تزخر معظم اراضى مصر بالقصص المدهشة لمناطق شهدت تاريخا وذكريات لاتنسى و يبقى فيها عبق التاريخ، وهنا فى الصحراء الشرقية تحديدا بجنوب البحر الاحمرتبهرك قصص الاماكن عندما تتجول بمواقع مناجم الفوسفات التى دارت طواحينها لسنوات طويلة وبقيت تغرد بحدوتة إنسانية تعكس وتؤرخ لتحمل المصريين معاناة الطبيعة وكيف كتبوا بعرقهم قصص نجاحهم بين عقارب وحيات الجبال ..فهناك بين سفاجا والقصير كانت عاصمة التعدين التي ضمت ١٣ منجما منها المنجم ٢٢ الشهير بمنجم القصير.. فما هى قصة هذه الاماكن وكيف يستفاد منها الآن؟ .. وماذا عن نظرة المسئولين لها والعمل على تطويرها هذه الايام ؟
يحكي الباحث طه حسين الجوهري ابن مدينة القصير، وهو من عاش طفولته بين دهاليز هذا المنجم فيقول : كانت الحياة في هذا المنجم وغيره من المناجم الأخرى أشبه بحياة في مدينة فاضلة لا سرقة لا غش ولا وجود لشرطي واحد يفصل في المشكلات رغم تعدد الأعراق واختلاف العادات، فقد انصهر الجميع في بوتقة ذلك المنجم كغيره من بقية المناجم التي كانت تضم حولها آلاف الأسر واصبحوا اسرة واحدة ارواحهم متشابهة في كل شيء في الملبس والمأكل والمشرب كل الرجال بمثابة الآباء لكل الاطفال وكل النساء هن أمهات الجميع يقف الكل مع بعضهم البعض في صراعهم المرير مع الحيات والعقارب والحشرات وحرارة الجو وصعوبة الحياة، كان لكل فرد صفيحة من المياه او أقل يدبر بها حياته.. والكهرباء كانت متقطعة و الحياة كان في ظاهرها البؤس لكن في باطنها الرحمة، رحمة الانسان بأخيه الانسان فالمسلم يواسي اخاه المسيحي في حزنه و فرحه، مضيفا كان هذا المنجم وما يحيط به من تجمعات عمرانية يقع في شمال مدينة القصير ..وفي بداية الوادي الضيق تأسرك بعض المناظر الخلابة فعلي يدك اليسرى تقابلك إحدى عيون المياه الجميلة والتي تحيط بها جبال ذات ألوان بديعة و تسكن اعالي هذه الجبال طيور كثيرة تبني أعشاشها هناك لتكون قريبة من عين الماء وفي غالب الأمر هي نوع من الصقور النادرة، مطالبا بضرورة الحفاظ على أطلال هذه المناجم واستخدامها كمنتج سياحي جديد يستغل في خدمة نوعية مايسمى بسياحة (قصة مكان)، حيث يذهب السائحون الى مكان له تاريخ، ويتولى المرشد السياحي أو أحد أشخاص من عاش وعمل بهذه المواقع شرح قصة هذا المكان .
ويقول محمد عبده عضو مجلس محلي المحافظة سابقا عن مدينة القصير: إن منطقة مناجم الفوسفات - التي تقع شمال وجنوب المدينة بما فيها المنجم ٢٢والذي كان يطلق عليه منجم القصير القديم الذي افتتحه الملك فؤاد الأول عام ١٩٣٦م ـ تحولت الى أطلال الآن رغم انها تمثل حقبة في غاية الأهمية من تاريخ القصير، حيث كانت تنبض بالحياة على مدى أكثر من ٧٠ عاما بعد أن نزح المصريون، وتأسست شركة مصرية ايطالية هناك .. ونطالب الجهات المختصة بالبحث عن آليات لاستغلالها كمزارات سياحية خاصة أن هذه المناجم قريبة جدا من أقدم طريق أثري مصري مليء بالمواقع الأثرية التي تؤهله لأن يتحول لمزارات للسائحين ومعه هذه المناجم التي تمثل منتجا لرواد السياحة الجيولوجية لأن هذه المواقع بالذات تحكي تاريخ التعدين الحقيقي في مصر ومنطقة الفواخير القريبة منها والتي تقع على جانب هذا الطريق وهي أول منطقة تعدينية على مستوى العالم فقد شهدت صناعة الذهب على يد الفراعنة ودونت بها أول خريطة تعدينية، كما أن الوصول لأطلال هذه المناجم ليس صعبا فهناك مدقات جبلية تصلها بمقاصد السياحة الشاطئية الموجودة بالمدينة وتصلها بالطريق المشار اليه بمنطقة الفواخير .
ويؤيده في هذا المطلب الدكتور الجيولوجي أبو الحجاج نصير الباحث بجامعة جنوب الوادى ويقترح تحويل أطلال هذه المنجم وغيره من المناجم الأخرى التي تحويها بطون الصحراء الشرقية الى متحف مفتوح لعشاق سياحة الجيولوجيا وتسويقها كمنتج سياحي تحكي من خلاله للزائرين قصة بداية اكتشاف خامات الفوسفات وتوافد الإيطاليين والإنجليز إلى جانب المصريين لهذه المواقع وإنشاء أكبر شركتين لاستخراج خامات الفوسفات وإنشاء «الكامبات» لكبار المهندسين وخبراء الجيولوجيا حتى أصبحت تلك المناطق عاصمة لصناعة التعدين في مصر والشرق الأوسط، كما تحكي لهم قصة أول قطار وأول سكة حديد لنقل تلك الخامات وحكاية آلاف الأسر التي وفدت من جنوب الصعيد واحتضنتها الجبال على مدى عشرات السنين كظهير اجتماعي لقلعة المناجم، على أن يضم المتحف عينات من التكوينات الجيولوجية البديعة لجبال البحر الأحمر وقصة تكوين سلاسلها الفريدة التي تعود في تكويناتها لملايين السنين مع ضرورة إضاءة مغارات و أنفاق المناجم وإقامة خدمات ومحطات سفاري حولها ليتسنى للسائحين زيارتها والاستمتاع بطبيعتها الخلابة بما يضيف رصيدا سياحيا جديدا يعمل على زيادة عدد الليالي الفندقية بالمنطقة .
أما اللواء عمرو حنفي محافظ البحر الأحمر فقد أكد اهتمامه بضرورة الاستفادة من هذه المناطق والعمل على تطويرها وهو ما تقوم به الحكومة فعليا، مشيرا الى التنسيق المستمر بين المحافظة ووزارة السياحة وقطاع المنشآت الفندقية من أجل تنويع المنتج السياحي والعمل على تطوير آليات سياحة السفاري الجبلية وخلق أماكن جديدة ذات طبيعة جيولوجية بالمنطقة الصحراوية والاستفادة من المواقع الأثرية الموجودة بمدينة القصير على وجه الخصوص من أجل العمل على تلبية احتياجات وأذواق مختلف السائحين لزيادة حركة التدفق السياحي للمنطقة وتم تشكيل لجنة من قبل قامت بحصر كافة المواقع الأثرية برأس غارب والقصير من أجل الترويج لزيارتها .
رابط دائم: