رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«الأهرام» داخل أكبر محطة نووية فى روسيا
«لينينجراد» و«الضبعة».. وجهان للطاقة النووية صديقة البيئة

لينينجراد ــ روسيا ــ نادر طمان
> المحطة النووية وفى مدخلها النصب التذكارى لحجر يعود للعصر الجليدى

4 مستويات للأمان النووى تحمى مفاعلات الضبعة.. ووحدات الجيل الثالث بلس تعمل لمدة 60 عاما

على مدى 50 عاما لم تزد نسب الإشعاع على معدلات الأمان المسموح بها فى مدينة المفاعلات الروسية

 

شرعت مصر فى تنفيذ حلمها بامتلاك محطة نووية سلمية مع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكم، وبدأت الخطوات الفعلية لذلك فى عام 2015، حتى صدر إذن إنشاء أول مفاعل نووى على أرض مدينة الضبعة فى 30 يونيو الماضى، ومعه بدأت شركة «روساتوم» الروسية الحكومية فى بناء المحطة، وتصنيع قلب المفاعل فى مصانعها بروسيا، وسيتم نقلها بحرا إلى الضبعة بعد الانتهاء من صب القواعد الخرسانية للمفاعل خلال الفترة المقبلة.

محطة «أوبنينسك» الروسية، شهدت تدشين أول مفاعل نووى لإنتاج الكهرباء فى العالم فى خمسينيات القرن الماضى، بينما قامت «روساتوم» بتشغيل أول مفاعل فى العالم من الجيل «الثالث بلس» من طراز VVER-1200، عام 2017 وهو مماثل لمفاعلات الضبعة فى الوحدة السادسة بمحطة نوفوفورونيج النووية الكهربائية، التى تقع وسط روسيا، وعندما تم تدشين محطة الضبعة، لكى تكون أول محطة نووية فى مصر والشرق الأوسط تمتلك مفاعلات من الجيل الثالث المتطور، تم اعتماد عدد من المحطات الروسية، لتكون مرجعية للضبعة، وفى المقدمة تأتى محطة «لينينجراد» للطاقة النووية التى تعد أكبر محطة روسية من حيث القدرة الكهربائية نحو 4376 ميجاوات، بينما ستكون قدرات الضبعة نحو 4800 ميجاوات.

 

لينينجراد المحطة النووية الروسية يعمل فيها فى آن واحد، مفاعلات منتمية لفئات مختلفة، فمن بين الأربعة مفاعلات تتجهز الوحدتان الثالثة والرابعة بمفاعلات RBMK-1000 العالية الطاقة ذات قنوات، بينما تعمل الوحدتان الخامسة والسادسة بمفاعلات VVER-1200 الماء المضغوط من «الجيل الثالث بلس»، وتنتج المحطة سنويا قرابة 30 مليار كيلووات/ساعة، حيث تغطى أكثر من 55% من احتياجات مدينة سانت بطرسبرج ومنطقة لينينجراد من الطاقة. ومنذ تشغيل المحطة فى ديسمبر 1973 أنتجت أكثر من تريليون و131 مليار كيلووات/ساعة من الكهرباء حتى سبتمبر الحالى، وخلال عام 2023 ستحتفل «لينينجراد» باليوبيل الذهبى لإطلاقها.

حاليا تقوم روساتوم ببناء مفاعلين جديدين داخل لينينجراد من طراز VVER-1200، ومن المخطط أن يبدأ تشغيلهما بعد 8 سنوات ليحلا محل الوحدتين الثالثة والرابعة. إلى جانب الكهرباء تنتج المحطة 10 أنواع من النظائر المشعة المستخدمة للأغراض الطبية والصناعية، وتحديدا فى تشخيص وعلاج الأورام وأيضا إجراء الأبحاث العلمية فى مجالات الكيمياء الحيوية والهندسة الوراثية والطب.

الأهرام داخل مفاعلات لينينجراد

فى درجة حرارة تقترب من الخمس درجات تجولنا داخل المحطة ما يقرب من ساعتين، حيث تمت دعوة وسائل الإعلام من مصر وعدد من الدول التى تقوم روساتوم بتنفيذ مشروعات نووية بها لزيارة محطة لينينجراد النووية للتعرف عن قرب على تأثير المحطة على البيئة المحيطة بها وتنظيم مسابقة لصيد الأسماك فى ساحل المحطة النووية التى تقع على خليج فنلندا.

وفى اليوم الأول للزيارة ذهبنا للمحطة النووية، وعقب شروعنا فى دخول المحطة قام فريق التأمين بممارسة إجراءاته المعتادة فى المنشأة، حيث تعد إجراءات الدخول إلى محطة لينينجراد للطاقة النووية من أكثر المهمات الصحفية تعقيدا، وبدأت تلك الإجراءات منذ فترة ليست بالقصيرة قبل مغادرتنا القاهرة، من إصدار التصاريح اللازمة لدخول المحطة، وهى إجراءات لازمة لتأمين المحطات النووية، وفور الوصول للمحطة يتم العبور من بوابة التفتيش الأولى ثم التوقيع فى دفتر الزيارات بالمحطة، وتقديم جواز السفر للموظف المختص واخذ بصمة العين وإصبع الإبهام، وتقديم تصريح ورقى للزيارة، ثم العبور من بوابة التفتيش الثانية، وتتكرر تلك الإجراءات مع الخروج من المحطة النووية، ونوه الجانب الروسى أن تلك الإجراءات معتادة فى مثل تلك المنشآت النووية، وسيتم تطبيقها لدخول محطة الضبعة بعد إنشائها.


> أحد توربينات المحطة

وعقب الانتهاء من إجراءات التفتيش، تم التنبيه على جميع أفراد الوفد الإعلامى وفرق الصيد المشاركة فى مسابقة روساتوم الدولية لصيد الأسماك بعدم التصوير بالهاتف المحمول داخل المحطة ويسمح فقط بالتصوير بالكاميرات المصرح بها، وبعد ذلك بدأت جولتنا بالمحطة، ترافقنا فاليريا كازانتسيفا خبيرة قسم الهندسة النووية والمعلومات بالمحطة، وقامت بعرض شرح تفصيلى عن جميع منشآت المحطة بداية من صخرة تعود للعصر الجليدى وضعت كنصب تذكارى بالمحطة منذ عام 2007 بمناسبة تحديث مفاعلات لينينجراد وسجل عليه تدشين مفاعلات الجيل الثالث بلس فى عامى 2018و2021، وقالت فاليريا إن توليد الكهرباء من الطاقة النووية بشكل آمن دون إحداث أى أضرار للبيئة كان الهدف من إنشاء محطة لينينجراد منذ ما يقرب من 50 عاما.

وتشمل المحطة النووية مبنى الإدارة ومبانى المفاعلات وابراج التبريد الضخمة التى لا تتوقف عن العمل وإخراج انبعاثات بخار الماء ليل نهار، بالإضافة إلى مبانى الجزيرة النووية وتشمل جزيرة التربينات وغرفة التحكم التى تقع فى الدور السابع ومنها تدار جميع العمليات داخل المفاعل النووى حتى إنتاج الكهرباء وضخها فى شبكة الكهرباء الروسية.

وقبل تجولنا فى المحطة ودخول غرفة التحكم تحدث إلينا فلاديمير بيريجودا مدير محطة لينينجراد النووية، عن تاريخ إنشاء المحطة النووية على ساحل خليج فنلندا التى بدأ العمل بها عام 1973، وتضم حاليا مفاعلين من أحدث مفاعلات إنتاج الكهرباء فى العالم وهى مماثلة لما يجرى بناؤه فى الضبعة.

بيريجودا الذى يعمل فى محطة لينينجراد منذ 14 عاما، أكد أن السلامة النووية تأتى فى المقام الأول لجميع مواطنى المدينة المحيطة بالمحطة، وانه على مدى 50 عاما لم تزد نسب الإشعاع عن معدلات الأمان المسموح بها، بل نوه بأن نسب الإشعاع هنا فى مدينة سوسنوفى بور أقل من النسب الموجودة فى مدينة سان بطرسبرج، مضيفا ان لينينجراد والضبعة تمتلكان أربعة أنظمة للحماية والسلامة النووية، فأمن البيئة المحيطة له أولوية قصوى، حيث يجرى مراقبة نسبة الإشعاع لمسافة 30 كيلو مترا من مركز المحطة.


ووجه حديثه للوفد المصرى قائلا: روساتوم تقوم حاليا ببناء محطة الضبعة فى مصر وستكون مماثلة لمحطة لينينجراد ولدينا تعاون كبير مع الخبراء المصريين، وقمنا بإطلاق برنامج تدريب الخبراء المصريين فى روسيا على تكنولوجيات مفاعلات الجيل الثالث المتطور التى سيتم بناؤها فى محطة الضبعة.

وقال أندرى البرتى، رئيس قسم المعلومات فى محطة لينينجراد، إنه سيتم بدء تدريب 16 من الكوادر الهندسية المصرية داخل محطة لينينجراد، وذلك فى إطار برنامج شامل لتدريب الكوادر التى ستقوم بتشغيل محطة الضبعة فيما بعد، مضيفا أن أحدث الوحدات النووية من طراز VVER-1200 فى لينينجراد تمتلك 1500 عامل وفنى ومهندس لتشغيلها. وأشار إلى أن الضبعة ستكون الأحدث والأكبر عالميا من حيث سعة إنتاج الكهرباء، وأبدى تفاؤله بأن الضبعة النووية ستخلق مجتمعا جديدا حولها، واصفا الجيل الحالى من المحطات النووية بأنه صديق للبيئة ولا تنتج عنها انبعاثات ضارة مثل محطات الكهرباء التقليدية التى تنتج عنها انبعاثات غازية وكربونية هائلة.

غرفة الدور السابع

على ارتفاع 23 مترا تقع غرفة التحكم بالطابق السابع، وفيها يجرى إدارة جميع عمليات التحكم فى المفاعل وصولا لضخ الكهرباء بالشبكة المحلية، ويتم الوصول لتلك الغرفة عبر عدد من الأبواب الالكترونية التى يتم عبورها من خلال كروت الكترونية لدى أفراد الغرفة فقط، ولا يسمح لأى شخص بالاقتراب منها سوى أفراد مركز التحكم فقط، وأمامها استقبلنا سيرجى شوموف نائب رئيس مهندسى العمليات فى مفاعل لينينجراد 2، الذى تحدث باستفاضة عن العمل داخل غرفة التحكم، حيث التحق بالعمل منذ عام 2017 وشارك فى إطلاق مفاعلى الجيل الثالث بلس، وإطلاق مفاعل بيلاروس النووى، وذلك على خلفية عمله لسنوات طويلة فى محطتى روستوف و بالاكوفو فى روسيا منذ عام 1989، واستطرد قائلا: إن تشغيل مفاعلات الجيل الثالث بلس يبدأ بسلسلة طويلة من الاختبارات وصولا للتشغيل التجريبى ثم التشغيل الدائم.

وعن ضوابط الأمان النووى داخل المحطة قال: يجرى هنا كل شهر اختبار قنوات الأمان وفق إجراءات أمنية شديدة الدقة وإجراء اختبارات الأمان داخل التربينات بشكل كامل مع مسئولى وحدات المفاعل.

داخل غرفة التحكم الزجاجية العمل متواصل على مدار الـ 24 ساعة من خلال 3 فرق يعمل كل منها لمدة 8 ساعات، ويرأس كل فرقة رئيس للوردية ونائب له ولا يتم العمل داخل الغرفة إلا فى وجود أحدهما، إلى جانب مهندس التحكم فى المفاعل ومدير وردية تشغيل المفاعل والمهندس المسئول عن التوربين ومسئولى من الحالة الفنية للمفاعل والمؤشرات، أما الغرفة من الداخل فتحتوى كما هائلا من المفاتيح والمؤشرات الفنية للوحدة النووية بالكامل، وبحسب سيرجى شوموف، يتم رصد كفاءة المفاعل وحالته ومستويات التبريد بداخله ومراحل إنتاج الكهرباء لحظة بلحظة.

وحدة توليد الطاقة تعمل بشكل اوتوماتيكى، وتدور وظيفة العاملين حول مراقبة تلك العمليات داخل المفاعل والوحدة بالكامل ويقوم مدير فريق العمل بالتواصل طوال الوقت مع مراقبى نظام توليد الكهرباء والتواصل أيضا مع الفريق المسئول عن حالات الطوارئ. وهنا سألته عن الحالات الطارئة التى حدثت بالمفاعل؟ وقال إن وحدات الجيل الثالث بلس تعمل بشكل مبرمج مسبقا، وحتى فى حالات الطوارئ يقوم المفاعل وفق نظام الأمان المصمم وفقه بإيقاف الوحدة النووية، وبدأ عمل نظام الأمان بشكل تلقائى، نافيا حدوث توقف للمفاعل من وقت تشغيله.

واستطرد شوموف قائلا: عند إطلاق العمل فى الوحدة الرابعة هنا بدأنا إجراء عدة اختبارات تشمل اختبار قلب المفاعل واختبار أنظمة الأمان والتدريب على اختبار ارتفاع درجة الحرارة، ثم إدخال الوقود للمفاعل واختبار مستوى إنتاج الطاقة، وكل ذلك يتم وفق الحد الأدنى لتشغيل المفاعل حسب المواصفات الفنية للوحدة النووية، وبعد التأكد من سلامة التفاعلات النووية يتم إطلاق التيار الكهربى وإجراء الاختبار التالى بزيادة قدرة إنتاج الطاقة التى تبدأ بـ 35% من القدرة الإنتاجية للمفاعل وتلك الخطوة مهمة جدا لاختبار قدرة التوربين على العمل بكفاءة، ثم يجرى زيادة القدرة إلى 85% ثم زيادتها للقدرة القصوى للمفاعل.

وأضاف أن تلك الاختبارات تجرى وفق تصاريح تشغيل المفاعل، وبعد ذلك تأتى مرحلة التصريح الفنى لتشغيل المفاعل، وجميعها تصدر من هيئة الرقابة النووية، وشدد على أنه قبل الوصول إلى الطاقة القصوى للمفاعل يتم التأكد من عدم وجود أى ملاحظات فنية على دورة العمل بالكامل.

وبعد نحو 20 دقيقة استغرقها شوموف فى توضيح الدور المهم لغرفة الدور السابع، انتقلنا لغرفة التوربينات التى فيها يتم استقبال الطاقة الناتجة من المفاعل وتحويلها لطاقة كهربائية، وفور دخولنا لصالة التوربين تم إعطاؤنا أغطية للأذن للتقليل من حدة الضجيج الناتج عن التوربين ومن خلاله يتم استقبال الطاقة الناتجة من المفاعل وتحويلها لطاقة كهربائية ثم ضخها إلى شبكة نقل الكهرباء.

دورة تبريد المفاعل

وأمام أبراج التبريد الضخمة فى نهاية جولتنا بالمحطة النووية، شرح أليكسى ببينكو، نائب رئيس قسم الأنظمة الداعمة فى محطة لينينجراد، انه يتم أولا تنقية المياه من الأملاح والشوائب من خلال خمس مراحل للتنقية، قبل دخول المياه لتبريد المفاعل، ثم تدور فى دورات لا متناهية من التبريد حتى تتبخر المياه من فوهة أبراج التبريد الضخمة التى يبلغ ارتفاعها 160 مترا وقطرها 25 ألف متر مكعب، وفيها تدخل المياه عبر خليج فنلندا للمضخة التى توزعها على مجموعة من الأنابيب داخل أبراج التبريد لارتفاع 10 أمتار، ثم تسير داخل شبكات من المواسير، ثم تقوم برش المياه داخل الأبراج، ويجرى ضخ نحو 150 ألف متر مكعب فى الساعة الواحدة، وتلك العملية مستمرة ويجرى إعادة استخدام المياه بشكل مستمر ولا يتم إعادتها للبحر مرة أخرى، ويتم تعويض كميات المياه التى تتبخر بصفة دائمة، وأكد مسئولو المحطة النووية أن بخار الماء المتصاعد من برج التبريد آمن على البيئة بشكل كامل، ولا يتأثر بعملية التفاعل النووى داخل جسم المفاعل.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق