رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

هل يكتب الأديب قصته فى أعماله؟
الخيط الرفيع بين سيرة المبدعين ورواياتهم

دينا توفيق

فى روايات كثيرة يخمن القارئ أن الكاتب يروى قصته أو سيرته الشخصية، وقد يكون ذلك صحيحا، لكن من الممكن أيضا أن يكون ضربا من التكهنات غير الدقيقة، الأمر غير واضح على وجه الدقة،هناك شعرة رقيقة تربط الكاتب بإبداعه فيبدو فى أحيان كثيرة كأنه هو ربما يكون الأمر حقيقة وربما يكون سحر الكتابة وألقها التى جعلته يتماهى مع ما يكتب تماما فلا نعرف الفرق بينهما. سنجد من الكاتب ظله وروحه بشكل ما «طفيف»، ويجوز «ثقيل» أحيانا.. ولكن ومما لا شك فيه أن هذه تعد تهمة من وجهة نظر البعض فيرفضونها، بل وعلى أقل تقدير يتنصلون منها أحيانا كثيرة.. ولكن هناك شبه اعتراف يذوب ويتوارى على ألسنة الأدباء، مهما رفضوا الإدلاء به علانية حول وجودهم فى رواياتهم، فهم يعلمون أن البطل يكون متشربا من أرواحهم بشكل او آخر!.

...............



منصورة عز الدين: أى كاتب هو جماع تجاربه الذاتية وما يختبره ويمر به


تقول الكاتبة منصورة عزالدين أن الكاتب جماع مخاوفه وهواجسه وانشغالاته وأسئلته المؤرقة وما يتفاعل معه مما يحدث حوله. يتأثر الكاتب بالمثل بالبيئة التى نشأ فيها؛ بطبيعتها وطوبوغرافيتها ونباتاتها وظواهرها الطبيعية وحتى بخرافاتها ومعتقداتها الشعبية وأساطيرها.

وبطبيعة الحال، كل كاتب ينطلق من ذاته؛ مما يؤثر فيها ويستفزها أو يحركها، لكن هناك من يستفيد من نقطة الانطلاق الأولى هذه ويعتبرها محفزًا ينطلق منه لخلق عوالم أوسع وأكثر تركيبًا، وهناك من يجيد الحفر فى ذاته للوصول إلى مشتركات إنسانية تمس البشر جميعًا ويتمكن الآخرون من رؤية انعكاساتهم فيها، فى حين أن هناك نوعًا ثالثًا يكتب من شرنقة الذات دون حتى إجادة رؤيتها أو التبصر فيها.

أتذكر أن الروائى الفرنسى «ميلان كونديرا» قد قال، فى سياق حديثه عن وليم فوكنر، ما معناه إن الروائى يهدم بيت ذاته كى يبنى بيت روايته. وفى رأيى أن فكرة الهدم والبناء فى هذه الاستعارة ذكية جدًا؛ لأن العمليتين سوف ينتج عنهما فى الغالب بنية جديدة كليًا، بالرغم من أن أحجارها هى نفس أحجار بيت حياة الكاتب. للكاتب الكبير إبراهيم أصلان هو الآخر مقولة أتفق معها فى هذا الصدد، وهى أن الكاتب لا يكتب بالضرورة تجاربه، بقدر ما يكتب بتجاربه، أى يحيلها إلى معادل فنى ما ويكتب بخلاصتها وبعصارة ما تركته بداخله من خبرة وحكمة أو ألم ومعاناة.

ثم تؤكد الروائية منصورة عز الدين «منذ بدأت الكتابة وأنا لا أكتب سيرة ذاتية فى رواياتى، وشخصياتى الفنية مخترعة فى معظمها، لكن رغم هذا من الصعب فصل هذه الأعمال عنى وعن انشغالاتى وأسئلتى وهواجسى; لأنها نابعة منها». الروائية رضوى الأسود: «نكتب نصوصا تبدو بعيدة عنا ولكن فى عمقها تحمل قدرا لا بأس به من ذواتنا».

نحن ما نكتبه؛ فالكتابة فى حقيقتها هى بوح الروح، وهى مجموع ما هو مخزَّن فى الوعى واللاوعى من تجارب وإخفاقات ودروس متعاقبة أنتجت فلسفتها وحكمتها الخاصة. كل ما مَرَّ ونمرُّ به هو المادة الخام التى نستخدمها فى الكتابة، وكذلك كل الهواجس والأحلام والانفعالات. وحتى حينما نكتب نصوصًا تبدو لنا أو للآخرين أنها بعيدة تمامًا عنا، فهى فى عمقها تحمل قدرًا لا بأس به من ذواتنا.

الكتابة لا تختلف عن التجربة الشعرية التى درسناها قديمًا فى المدرسة؛، فهى لحظة يحدث فيها إلحاح غير عادى على الكاتب ليمسك بقلمه ويبدأ بالكتابة عمَّا يشعر به، هذا الضغط يحدث نتيجة مؤثر أو دافع قوى، من الممكن أن يكون تساؤلا وجوديا، أو ذكرى قديمة طفت على السطح، أو لحظة حزن فارقة. هذه هى الكتابة ببساطة شديدة، ويكمن الفارق بين كاتب وآخر فى تباينات الأسلوب والتكنيك واللغة والبناء. أول رواية لى «حفل المئوية» كانت نتيجة حفل أقامته مدرستى بمناسبة بمرور مائة عام على بنائها، ترك الحفل تأثيرًا عميقًا فى نفسى، ولم يهدأ هاجسه حتى قمت بكتابة تلك الرواية، وكذلك كان هناك عمل آخر قمت بكتابته، وكان يُعَد تجسيدًا قريبًا جدًا من تجربة شخصية أليمة مررت بها.



أزمة كمال عبدالجواد ومحفوظ


وفى اعترافات اديب نوبل الكبير نجيب محفوظ نجده يؤكد أنه التقط من حياته ومن أمه الكثير، خاصة من كان يراهن من نسوة وجارات، وكان يستمتع بمتابعة ثرثراتهن، وكانت منهن المشعوذات والدجالات اللاتى كن تترددن على بيتهم.

بل إنه أوضح فى أحد اعترافاته تلك ان «سى السيد» كان شخصا يسكن فى بيت مقابل لبيتهم فى الجمالية، وكان البيت مقفل النوافذ والشبابيك، ومغلقة أبوابه طوال اليوم ولا يخرج منه إلا «سى السيد» فقط، وكانت والدته تزور الست أمينة وتصطحبه معها..

كما اعترف أيضا أن شخصية كمال عبدالجواد فى رواية السكرية هى أقرب الشخصيات التى تمثل جزءا كبيرا منه..

حيث إن أزمة ومعاناة كمال عبدالجواد، كانت نفسها أزمة ومعاناة نجيب محفوظ شخصيًّا فى ذلك التوقيت من حياته.



نعيم صبرى:

أسترجع لحظة غيرة أحاول تشخيصها فى روايتى!


يرى الكاتب والروائى نعيم صبرى أحد حرافيش الاستاذ نجيب محفوظ، أن مصادر الكاتب دراميا هى الحياة من حوله، بشخوصها وحقائقها وخيالاتها، وبطبيعة الحال نفسه قبل ذلك.بينما يؤكد أن شخصية واحدة تمثل الكاتب أظنه موضوعا نادر الحدوث إلا فى السيرة الذاتية. قد يكون جزءا بسيطا منه فى أحد الشخصيات أو جزءا من شخصيات حوله رآها أو تعامل معها، وأحيانا تكوين جديد من جزئيات متفرقة لمجموعة من الشخصيات فى الحياة. بالنسبة لى شخصيا أعود إلى نفسى لأسألها عن المشاعر الأساسية فى الحياة؛ كالغيرة أو الحقد أو الغل أو الحسد والكراهية وغيرها، فأسترجع لحظة غيرة مثلا أو غل لأحللها وأحاول تشخيصها فى الشخصية الدرامية التى أتناولها بالعرض والتحليل.




هشام الخشن:

هناك جزء منى فى رواياتى.. ولا أصرح بذلك لأنها سر الصنعة



يقول الكاتب «هشام الخشن» إنه لا يقوم أبدا بأخذ شخصية كاملة من الواقع الا لو كانت تاريخية ادرسها بأصول بحث.. اما الشخصيات التى أخد منها من حولى فلا يمكن نقلها كما هى، ولكننى أقوم بتركيب الشخصية من عدة مصادر.. ولكن الأمر المؤكد انك سترين جزءا منى فى الرواية التى أكتبها ويحدث ذلك باستمرار ليس بالنسبة لى فحسب بل عند كل الكتاب ولكن «الشطارة» ألا يعلو صوته ابدا، وأن ارتفع صوته بقناعاته سيتحول إلى مقال وليس رواية، وعلى الكاتب أن يكون صريحا مع نفسه مثل العظيم «توفيق الحكيم» الذى حين كتب سيرة ذاتية منحها تلك الصفة بوضوح، والأكثر حنكة عنده أنه حين كان يكتب مسرحيات وروايات كان يقدم فكرته وعكسها حتى لا يعلو صوته.. وعندما طلبت من الكاتب هشام الخشن أن يمنحنى نماذج لظهوره شخصيا فى رواياته رفض قائلا «لا يمكن ده سر الصناعة»!.

هناك دوما تساؤلات حائرة تفترض علاقة بين رواية السيرة الذاتية ورواية المرأة ورواية الغربة ورواية السجن، وكلها تحتمل بروزا لشخصية الروائى او محاولة إخفاء متعمد لشخصيته المتواجدة بالفعل بنفس صفة السيرة تماما، والإصرار بأنها رواية أدبية..

ولكن على ما أعتقد وبناء على طرح تساؤلاتى على أدباء متميزين للغاية وجدت ان أساليب السرد وخلق الشخصيات فى الاعمال الروائية الادبية تعد هى روح الكتابة وسرها الكبير فمهما حاول البعض خوض ما وراء العمل الادبى واستكشافه ومهما حاول الكاتب التستر خلف شخصياته نافيا عنها صفة الواقعية، فلابد أن نجد أثرا له ينم عن حضوره، سواء كان راويا او شخصية فهو السيد الصانع لادق التفاصيل والحبكات فى روايته وهو الحاضر بحياته وتجربته او تجارب من حوله.


محمد شكرى وخبزه الحافى


بدأ الكاتب المغربى محمد شكرى روايته بذكر خاله، فقال «.. أبكى ذكرى خالى..»، ثم توالى ظهور الشخصيات الرئيسية فقال الراوى «... أمى تقول لى بين لحظة وأخرى.. أسكت سنهاجر إلى طنجة... أخى عبدالقادر.. دخل أبى، وجدنى أبكى على الخبز أخذ يركلنى ويلكمنى...».

لقد ظهرت بذلك عدة شخصيات ومنها الخال، والأم، والأخ، والأب، والراوى فى صفحة واحدة فقط من الرواية، وبعد ذلك دخل الأخ «عاشور» ثم تلاه ظهور الصديق «التفرستى»، فقدم شكرى بذلك جميع الشخصيات الأساسية فى الخبز الحافى، وكان الصوت الطاغى على الحوارات هو صوت الراوى. عليه فيمكن تلخيص الشخصيات الرئيسية فى الرواية فنرى محمد شكرى هو بطل الرواية والراوى، الذى يعيش الفقر، والتخبط فى حياته.

قدم شكرى ظاهرة العنف فى مجتمعه، حين تكون مرجعية اجتماعية وفى بعض الأوقات نفسية، إذ عاشها شكرى فى حياته الواقعية.

 

 


محمود الغيطانى:  بعض المبدعين يتماهون تماما مع ما يكتبونه


يقول الكاتب محمود الغيطانى لا يمكن إنكار أن العمل الروائى هو فى وجه من أوجهه انعكاس حقيقى لصورة كاتبه، سواء كان هذا الانعكاس على المستوى النفسى، أو الحياتى المعيش، أو حتى تخيلاته التى يتمناها لكنه لا يستطيع تحقيقها على أرض الواقع، فيبثها من خلال كتابته الإبداعية.

أى أن المبدع يصنع من خلال روايته العالم الذى يأمله، لهذا فهو يعيد خلق الحياة كما يهواها هو.

بعض المبدعين يتماهون تماما مع ما يكتبونه، الأمر الذى يجعلك تستطيعين اكتشاف ومعرفة الكثير من الخصال السيكولوحية للمبدع مهما حاول إخفاءها، فهو يبثها فى أعماله وكأنه يكتب نفسه. أذكر فى حوار لى مع الروائى الراحل محمد ناجى، كنا نتحدث فيه عن عملية الخلق الإبداعى وأخبرته أنى كنت أنام لأحلم بأحداث روايتى التى أكتبها، وحينما أستيقظ أقوم بكتابة ما رأيته فى نومى، أى إنى كمبدع كنت استكمل أحداث رواياتى أثناء النوم، ففاجأنى بقوله إنه حينما كان يكتب إحدى الروايات وكانت الشخصية الروائية مصابة بالصرع، بأنه قد ظهرت عليه بدوره أعراض الصرع رغم أنه لم يكن يعانى منه.

هذا يعنى أن الكاتب فى حقيقة الأمر يضع الكثير جدا من نفسه ومن حياته داخل عمله الروائى ممتزجا بالقليل أو بالكثير من الخيال.

........

وقد قرأت فى دراسة أجراها الباحث ممدوح فرج النابى ملاحظات أراها جديرة بالمناقشة وأراها مناسبة للطرح هنا، حيث يرى أن معظم أعمال الكاتبات محور دراسته تعبر عن تجاربهن الخاصة، وصراعاتهن فى الحصول على حقوقهن، بدءا من التحرر من براثن الرجل، إلى التحرر بالكتابة، لاكتشاف ذواتهن المجهضة، أو التعبير عن آلامهن الخاصة، من قبيل موت الطفلة «الملاذ»، كما فعلت مى التلمسانى فى «دنيا زاد»، أو أنانية الزوج فى «السيقان الرفيعة للكذب» لعفاف السيد، غير انه قد يبدو ثمة اختلاف واضح بين كاتبات جيل التسعينيات من القرن الفائت، فى استثمار تجاربهن الذاتية، والجيل السابق لهن: جيل لطيفة الزيات، فجيل التسعينيات كان يصور جملة تجارب ذاتية صرفة لا تعتنى بالقضايا المحيطة، بعكس جيل لطيفة الزيات.



رؤوف مسعد: الـخذلان والهزائم أهم مصادر الكتابة الصادقة


يقول الكاتب رؤوف مسعد أعتقد أن التجارب الشخصية للكتاّب هى أهم مصادر كتاباتهم وشخصياتهم.. من أعرفهم من المبدعين الاصلاء «اى غير المزيفين ومحترفى قنص الجوائز» يكتبون عما عانوه «المعاناة هنا اساسية وضرورية» فى الحياة من تجارب سواء كانت صغيرة ام كبيرة.. بالنسبة للحالة الانسانية التى قد تتنوع بين الفقر او الغنى بين الأنوثة والذكورة بين الرغبات السرية وتلك المحققة فهى تجارب انسانية يعبر بها المبدعون «الاصلاء ايضا» ويعبرّون عنها بأدواتهم، وغالبا ما تكون على مستويات مختلفة من الصدق.

فالمبدع الذى يعيش فى مجتمع قبلى او بقايا هذا المجتمع يكون مقيدا بتقاليد هذا المجتمع مهما حاول التملص منه؛ لانه فى النهاية جزء ينتمى الى «القبيلة» على العكس من المبدعين الذين يعيشون فى مجتمع صناعى فقد أتاح لهم هذا المجتمع حريات فردية عالية، وحريات قانونية كبيرة يستطيعون التحرك فيها كما يريدون و الامثلة كثيرة على مبدعين غربيين ناقشوا المسلمات الدينية بحرية تبدو لبعض المتدينين فى ذلك المجتمع استفزازية.

كما أن المبدعين القادمين من مجتمع زراعى «مثل مصر» يتحركون بحذر فى مواضيع «التابوهات» الدينية والأخلاقية، وكذا نجد أن المبدعين الذين يعيشون فى مجتمعات ديكتاتورية يواصلون «التقية» فى اعمالهم خوفا من عقاب قد ينالهم وسنجد ان الكتابات «الرمزية» «مثل الالبانى الذى كتب عن «وزارة الاحلام» حيث تخيل بلدا امر فيه الديكتاتور الحاكم المواطنين بان يذهبوا الى هذه الوزارة ليسجلوا ما حلموا به الليلة الماضية ليقوم محللون مختصون بتحليل هذه الاحلام» تحتل قدرا كبيرا من النشاط الابداعى لهؤلاء المبدعين.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق