رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

صوت العرب.. إذاعة ناصر التى قوضت الاحتلال

صلاح البيلى
أحمد سعيد

انطلق من القاهرة فى يوم السبت الرابع من يوليو سنة 1953م وفى تمام السادسة مساء نشيد «أمجاد يا عرب أمجاد، فى بلادنا كرام أسياد»، وبدا عصر جديد يجتمع فيه مائة مليون عربى حول ناصر وحلم العروبة والمد القومى التحررى عبر إذاعة «صوت العرب»، الأمر الذى دفع قيادة العدوان الثلاثى على مصر سنة 1956م إلى قصف محطات الإرسال فى «أبى زعبل» شمال شرق القاهرة، وكما ورد بوثيقة بريطانية فرنسية مشتركة كان الهدف حرمان ناصر من حشد وتأييد مائة مليون عربى تمهيدا لتصفيته والانفراد به!.

كان «صوت العرب» قد بدأ كحلم فى عقل ناصر وتحول لواقع على يد النقيب الشاب بجهاز المخابرات المصرية آنذاك فتحى الديب مسئول الشئون العربية بالجهاز، وكان قد حدد أهداف الإذاعة الوليدة فى ثلاثة هى: توعية المواطن العربى بالمخططات التى تحاك ضده، والدعوة لتحرير البلاد العربية من الاستعمار، وتحليل مشاكل الوطن العربى، وأضاف ناصر هدفا رابعا هو استرداد الثروات العربية خصوصا البترول. والقيمة الكبرى التى تتمتع بها «صوت العرب» أن ناصر وضع قاعدة «لا يسأل عما يفعل بل عن النتائج».


وبذلك أخذ قسطا من الحرية فى النقاش والعمل لم تكن للإذاعات الأخرى، وكان ناصر مقتنعا بذلك وإلا ضاعت قيمته وعبر عن ذلك صراحة أمام مجلس الأمة فى 25 فبراير سنة 1965م وقال إنه لا يوافق على بعض ما يذيعه أحمد سعيد ولكنه لا يتدخل فى عمله.

أحمد سعيد

بدأ «صوت العرب» برئاسة الشاعر والصحفى صالح جودت ولكنه لم يعمر طويلا إذ كان أحمد سعيد هو الوجه الأوفر حظا وشعبية والأعلى صوتا وكانت ملايين العرب تنتظر صوته خصوصا فى تعليقه السياسى اليومى لدرجة أن العربى البدوى فى الصحراء وكما ذكر الصحفى الإنجليزى «ويلتون وين» فى كتابه «عبدالناصر، قصة البحث عن الكرامة» كان يذهب للحضر ويقف أمام محل بيع أجهزة «الترانز ستور» الصغيرة ويقول للبائع: «أبغى صندوق أحمد سعيد»، أى أنه يريد شراء راديو يستمع من خلاله لـ «صوت العرب»، وهذه الحقيقة أكدها محمود رياض وزير خارجية مصر فى الستينيات وأمين عام الجامعة العربية لاحقا فى مذكراته بأنه لما زار اليمن مع وفد برئاسة صلاح سالم سنة 1954م وجد تأثير «صوت العرب» فى كل بيت.

وقد بدأ «صوت العرب» باثنين من العاملين بلغوا آخر سنة 1967 خمسة وستين إذاعيا وموظفا كما ذكر الإذاعى عباس متولى فى مذكراته حول «صوت العرب» وكان إرسال «صوت العرب» فى البداية فى يوليو 1953 نصف ساعة ثم امتد لساعتين فى يناير 1954م ثم أصبح سبع ساعات فى يوليو سنة 1954م ثم أصبح يمتد إلى 21 ساعة سنة 1990 م وبعد محنة غزو العراق للكويت سنة 1991م أصدر صفوت الشريف وزير الإعلام آنذاك قراره بمد إرسال «صوت العرب» إلى 24 ساعة متواصلة.

صوت لم يتوقف

وحين قصف العدوان البريطانى الفرنسى المشترك محطات إرسال الإذاعة فى «أبى زعبل» فى خريف سنة 1956م لم يتوقف إرسال «صوت العرب» بل انطلق من دمشق بصوت المذيع صلاح عويس، وانطلق من بيروت ومن عمان ومن تونس ومن طرابلس الغرب فى وقت واحد وفى معزوفة أكدت وحدة المصير المشترك لكل العرب، وأكثر من ذلك لم تتوقف «صوت العرب» من القاهرة حيث كانت المخابرات المصرية قد اشترت أجهزة ومعدات كبنية أساسية لتأسيس إذاعة «صوت الجزائر» ضد الاحتلال الفرنسى لها، فما كان من رجال المخابرات وفتحى الديب وأحمد سعيد إلا أن أتوا بالأجهزة وركبوها على عجل بمبنى المخابرات كمحطة إرسال طوارئ وبديلة لمحطة «أبى زعبل» وبالفعل انطلق «صوت العرب» ليومين من مقر المخابرات لحين إصلاح محطة الإرسال الأصلية فى «أبى زعبل»!.

أمجاد يا عرب أمجاد

وكان «صوت العرب» يعتمد على أسلوب الإثارة الشديدة لتوعية الجماهير مع إذاعة الأناشيد والأغانى الحماسية التى تدعو للصمود ومقاومة الاستعمار، واتخذ شعارًا له أنشودة «أمجاد يا عرب أمجاد فى بلادنا كرام أسياد» التى كتبها عبدالفتاح مصطفى ولحنها أحمد صدقى وغناها كارم محمود، أما افتتاحية الإذاعة فكانت بصوت حسنى الحديدى وهو يقول: «هنا صوت العرب الناطق بلسانكم المعبر عن وحدتكم يأتيكم من قلب العروبة النابض من القاهرة»، ودعما لرسالة «صوت العرب» استقطب كفاءات منها فاروق خورشيد وبهاء طاهر والسيد الغضبان والشاعر الفلسطينى هارون هاشم رشيد، علاوة على محمد عروق وسعد غزال ومحمد أبو الفتوح وعبدالوهاب قتاية وعاطف كامل ومحمد فهيم وسعد زغلول نصار ولاحقا انضم لكتيبة «صوت العرب» حلمى البلك ووجدى الحكيم ونادية توفيق وتراجى عباس وأمين بسيونى وعصمت فوزى وكامل البيطار وأمينة صبرى ونجوى أبو النجا وعباس متولى وحمدى الكنيسى ونبيلة مكاوى ومحمود سلطان وأمانى كامل، وكان «صوت العرب» قد أوفد مراسليه إلى شمال إفريقيا والخليج والعراق لتغطية الأحداث الساخنة ضد الاستعمار، وفى هذه الأثناء قدم الإنتاج الغنائى القومى مثل «دعاء الشرق» و«الروابى الخضر» غناء عبدالوهاب والقصيدة الثانية للشاعر والممثل والإذاعى أحمد خميس وله ديوان بنفس الاسم، كما أنتج «صوت العرب» أغنية «بلدى أحببتك يا بلدى» و«النشيد القومى الجزائرى»، وقدم «صوت العرب» مسلسلات «فى بيتنا رجل» قصة إحسان عبدالقدوس والتى تحولت إلى فيلم سينمائى لاحقا، ومسلسل «ثلاثية نجيب محفوظ» ومسلسل «نادية» و«العمر لحظة».

استقلال المغرب

وبلغ من خطورة الصوت الوليد أن سفراء الدول الاستعمارية كانوا يطالبون ناصر بوقفها مع استعدادهم لتقديم كل المساعدات لمصر وقدم السفير الفرنسى بالقاهرة احتجاجا رسميا لمصر بعد تفجيرات ثوار المغرب إبان إطلاق التعليق السياسى الأول فى «صوت العرب» بعد نفى الملك محمد الخامس ملك المغرب وأسرته إلى مدغشقر وخوض «صوت العرب» أولى معاركه السياسية ضد الاستعمار فى 20 أغسطس سنة 1953م، ولما عاد الملك محمد الخامس للمغرب سنة 1955م اعترف بدور «صوت العرب» الكبير فى النصر واستقلال المغرب، وتقديرا لدور أحمد سعيد كرمه الملك محمد الخامس بأعلى وشاح مغربى، وحين زار ولى عهد المغرب الحسن الثانى القاهرة سنة 1957م زار «صوت العرب» وسجل مع الإذاعية نادية توفيق.

ووصل الأمر بفرنسا إلى تهديد مصر أكثر من مرة، وحين ضرب الطيران الفرنسى الإنجليزى منشآت الإذاعة فى أبى زعبل سنة 1956م تم نقل الإذاعة المتنقلة التى جرى شراؤها لصالح جيش التحرير الجزائرى، وتم نقلها لمكتب فتحى الديب بالمخابرات وليومين كان صوت أحمد سعيد ينطلق فى موعد بثه المعتاد «هنا صوت العرب من القاهرة».

ثورة الجزائر

وفى 1954م وتحديدا العاشرة مساء أول نوفمبر أخرج أحمد سعيد من درج مكتبه بالطابق الخامس بمقر الإذاعة القديم بالشريفين بوسط القاهرة ورقة واحدة بيضاء مكتوب عليها بالحبر السرى نص بيان إعلان ثورة تحرير الجزائر بعد أن وصل أحمد بن بيلا للقاهرة والتقى ناصر واتفقا على أن يقوم «صوت العرب» بدور فى تأييد ثورة الجزائر وجمع الأحرار فى الداخل والخارج ضد فرنسا واستمر هذا الدور التحررى حتى استفتاء تقرير مصير الجزائر فى 3 يوليو سنة 1962م وفى نفس مساء اليوم أعلن عبدالحليم حافظ فى حفل عيد ميلاد «صوت العرب» التاسع أن الجزائر أصبحت حرة مستقلة وأهداها أغنية «أرض الجزائر» كلمات كمال منصور ولحن بليغ حمدى ويقول مطلعها «قضبان حديد انكسرت والشمس طلعت نورت أرض العروبة أرض البطولة أرض الجزائر سنين طويلة حرب ونضال بين البطولة فوق الجبال شايلين سلاح قصة كفاح أعجب وأغرب من الخيال». وقد هددت فرنسا ببيع طائرات الميراج لإسرائيل عقابا لمصر عبدالناصر على مناصرة «صوت العرب» لثوار الجزائر، وكان ذلك من أسباب عدوان فرنسا على مصر يوم 29 أكتوبر سنة 1956م مع بريطانيا وإسرائيل لكسر ناصر و«صوت العرب» واعترف ناصر بدور «صوت العرب» المزعج للاستعمار فى خطابه من فوق منبر الأزهر يوم 9 نوفمبر سنة 1956م وقوله بتحدى «سنحارب سنحارب»، وكان د. عبدالقادر حاتم على أهبة الاستعداد بمحطة إرسال بديلة لعلمه أن «صوت العرب» سيكون هدفا للمعتدين.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق