إحدى الغابات للتخلص من المشكلات التى يثيرها ولكنه فجأة أضرم النيران فاحترقت الغابة فظهرت مدينة عربية الملامح. فالنار قد اكتسحت كل ما هو موجود بدون جذور وسرعان ما كشفت عن الطبيعة الحقيقية للأرض ألا وهى أنها عربية.
-
ولكن ما هو موقف النقاد الإسرائيليين من هذه التحولات؟
الحركة النقدية العبرية سخَّرت أقلام رجالها لتوجيه الأدباء نحو خدمة أهداف الحركة الصهيونية ، ولذلك وقفت الحركة بالمرصاد ضد أى أديب حاول الخروج عن هذا الخط ،وهناك العديد من الأدباء قد رفعوا راية التمرد ضد تسلط الحركة النقدية، مثل الأديب حاييم برنر الذى رفض الدعوة إلى تجميل صورة الحياة التى يعيشها المهاجرون اليهود فى فلسطين حتى لا تنهار معنوياتهم ويرحلون عنها .
-
حدثنا عن أبرز ملامح المشهد الحاضر للأدب الصهيونى ؟
ظهر فى السنوات الأخيرة تيار أدبى جديد يعرف بأبناء الموجة الجديدة ويشكلون بداية انعطاف تاريخى وجذرى فى الإبداع القصصى المعاصر مع تأثرهم الواضح بالمناهج الغربية خاصة منهج ما بعد الحداثة، وهناك أفكار تؤكد أن إسرائيل دخلت مرحلة ما بعد الصهيونية لذا بات النثر العبرى يميل إلى الفانتازيا لأن مبدعيه من الشبان الذين انتهوا من أداء الخدمة العسكرية يرفضون العديد من تفاصيل التاريخ اليهودى، بجانب الشكل المتعارف عليه للقص اليهودى لذلك يبدو مستقبلهم غامضا. كما ينادون بعد م الانسياق وراء أى حرب جديدة مع العرب بينما يوجد أصحاب النزعة العنصرية الذين لم يقبلوا بالسلام نظرا لأن حالة الحرب الدائمة التى يعيشها المجتمع الإسرائيلى جعلته لا يشعر بنعمة السلام.
وعندما وقعت مصر مع إسرائيل اتفاقية كامب ديفيد اعتبرها البعض خسارة كبيرة لأنها أعادت سيناء إلى مصر ومع ازدياد النزعة التوسعية فى السنوات الأخيرة انتشر مفهوم السلام من أجل السلام، ما أشاع جوا من التشاؤم أفرزته إحدى المسرحيات التى عرضت فى تل أبيب ومفادها أنه قد أضطر جندى مصرى أن يلتقى مع جندى إسرائيلى فى ظروف صعبة وأن يتعاملا معا ولكن فجأة تأتى طائرة مجهولة وتقتلهما معا وذلك يرمز إلى أن مسألة التعايش السلمى محكوم عليها بالفشل وليس لها مستقبل .
-
بماذا تفسر وجود ترجمات كثيرة للأدب العربى فى إسرائيل بينما لا يوجد سوى القليل من الترجمات العربية للأدب الصهيونى فى بلادنا العربية؟
حركة الترجمة إلى العبرية واكبت ظهور الحركة الصهيونية فى نهاية القرن التاسع عشرحيث ظهرت مجلة هشيل واح وأفردت صفحات كثيرة لألف ليلة وليلة وغيرها كما صدرت 3طبعات لترجمة معانى القرآن الكريم وذلك لأن القرآن يعتبر النص الأساسى والمحورى لفهم شخصية العربى كما شملت حركة الترجمة المؤلفات الكاملة ليوسف إدريس ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم بجانب أهم الأعمال العربية الأخرى مثل موسم الهجرة للشمال للأديب السودانى الطيب صالح وأخيرا انتهوا من ترجمة دواوين الشاعرالفلسطينى محمود درويش والأمر لا يتوقف عند الترجمة ،بل تهتم الأكاديميات العبرية بدراسة المجتمع العربى ومجلة حداش الناطقة باسم الاستشراق اليهودى تولى اهتماما واسعا بتطورات العلوم الإنسانية العربية لمحاولة فهم أعدائهم العرب فى حين لا نجد سوى القليل من الترجمات العربية للأدب الصهيونى وذلك لأننا لسنا فى أزمة مثلهم ، فلا تزال عقدة الخوف من تكرار الهزيمة جاثمة على صدورهم.
رابط دائم: