يتكرر النشر فى الصحف ووسائل الإعلام عن وقائع مؤسفة، تتمثل فى تبادل شتائم واتهامات بين مريض وطبيبه في المستشفيات العامة، وقد تكرر هذا الأمر كثيرا فى الآونة الأخيرة، لدرجة أنه يمكن القول إنها أصبحت ظاهرة عامة و مُقلقةْ.وكلنا تحفل ذاكرتنا بالعديد من مرويات وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعى عن حكايات لا تنتهي، وهذه تحتاج إلى تضافر الجهود للتعرف عليها وبحث سُبل التقليل منها ومن آثارها السلبية.وعندما رجعت بذاكرتى لبداية المشوار فى قصر العيني، مسترجعا المواد المختلفة التى يدرسها طالب الطب و«حكيم» المستقبل، فلم أَجِد بها أى أثر لمحاضرة أو ندوة أو ورشة عمل تتحدث عن هذه العلاقة، كما تذكرت أن جميع مواد الدراسة التى تتناول جسم الإنسان وأعضاءه وتصف أمراضه وعللِه، بتفصيل شديد، لا تضم أى مواد عن النفس البشرية والإنسان، وهو أسمى المخلوقات التى كرمها المولى سبحانه وحمله الأمانة وأستخلفه فى الأرض ليعمرها، إلا من عدة محاضرات قليلة فى السنة الثانية عن علم النفس Psychology، كانت جافة و لا تسمن ولا ولاتغنى من جوع، وإن كان جيلى قد سعد بحضور ندوات نظمها اتحاد الطلبة ولجنته الثقافية، لقمم الأطباء الذين استهوتهم حرفة الأدب أمثال مصطفى محمود ويوسف أدريس وصلاح حافظ وحسين فوزى وغيرهم، وكان كل ذلك يَصْب فى تنويع الثقافة العامة للطالب وتوسيع مداركه، وتعلمنا ـ أبناء جيلى بعد التخرج، من الأخصائيين الذين سبقونا كيف نتعامل مع المريض، وكيف نتحدث معه، ولا نأنف منه مهما يكن، ونقوم بأداء واجبنا تجاهه، غير ناظرين لأى غرض ولا منتظرين منفعة مادية، حافظين أسراره التى أئتمنا عليها، وذلك طبقا لقسم أبقراط الذى أقسمناه بعد التخرج .لقد كان أهلنا يُعرفون الطبيب بأنه الحكيم، من الحكمة التى تجعله لا يتصرف ولا ينطق بنزقْ وطيش، ولا تدفعه عواطفه وانفعالاته للغضب، بل يزن تصرفاته وأفعاله، ولذا كان إسما على مسمي، حكيماً يُرجع إليه ويُستشار حتى فى أمور حياتية قد تكون بعيدة عن الصحة والمرض. وكان يحلو لبعض من أساتذتنا ـ وأذكر منهم الراحل الكريم هاشم فؤاد ـ أن ينادونا ونحن فى مرحلة البكالوريوس بهذا الاسم المحبب عميق الدلالة. إننى أدعو أبنائى وبناتى من شباب الأطباء الذين يخطون خطواتهم الأولى فى طريق شرفوا أن يكونوا من حملة أمانته، أن يترفقوا بمرضاهم، وأن يمنحوهم مزيدا من الوقت والاهتمام والصبر، وأن يدركوا حقيقة ثابتة، أنه لولاهم ماكانوا.وأناشد زملائى أساتذة وعمداء كليات الطب، زيادة جرعة المواد الإنسانية فى أثناء الدراسة للتخفيف من جفاف العلوم الطبية وتقليل حدة التنافس بين الطلبة وزيادة الترابط بينهم وبين أساتذتهم، وعودة نظام الأسر، وأهمس لنقيب الأطباء ليعمل مدونة سلوك وينشرها على الكافة، وللمسئولين فى كل قطاعات الصحة بمراعاة الظروف المادية والمعنوية التى يعمل فيها أبناؤنا، والاستماع إليهم،والحرص على توعيتهم باستمرار، حفظ الله بلدنا من كل سوء.
عمرو أبوثُريا
لواء طبيب متقاعد ــ القاهرة
رابط دائم: