يُحكى أن بحيرة شاسعة كانت تتوسط بلدة صيفها حار محتمل وشتاؤها برودته معقولة. سكان البلدة يأتون لبحيرتهم فى اعتياد فاتر. يصطادون أسماكها ولا يشعرون بفضلها. يمرون بجوارها غير عابئين بجمالها. وفى بداية كل شتاء يأتى سرب هائل من البط المهاجر، وقبل أن يصل السرب، سكان البلدة يسمعون صياحها الحاد المتلهف للوصول، فلا يسعدهم صياح البط الفرح. السرب آتى من بلدة بعيدة قاطعين مسافة طويلة، يتخطون بيوت البلدة ويهبطون فى سلام متلهفين على مياه البحيرة، فقد تقطعت أنفاسها والتعب احتل جسدها وأذاب شحومها. يهبط السرب على مياه البحيرة وهو يتصايح سعيدا متشوقا للراحة على المياه، ومتعجلا بالتقاط الأسماك ليهدئ من جوعه، ويعيد تكوين شحومه. سيبقى شهرا فقط ليطير مرة أخرى لمسافة بعيدة، فيصل لبلدة أخرى تسعد بوصوله.
الأمور كانت عادية فى البلدة الفاترة تجاه البحيرة، حتى أتى صيف حرارته مشتعلة تلاه شتاء برودته زادت عن كل عام. سرب البط الهائل أتى والسحب فى السماء أثقل وأشد دكنة. هبطوا على مياه البحيرة فوجدوا المياه تكاد تتجمد، لكن كان على سرب البط مضطرين للبقاء قليلا ليستريحوا من الإجهاد، وليتناولوا كميات من الأسماك تذهب جوعهم وتعوضهم عن فقد وزنهم، فتعود كل بطة للياقتها المطلوبة، قبل أن ترحل طائرة لمكان آخر.
سكان البلدة محبوسين فى بيوتهم فالأمطار أيضا بدأت تهبط ثلجية. لم يعد سرب البط يتحمل كل هذا البرد فقرروا الرحيل المبكر، لكن كيف ومياه البحيرة تثلجت وأمسكت بأرجلها الغائصة فى المياه؟، كلما حاولت بطة الطيران منفردة، تفشل فالثلج قابض على ساقيها بشدة. فتفاهموا معا وصاحوا صيحة واحدة وهم يرفرفون بأجنحتهم القوية سويا وطاروا. فأخذوا البحيرة معهم رغم ثقلها!.
سرب البط هائل العدد يطير والبحيرة الثلجية تتأرجح بأقدامها. أهالى البلدة من نوافذهم شاهدوا بحيرتهم تصعد عاليا. تبينوا بحيرتهم من قاعها وشاهدوا الأسماك فى باطنها شبه مجمدة، لكنهم لم يشاهدوا أعلاها حيث سرب البط يطير آخذا معه بحيرتهم التليدة! ذهلوا ثم حزنوا فقد أحسوا وفهموا كم كانت بحيرتهم جميلة!.
السرب طار لمسافة شاسعة وأقدامها ممسكة بالبحيرة المجمدة الطائرة، وفى بلد شمسها دافئة مثل سكانها، هبط السرب ووضع البحيرة فى مكان يتوسط الجبال. ذاب ثلج البحيرة وعاد لليونته الطيبة، فتحركت الأسماك سابحة فرحة بالدفء. تناول سرب البط طعامه حتى شبع. بعدها طار البط حرا وبقيت البحيرة فى مكانها الجديد لتزينه بمياهها وتثرى البلدة القريبة بأسماكها.
من وقتها سرب البط لم يعد يذهب لمكان البحيرة القديم، بل يأتى للمكان الجديد وهو يصيح سعيدا فيهبط على المياه ليستريح ويتناول أسماكها المشبعة. يفرح سكان البلدة الجديدة بسرب البط كما فرح بالبحيرة التى أتتهم، يذهبون إلى مياهها يصطادون أسماكها، وعلى سطحها الهادئ يسبحون ويتنزهون بالقوارب.
................................
> قصة وحى فيلم طماطم خضراء مقلية
«Fried Green Tomatos».
رابط دائم: