رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

خيارات أوروبية صعبة أمام التهديد النووى الروسى

منال لطفى
مجموعة من الجنود الروس فى أوكرانيا

هل يلعب الغرب بالنار مختبرا جدية الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى اللجوء للردع النووى فى حالة تطويق قواته فى شرق وجنوب أوكرانيا بهدف هزيمته عسكريا؟

يبدو أن هناك قوى دولية مستعدة لاختبار جدية تهديدات بوتين الذى قال إنه «لا يمزح» فيما يتعلق باللجوء للردع النووى فى ساحة الحرب الروسية ـ الأوكرانية بعد الانتكاسات الأخيرة للقوات الروسية.

فوزارة الدفاع البريطانية تعتقد أن روسيا تلوح بالخيار النووى دليلا على اليأس وانعدام الخيارات الأخرى، لكن لندن تشكك فى الوقت نفسه فى إقدام بوتين على هذه الخطوة بسبب المخاطر اللانهائية التى تترتب على اللجوء للخيار النووى، مهما كان محدودا أو تكتيكيا. وبالتالى، وبرغم تحذيرات بوتين، تعتزم لندن مواصلة دعمها العسكرى والاستخباراتى لضمان انتصار أوكرانيا على روسيا. هذا النهج ستمضى عليه واشنطن أيضا التى عززت دعمها العسكرى والمالى لأوكرانيا.

لكن ليس كل المسئولين فى الغرب راغبين فى اختبار جدية تهديدات بوتين. فمسئول السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، جوزيب بوريل، قال إن على الاتحاد الأوروبى أن يأخذ تهديدات الرئيس الروسى على محمل الجد.

وأوضح بوريل «إنها لحظة خطيرة لأن الجيش الروسى حوصر فى الزاوية، ورد فعل بوتين، التهديد باستخدام الأسلحة النووية، أمر خطير للغاية... عندما يقولون إنهم لا يمزحون، عليك أن تأخذهم على محمل الجد».

وأمام تلك اللحظة المفصلية، وبينما يزود الغرب أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة المتطورة ويجلب بوتين قوات الاحتياط ويلوح بالتصعيد النووى، ترى بعض العواصم فى أوروبا، برلين وباريس على وجه الخصوص، أن الأجواء ممهدة لمحاولة إحياء الجهد الدبلوماسى.

لكن بدء مفاوضات للتوصل لحل سلمى قد يكون بصعوبة استمرار الحرب نفسها.

فمسئول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيف بوريل قال على هامش اجتماعات الأمم المتحدة فى نيويورك الأسبوع الماضى إنه يجب التوصل إلى «حل دبلوماسى يحافظ على سيادة ووحدة أراضى أوكرانيا...خلاف ذلك، يمكننا إنهاء الحرب الان، لكننا لن نحصل على السلام، وستكون لدينا حرب أخرى».

لكن تنازل موسكو عن الأراضى التى سيطرت عليها منذ فبراير الماضى لا يبدو خيارا محتملا. على النقيض من ذلك، أعطى بوتين الضوء الأخضر لتوسيع نطاق الحرب للحفاظ على مكاسب موسكو على الأرض، وهو ما يقتل أى مســاع دبلوماسية فى مهدها.

وبعد سبعة أشهر من بدء «العملية العسكرية الخاصة» فى أوكرانيا، استخدمت روسيا كلمة «حرب» خلال الأيام الماضية أكثر مما استخدمتها منذ بدء عملياتها العسكرية فى فبراير الماضى. وعندما خاطب بوتين الروس الأسبوع الماضى معلنا عن «تعبئة جزئية» لـ300 ألف جندى احتياطى، صاغ المعركة بعبارات ومنطق «التهديد الوجودى» لروسيا، قائلا إن روسيا تدافع عن نفسها ضد الغرب الذى أراد «إضعافها وتقسيمها وتدميرها»، وإنه مستعد لاستخدام الأسلحة النووية ردا على ذلك.

وجاء تغيير الخطاب الروسى بعد هجوم عسكرى مضاد قالت أوكرانيا إنها استرجعت من خلاله أكثر من 8000 كيلومتر مربع من القوات الروسية التى تم إجبارها على التراجع فى منطقة خاركيف، بينما تقدمت القوات الأوكرانية فى لوهانسك وتضغط على القوات الروسية وخطوط الإمداد فى خيرسون.

ومن الأثار الفورية لتغيير الخطاب الروسى عن الحرب، إعادة رسم الحدود عمليا لوضع الغرب أمام خيارات مستحيلة، وذلك بعد موافقة موسكو على إجراء «استفتاءات شعبية» فى مناطق دونيتسك، ولوهانسك، وزابوريزهزهيا، وخيرسون للانضمام للفيدرالية الروسية. وفى حالة ضمها رسميا، ستصبح تلك المناطق «جزءا من التراب الروسى»، ما يحول العملية العسكرية فى تلك المناطق فى أوكرانيا من «عملية عسكرية خاصة» إلى «حرب دفاع» تفتح الإمكانية أمام التعبئة الكاملة وليس الجزئية، والتلويح بالردع النووى إذا حاولت القوات الأوكرانية استعادة تلك المناطق فى شرق وجنوب أوكرانيا بمساعدة الغرب.

ويهدف الضم الرسمى لتلك المناطق إلى إجبار أوكرانيا وحلفائها الغربيين على قبول مكاسب روسيا فى الصراع. فهذه المناطق ستصبح «خط أحمر» لا يجب على القوات الأوكرانية تجاوزه على اعتبار أنها باتت «أرضا روسية».

تحركات بوتين الأخيرة لم يقدها فقط التحولات فى ساحة القتال، بل أيضا الضغوط الداخلية من قادة اليمين القومى الروسى. فخلال الأسابيع الماضية انتقدت الكثير من أصوات اليمين القومى الروسى الكرملين صراحة لعدم ذهابه بعيدا بما فيه الكفاية فى هجومه على أوكرانيا. ودعت تلك الأصوات بوتين إلى إعلان حرب شاملة، وحشد السكان والاقتصاد على نطاق أوسع، والتلويح بالردع النووى ووضع الغرب أمام خيارات صعبة.

فمثلا غردت مارجريتا سيمونيان رئيسة تحرير قناة «روسيا اليوم» على تويتر قائلة إنه «بالحكم على ما يحدث وما هو على وشك الحدوث، فنحن إما على عتبة انتصار وشيك أو عتبة حرب نووية. لا يمكننى رؤية أى خيار ثالث».

فيما قال كونستانتين مالوفييف، رجل الأعمال الروسى القومى: «يجب أن يصلى العالم كله من أجل انتصار روسيا، لأن هناك طريقتين فقط يمكن أن ينتهى بهما الأمر: إما أن تفوز روسيا، أو نهاية العالم بحرب نووية».

هذه التحولات لا شك ستدفع الغرب لإعادة حساباته. فالدول الأوروبية وأمريكا كانت تتصور أن أسوأ السيناريوهات بالنسبة لها هو «تجميد الصراع» أى أن تمنع القوات الأوكرانية روسيا من تحقيق انتصار عسكرى حاسم، وتواصل القوات الأوكرانية التصدى للعملية العسكرية الروسية لسنوات فى حرب استنزاف طويلة، يكون ثمنها بالنسبة لأوروبا هو معاناة اقتصادية كبيرة بسبب ارتفاع أسعار الغاز والنفط والمواد الغذائية، وتضخم وركود اقتصادى. وبرغم أن هذا السيناريو مكلف ومؤلم لأوروبا بكل المعايير، إلا أنه ليس كارثيا بقدر استخدام السلاح النووى على الأراضى الأوروبية.

وحالياً تتوقع أوروبا أن تواصل روسيا تعزيز قواتها على الأرض فى أوكرانيا بعد استدعاء قوات الاحتياطى، إلى جانب مواصلة الضربات العسكرية على البنية التحتية الأوكرانية، خاصة شبكات الطاقة ومحطات التدفئة المركزية والمنشآت الكهرومائية مع اقتراب فصل الشتاء، كما تتوقع المزيد من الانقطاعات لتدفقات النفط والغاز الروسى، بالإضافة إلى التأخير فى تصدير الحبوب الأوكرانية للعالم.

وبرغم تكلفة هذه الخطوات، يمكن للدول الأوروبية أن تنفق المزيد من الأموال على أزمة الغذاء والوقود للتخفيف من حدتها خلال الشتاء، لكن ما الذى يمكن فعله فى حالة ضربة نووية وإشعاع نووى فى جميع أنحاء أوروبا؟

هذا هو السؤال الصعب الذى تواجهه أوروبا اليوم.

ووسط المخاوف من إشعاع نووى عن عمد أو نتيجة سوء تقدير، تدعو كل من «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» والأمم المتحدة إلى إنشاء منطقة منزوعة السلاح حول مفاعل «زابوريزهزهيا» النووى ومحطات الطاقة النووية الأخرى، وسط قلق من حادثة نووية أكثر خطورة حتى من مفاعل تشيرنوبيل.

ومع تراكم المخاطر لمستويات غير مسبوقة، هناك أصوات تدعو لتعزيز الدعم العسكرى لأوكرانيا لإرسال رسالة حاسمة لموسكو أن الغرب لا يخاف تهديداتها ويتصدر ذلك المعسكر رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس، لكن هذا لا يجد دعما واضحا فى كل أوروبا وسط مخاوف من تضاؤل فرص «الخروج الآمن» من الصراع.

واعترف كبير الدبلوماسيين الأوروبيين جوزيف بوريل بصراحة انه خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وفى كل اللقاءات التى اجراها كان يسمع تساؤلات جماعية عن «موعد انتهاء هذه الحرب»، و«أوقفوا هذه الحرب»، و«لا نستطيع تحمل فاتورة الحرب». وتابع: «الناس فى بلدى، اسبانيا، يقولون لى إن سعر الغاز يعنى أننا لا نستطيع مواصلة العمل، ولا يمكننا الاستمرار فى إدارة أعمالنا»، مضيفا أنه سمع مخاوف مماثلة من قادة من إفريقيا وأمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا.

ومع أن حلفاء موسكو، وعلى رأسهم الصين والهند، لم يدينوا العملية العسكرية فى أوكرانيا إلا ان تكلفة الحرب اقتصاديا وسياسيا بالنسبة لهم كبيرة وأدت إلى تباطؤ مخيف فى الاقتصاد العالمى وتضخم وارتفاع أسعار. واعترف الرئيس الروسى فى قمة عُقدت الأسبوع الماضى فى أوزبكستان بأن لدى نظيره الصينى شى جين بينج «أسئلة ومخاوف» بشأن الحرب. وقال ناريندرا مودى رئيس الوزراء الهندى لبوتين فى نفس القمة إن «عصر اليوم ليس عصر حرب».

لكن هذه المخاوف، حتى من الحلفاء، لن تدفع روسيا لتغيير مسار الحرب. وبوريل نفسه أكد هذا عندما قال «كل من ذهب إلى موسكو والكرملين للتحدث مع بوتين، عاد بالإجابة نفسها: لدى بوتين أهداف عسكرية، وإذا لم يحصل على هذه الأهداف العسكرية فسوف يتواصل القتال».

ووسط هذا، يسير الغرب وروسيا على قضيبى قطار متوازيين لا يلتقيان.

فمخاوف روسيا من الهزيمة العسكرية والتى تجسدت مع طرد قواتها من مناطق كانت سيطرت عليها فى الأشهر الماضية جعل موسكو تفكر جديا فى ان سيناريو الهزيمة وارد وأنه لابد من تغيير جذرى فى الاستراتيجية وهو ما حدث الأسبوع الماضى مع قرار إرسال المزيد من القوات، والضم الرسمى المتوقع للأقاليم الأربعة فى جنوب وشرق أوكرانيا.

وكما أن «شبح الهزيمة» دفع الكرملين لتغيير استراتيجيته، فإن «شبح الحرب النووية» قد يدفع الغرب لتغيير استراتيجيته. لكن خيارات الغرب صعبة.

فما يضعه بوتين على الطاولة هو: السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي؛ وإلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر باقتصاد أوكرانيا، وتنظيم استفتاءات حول ضم أهم أقاليم الجنوب والشرق، وبالتالى وضع أوروبا أمام أمر واقع جديد.

ويأمل الكرملين فى أن يؤدى هذا، إضافة إلى التهديد النووى، لدفع قادة الغرب لكبح دعمهم العسكرى لأوكرانيا وبدء مفاوضات سلام مع موسكو لوقف الحرب. لكن المعضلة ان بعض الدول، وعلى رأسها بريطانيا وأمريكا، استثمروا فى دعم أوكرانيا عسكريا وسياسيا لدرجة تجعل من الصعب التراجع الآن مهما كانت التكلفة.

إنها معركة وقت، ومعركة موارد

وستكون عين موسكو موجهة نحو آثار الأزمة الاقتصادية على الغرب، والشتاء الصعب الذى تنتظره أوروبا، خاصة مع تحذير المصانع والشركات أنها قد تضطر للإغلاق الجزئى بسبب أسعار الطاقة وتقنين الاستهلاك. كما ستكون عين موسكو موجهة نحو انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى فى نوفمبر المقبل، والرسائل التى يمكن استنتاجها من النتائج، واحتمالات تراجع الدعم الأمريكى لأوكرانيا فى حالة تغيير ساكن البيت الأبيض فى 2024.

منذ بدأت الحرب، لطالما حذرت برلين وباريس من أن روسيا ستكون فى أخطر حالاتها وهى معزولة وعلى وشك الهزيمة، وهذا ما حدث بالضبط. أيضا منذ بدأت الحرب لطالما حذر الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون من «إذلال روسيا» و»سلام مهين»، مذكرا بتجربة أوروبا مع ألمانيا بعد هزيمتها فى الحرب العالمية الأولى إذ فرضت عليها شروط مذلة فى «اتفاقية فرساى» أدت إلى صعود اليمين القومى الألمانى ما قاد للحرب العالمية الثانية.

وبالتالى مع دخول الحرب مرحلة خطيرة سيكون أمام أوروبا خيارات حرب صعبة...لكن أيضا خيارات سلام أصعب

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق