هيئته مميزة، رأسه الصغير يتسم بندرة الريش، ومنقاره مُدبب بنى اللون، هو النسر أو طائر «الرخمة» المصرى، الذى قدسه المصريون القدماء واعتبره كهنتهم مبعث القوة، حتى اتخذ رمزا خاصا لحماية الملك. قاوم هذا النوع النادر من الطيور الجارحة الكثير من عوامل التهديد على مدار تاريخه الطويل، ليواجه حاضرا تهديدا جادا بالانقراض، مع تراجع شديد فى أعداده بلغ نسبة 90%.
قبل النظر إلى واقعه الحاضر وسبل حمايته، تتوجب مراجعة أحوال المجد القديم لهذا النوع الاستثنائى من النسور. ولتكن البداية بصوره التى يتكرر حضورها على جدران المعابد والمقابر الفرعونية العريقة. كما كان أيقونة أساسية للإلهة «نخبت»، حامية الصعيد، وفقا للمعتقد المصرى القديم. ولاحقا، اتخذه القائد صلاح الدين الأيوبى رمزاً له فى بعض معاركه. وبات بعد ذلك أيقونة أساسية لأختام الدولة المصرية.
فى الأساس، ينقسم «النسر المصرى» إلى 23 نوعا مُنتشرة فى أنحاء العالم، 16 نوعا يُطلق عليه «نسور العالم القديم»، وهى التى تعيش فى أوروبا وآسيا وإفريقيا. وذلك بخلاف سبعة أنواع فى الأمريكتين. أما محليا، فينتشر «النسر المصرى» فى مناطق الفيوم، ووادى النطرون، والواحات، وبعض المناطق الرملية الصخرية حول نهر النيل، فضلا عن انتشاره فى منطقة «شلاتين» .
وكونه من فئة «نسور العالم القديم»، فإن «النسر المصرى» من الطيور المهاجرة لمسافات طويلة، إذا أن رحلة هجرته السنوية تضم ثلاث قارات. ومعه فى الفئة ذاتها «النسر الأسمر». أما النسور ذات رحلات الهجرة قصيرة المسافة، فمنها «النسر المُلتحى». ويبقى «النسر نخيل»، وموطنه إفريقيا، من الطيور التى لا تقوم برحلة هجرة سنويا.
وعن تصنيفه كطائر «حوام»، يشرح الدكتور أسامة الجبالى، مدير مشروع صون الطيور الحوامة بوزارة البيئة، أن هذا النوع يعتمد فى طيرانه على تيارات الحمل الساخنة، والتى تسرى تحديدا فوق اليابسة، حيث ترفع أشعة الشمس حرارة الأرض، وبذلك يرتفع الهواء لأعلى. وذلك يساعد «النسر المصرى» على التحليق حتى ارتفاعات عالية.
وعن هيئته، فيتضح، وفقا لشرح واتر البحرى، الباحث فى علم الطيور بـ «المجلس العالمى للطيور»، أن له أهمية كبيرة بالنسبة لفرص بقائه على قيد الحياة، وكذلك بالنسبة لدوره فى المنظومة البيئية. فخلو رأس النسر المصرى ورقبته من الريش يساعده فى تناول غذائه، الذى يعتمد فى الأساس على «الحيوانات النافقة». وخلو رقبته ورأسه من الريش، يمنع التصاق الأمراض والميكروبات بهذا الريش، مما يمنع أيضا إصابته بها.
ولهذا النظام الغذائى دور أساسى فى حماية البيئة. فـ «النسر»، وفقا لتعبير واتر البحرى، بمثابة «عامل النظافة» البيئى. فتناوله بقايا الكائنات النافقة، يقلل من فرص انتشار الأمراض فى محيطها البيئى وبين كائناتها الحية.
ويعيش «النسر المصرى» فى أعالى المُنحدرات الجبلية. وتتركز فترة تكاثره فى شهر «ديسمبر»، وتحتضن أنثى النسر المصرى بيضها حوالى 42 يوما، على أن تواصل لاحقا رعاية فرخها لفترة تقارب الشهر.
ولكن أعداد «النسر المصرى» تشهد تراجعا محليا وعالميا.فقد سجل 10 آلاف طائر فقط حول العالم من أصل 40 مليون قديما، وسجل فى جنوب مصر مؤخرا حوالى 60 طائرا ما يعنى تراجعه عن لعب دور «عامل النظافة البيئى»، فضلا عن التهديد بانقراضه.
ويعود الدكتور أسامة الجبالى هنا، إلى أن الوعى بالدور الذى قد يلعبه «النسر المصرى» سواء سياحيا أو بيئيا قد يساهم فى تسريع مساعى إنقاذه. وذلك قبل أن يلخص بعض عناصر التهديد، بالأخطار التى يتعرض لها أثناء رحلته للهجرة سنويا. وكذلك التهامه بقايا حيوانات قد سبق تعرضها للتسمم.
لكن كيف يمكن بلوغ هذا الوعى وتسريع إجراءات الحماية؟ يجيب أيمن القرباوى، الباحث البيئى بـ «محمية وادى الجمال»، أن «النسر المصرى» يحتاج إلى تشريعا يُحرم صيده، وكذلك حفاظ بيئته المحلية من خلال برامج إعادة الإكثار. ووضع النسور فى بيئات مُناسبة لتهيئة تكاثرها، ثم إطلاقها فى المحميات الطبيعية لتوفير الحماية الفعلية لها. وذلك كله حتى لا يصبح «النسر المصرى» رمزا لا وجود فعليا له على أرض الواقع.
رابط دائم: