رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عاشق البراح والضوء والشفافية .. «فرانسيس كيرى» المعمارى الملهم

صخر صدقى

لأنه عانى كثيرا من انعدام الكهرباء، عشق الضوء الذى تجلى فى كل مشاريعه المعمارية، ولأنه عاش وسط الطبيعة، انعكس تأثره الشديد بها فى كل تصميماته الهندسية، ولأنه يدين بالولاء لأهل قريته الذين كان لهم الفضل عليه فى التعليم خارج القرية، وظف كل طاقاته الإنسانية والروحانية وكل ما اكتسبه من خبرة ومن تعليم فى بناء أول مدرسة فى قريته جاندو Gando فى بوركينا فاسو.


................


لفت الأنظار إليه وإلى أسلوبه وأخلاقه وفلسفته فى العمارة عندما قدم نفسه للعالم من خلال مشاريعه المعمارية ليس كمهندس حصل على شهادات الهندسة المعمارية فى ألمانيا، لكن بهويته الإفريقية التى تعكس بشكل واضح عشقه للبيئة وللطبيعة التى نشأ فيها تجلت فى الغالبية العظمى من أعماله، فى كينيا على سبيل المثال أقام مبنى مستوحيًا فكرته من تلال النمل الأبيض بما تشتمل عليه من نظام تهوية لا مثيل له، وفى عاصمة بوركينا فاسو قام بإعادة بناء البرلمان بعد أن التهمه الحريق عام 2014 وصممه على هيئة هرم متدرج تنتشر الخضرة فيه على الدرجات، وتحيط به من كل جوانبه متأثرا بالخضرة فى بلده، وجعله مفتوحا، ومضيئا، وشفيفا، كرمز للنقاء والشفافية، وهو أول معمارى إفريقى يختارونه فى المملكة المتحدة لتصميم جناح معرض سربنتين 2017 وهو حدث سنوى يشارك فيه معماريون عالميون كعامل جذب رئيسى للسياح، بث فيه شكل وروح شجرة الباوباب Baobab أكبر شجرة معمرة ومبجلة فى إفريقيا، يقول عن سر اختياره لها بأنها أفضل مكان يجتمع فيه أهل القرية فى المناسبات، يتسامرون، ويتناقشون، ويستريحون، أحاط الهيكل بجدران زرقاء من كتل خشبية متداخلة فيما يشبه الملابس الاحتفالية التى يرتديها الشباب فى بلدته.

هو أيضا التلميذ القروى الذى ذاق طعم البؤس الذى كان يعيش فيه القرويون فى بلدته الفقيرة فى كل شىء، من البنية التحتية حتى المبانى الطينية التى لا يزيد ارتفاع أعلى مبنى فيها عن ارتفاع شجرة. أتحدث عن المعمارى ديبيدو فرانسيس كيرى 1965, أول إفريقى يحصل على جائزة بريتزكر 2022 والتى تعد أكبر جائزة فى مجال العمارة فى العالم، وتعادل فى قيمتها جائزة نوبل، وتبلغ قيمتها 100 ألف دولار وميدالية برونزية منقوش على ظهرها ثلاث كلمات بالإنجليزية ثبات FIRMNESS وبهجة DELIGHT، وسلعة COMMODITY.


فرانسيس كيرى


كان كيرى وقبل حصوله على هذه الجائزة مشهودا له بإنسانيته وشدة ولائه لوطنه وللقارة التى ينتمى إليها حتى أن معظم المشاريع التى أقامها كانت فى بوركينا فاسو وفى الدول الإفريقية المجاورة حيث نقل إليهم خبرته فى البناء الذى بدأه فى قريته بالموارد المتوافرة وبالمهارات التى اكتسبوها بالعمل الجماعى. قام بتنفيذ عدة مشاريع فى أوروبا وأمريكا، كما شارك فى العديد من المعارض الدولية.

حمل فرانسيس كيرى قريته معه وهو يغادرها، لم تفارقه طوال مدة دراسته فى المدينة ثم استكمالها فى ألمانيا، ولم يشغله وهو منكب على التعليم بكل حواسه إلا كيف يكون مفيدا للقرويين فى قريته الذين ساهموا فى تعليمه والذين كانوا بمثابة عائلة واحدة مترابطة يتشاركون فى كل شىء ويتقاسمون اللقيمات، وكيف يبرهن لهم عمليا بأنه لم يتفوق فى دراسته ولم يذهب للتعلم فى الخارج إلا من أجل أن يوظف خبرته العلمية والحياتية من أجل راحتهم، ولكى يترجم شعوره وفلسفته من أجل الارتقاء بأسلوبهم فى العيش من خلال عملية التشييد لمبانى القرية. لم تكن بقريته الفقيرة مدرسة واحدة، ولأنه كان فى وضع اجتماعى أفضل نسبيا من أقرانه، تمتع بحظ التعلم فى المدينة بعيدا عن قريته. ولم تكن فصول المدرسة التى يتعلم بها بأفضل حالا من البيوت التى يعيش فيها القرويون، الفصول ضيقة، شديدة الحرارة، تفتقد التهوية، وتكاد تكون مظلمة للخفوت الشديد لضوء النهار، هذا بالعلاوة على تكدس التلاميذ فى الفصل، ولم يكن شعوره بالاختناق إلا ليزيده رغبة فى التطلع إلى اليوم الذى يقدر فيه على تشييد فصول للتلاميذ تشجعهم على التركيز وتفتح شهيتهم للتعليم، وحتى يصل لهدفه درس النجارة فى بداية منحته التعليمية بألمانيا، ولم يجد هذه الدراسة كافية لتحقق ما يصبو إليه فتبعها بدراسة العمارة وهى نوع الدراسة التى وجد نفسه فيها وأحس من خلال تعمقه فيها بأنه قطع شوطا مهما من أجل أن ينهض بفن العمارة فى بلده وكان شغله الشاغل هو أن يمرر خبرته ومعلوماته الى أهل بلده حتى يكتسبوا المهارة اللازمة ليسيروا على هداها فى أية مبان مستقبلية. وجاءت فرصة تحقيق حلمه ببناء أول مدرسة ابتدائية فى قريته عندما قرر الاشتراك فى مسابقة أفضل تصميم معمارى وهو فى عام التخرج فى الجامعة، وتحقق له هذا فى عام 2001 وحصل مشروعه على جائزة الآغا خان للعمارة. وكان قد بدأ خطته لتنفيذ مشروعه بجمع التبرعات، وفى واحدة من مقابلاته مع الجمهور قال فى هذا الصدد « أثناء دراستى فى ألمانيا توافرت لدى العديد من المزايا التى حرم منها التلاميذ فى قريتى جاندو Gando، فكرت أن أوظف كل ما تعلمته فى بناء مدرسة فى قريتى، لكن من أين لى بالمال إلا من خلال التبرعات ولم يكن هذا بالشىء الهين، فى خلال عامين جمعت لمشروعى من التبرعات خمسين ألف دولار، عندما رجعت إلى قريتى طاروا من الفرح عندما عرفوا بنيتى ولكنهم صدموا عندما أخبرتهم بأننى سوف أستخدم الطمى فى عملية البناء».

لتوفير العمالة من خارج القرية، درب الأهالى على العمل الجماعى فى البناء باستغلال الموارد المحلية وبمشاركة كل فئات المجتمع فى القرية، كل حسب قدراته،، لم يكن يبخل عليهم بأية معلومة، ولأنه يدرك افتقارهم للعلم كان يبسط لهم الحقائق العلمية المتعلقة بالبناء، وكان يساهم بحرفية فى تطوير مهاراتهم لكى يتكسبوا منها بالبناء فى القرى المجاورة، ولكى لا يفكروا فى الهجرة، يجسد لهم بالرسم على الرمال تصورًا كاملًا للكيفية التى سوف يكون عليها المبنى، والمواد الخام المستخدمة. أدركوا وهم يعلمهم كيفية تجهيز قوالب الطوب بخلط الطمى مع الأسمنت، بأنه يمزج ما تعلمه فى الخارج من تقنية معمارية حديثة مع تقنيتهم القروية التى اعتادوا عليها، وكان قد نجح فى إقناعهم بالقيمة العظيمة للطمى ليبدد الاعتقاد السائد بأنه للفقراء فقط شجع أطفال القرية على المشاركة بتجميع ما يقدرون على جمعه من مواد البناء البسيطة مثل الحجارة والحصى، وطلب من النساء العمل على تزويدهم بالماء اللازم لتشكيل الطوب كانت يده معهم وهو يتابع كل خطوة يقدمون عليها فى عملية البناء. يقول فرانسيس كيرى «بعد أن اكتمل بناء المدرسة الابتدائية سرت عدوى الفرحة والإحساس بالفخار بين الجميع، لقد أضفت اللمسات الحديثة على المبنى رونقا وجمالا وميزة تفوق كل ما خبروه من قبل، إضاءة وبراح وتهوية طبيعية وتوفير حماية من الأمطار ومن الشمس الحارقة، ومع استخدام المواد المألوفة لديهم صار المبنى جزءًا لا يتجزأ من الطبيعة حولهم، ما أنجزناه يدعو فعلا للفخار «.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق