تثبت الرياضة كل يوم أنها ليست مجرد ترفيه وتسلية فحسب، بل تلعب دورا اجتماعيا وسياسيا أساسيا محركا للشعوب، ففي فيلم «انفكتوس» سنة 2009 لعب مورجان فريمان واحدا من أعظم أدواره حين جسد دور الزعيم نيلسون مانديلا فى القضاء على العنصرية فى جنوب أفريقيا.. وضمن فعاليات مهرجان المسرح التجريبى فاجأنا المخرج المكسيكى الشابموريسيو كاريلو بعرض لاعبات كرة القدم والذى يتناول بكثير من البهجة والحيوية تأثير حركة نادي كوررينثيانز الديمقراطية على البرازيليين، كوسيلة لمعالجة قضايا السكان الأصليين.
ليس جديدا على المكسيكيين تصدير المرح فى كل من حولهم، فمثلما يزحفون خلف منتخبهم في بطولات كأس العالم بألوانهم المبهجة ورقصاتهم المفعمة بالانطلاق والحرية، اقتحمت ممثلات العرض الثلاثة قاعة مسرح العرائس بصخب بالغ مندفعين بين كراسي الجمهور لتحيتهم بلغة عربية تعلمنها قبل العرض بساعات، ليقدمن لنا أنفسهن بشكل احتفالى كرنفالى، وليؤكدن أننا أمام لعبة مسرحية تعرض مباراة لكرة القدم استخدمها سكان مدينة ساتى المكسيكية للتوحيد بين أفرادها، وبين مقاعد المتفرجين وخشبة المسرح. اطلقن طوال العرض بكل حيوية وعنفوان، ليتفاعل معهن الجمهور تفاعلا إيجابيا مفجرا للطاقات، خاصة وأنهن تبادلن مع الجمهور كرة مطاطية عملاقة بين الصالة والخشبة لمرات عديدة فى دعوة صريحة لمشاركة الجمهور لهن فيما سيرونه.
تمردت الممثلات الثلاث على كل أشكال التقليدية سواء فى أدائهن أو حتى فى طرح الموضوع، وبذلن أقصى طاقاتهن الجسدية لتجاوز حاجز اللغة الإسبانية كلغة العرض، حتى إنهن فى بداية العرض يفكرن بصوت عال ماذا سيفعلن فى هذا المأزق، فتطرح إحداهن فكرة وجود ترجمة بالإنجليزية فتنادى على الفنى فى غرفة التحكم لعرض الترجمة.
اعتمد المخرج اعتمادا أساسيا على لغة الجسد وكشف اللعبة المسرحية، مستغلا القدرات الطاغية لممثلاته، فعلى أفرع شجرة خشبية موضوعة فى النصف الأيمن لخشبة المسرح وُضعت اكسسوارات العرض من باروكات شعر وشوارب وخلافه، بينما وضعت على الجانب الآخر بعض الآلات الموسيقية البسيطة ومايكروفون، لتبدأ الممثلات فى تجسيد كافة أدوار أهل القرية بالكلمة والحركة والإيماءة وكافة انفعلاتهن، دون الاتكاء على الترجمة الانجليزية فقط، حرصا على ضمان وصول رسالتهن.
فى تلك المباراة المسرحية المثيرة اكتفى المخرج بإنارة المسرح بالكامل ليضمن أيضا انتباه الجمهور طول الوقت، وليراهن على أداء الممثلات اللاتى تبادلن مع الجمهور الحوار والإيحاء بتبادل ثمرات الفاكهة المقطوفة من اشجار قريتهن، وكذلك قذف الكرة سواء بالإيحاء أو حتى بكرة حقيقية مثبتة فى عمود معدنى توجهه الممثلة لمتفرج بعينه ليقذف الكرة مرة بقدمه ومرة برأسه ومرة بكتفه وهكذا.
بدا واضحا قدرة الممثلات على التفاعل مع المجتمع المصرى فى وقت قليل فقد حاولن بين وقت وآخر النطق بكلمات مصرية وتناول سلوكيات مصرية علمت أنهن اكتسبنها من الجلوس على مقاهى القاهرة منذ وصولهن وقبل تقديم عرضهن، وهو ذكاء فنى بالغ لتوصيل الرسالة الدرامية، يضاف إلى مدرستهن الأدائية التى تقتحم القلوب بلا استئذان، واعتمادهن على توظيف أجسادهن فى الأداء التمثيلى وفى تشكيل بعض المناظر المسرحية البسيطة وفى المؤثرات الصوتية أيضا بشكل حى على المسرح، وحتى فى تجسيد بعض مشاهد حية لمباريات كرة قدم مرة بأداء بطىء ومرة بأداء سريع كما لو كانت أجزاء من مباريات كرة القدم يتم إذاعتها تليفزيونيا.
عرض ساحر بلا تقنيات بصرية حديثة، يؤكد أن الرهان سيظل دوما على الممثل وقدراته الأدائية مهما تسللت التكنولوجيا إلى مفاصل حياتنا.
رابط دائم: