رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

خواطر مراسل..
الصورة النمطية لـ «الألمان»

برلين ــ مها صلاح الدين

صور ذهنية ونمطية كثيرة نستدعيها بمجرد الإشارة لبلد ما أو لشعب بعينه.. بعضها ربما صحيح أو خاطئ، لكن فى كل الأحوال تحرص الشعوب دوما وباستماتة على تصحيح ما يتم ترويجه أو نسبه إليها ويكون خاطئا.. ولكن ماذا عندما يتحدث الألمان عن أنفسهم ؟  

 

من تجربتى فى ألمانيا، التى تنقلت خلالها ما بين جنوبها ووسطها، لاحظت بالفعل صحة تلك الصفات الكلاسيكية التى ترتبط بالشعب الألمانى، فهو شعب منظم دقيق، وتكتسب لديه المواعيد أهمية قصوى. فكل الأشياء، حتى أبسطها وأصغرها، تحتاج لموعد مسبق يجب الالتزام به بالدقيقة والثانية.  ودائما ما تستمع أينما ذهبت فى ألمانيا لدى التنبيه بأهمية الالتزام بالموعد، سواء لدى طبيب أو بالمدرسة أو غيرها.. «مرحبا بك فى ألمانيا».  على العكس تعانى خطوط السكك الحديدية الألمانية «دويتشه بان»، التى تغطى تقريبا كل مدينة وقرية فى ألمانيا على اتساع مساحتها جنوبا وشمالا وشرقا وغربا من ارتباك واضح فى الوفاء بمواعيد الوصول والانطلاق، ليصل التأخير فى بعض الأحيان إلى ساعة كاملة، وهو ما يثير باستمرار غضب الألمان وانتقاداتهم، متهكمين» السكك الحديدية الألمانية.. ليست ألمانية».  وخلافا لحرص الألمان وتباهيهم بمدى دقتهم واحترامهم للوقت، فهم لا يجيدون الحديث عن أنفسهم دوما فيما يتعلق بالشق الإنسانى، أو علاقاتهم الاجتماعية مع الآخرين.   وعندما كنت فى المراحل الأولى لتعلم الألمانية، حيث كان يحرص معلمى، بأحد مراكز تعلم الألمانية بالقاهرة، باستمرار على إذاعة بعض التقارير من التليفزيون الألمانى، لتطوير مهارتنا على الاستماع والفهم وفى إحدى المرات، حمل تقرير تليفزيونى عنوان «كيف يرى الألمان أنفسهم؟»، وخلاله تراوحت الإجابات ما بين التنظيم بدرجة مبالغ بها، تصل فى بعض الأحيان إلى حد التطرف، والدقة وتقديس المواعيد، ولكن عندما طلب المحاور من ضيوفه توجيه رسالة للألمان أنفسهم، فاتفق جميعهم على عبارة «كونوا ودودين، وتعاملوا مع الآخر بنفس الطريقة التى تحبون أن يتعامل بها معكم».  تعجبت حينها من إجماع الجميع على ذات الإجابة، وسألت نفسى لو أن بالفعل الألمان يدركون وجود مشاكل حقيقية لديهم فى التواصل مع الآخر ويستاءون من ذلك، فلما لا يغيرون من أنفسهم ببساطة؟!  مع مرور الوقت وسفرى لألمانيا للإقامة بها، وفى مطار فرانكفورت حيث كنت أحمل كثيرا من الحقائب وأستعد لركوب القطار الذى يحملنى إلى مدينتى التى أقيم بها. فوجئت بعد الركوب بقدوم المفتش، متسائلا لمن كل هذه الحقائب، إنها تعوق الحركة.. هنا تقع غرامة على صاحبها تصل لـ 60 يورو للحقيبة الواحدة.   وقبل الإجابة أو الدفاع عن نفسي، بادرت سيدة ألمانية مسنة من الجالسات فى القطار بالقيام، لترد هى بالنيابة عنى وتدافع عن موقفى، دون أى معرفة سابقة. وبالرغم من ملامحى الأجنبية، التى تؤكد اننى لست ألمانية، أو أوروبية حتى، دخلت فى نقاش مطول مع المفتش لتنجح بالنهاية فى إقناعه بسلامة موقفى، وتسقط عنى الغرامة.  

كان هذا تعاملى الأول مع الألمان داخل ألمانيا، وكان كفيلا بأن يعطينى انطباعا جيدا عن البلاد وأهلها. وتلا ذلك عدة مواقف سواء فى الشارع أو مع مدرسة ابنى أو غيرها من السياقات الاجتماعية، التى يمكن أن يوجهها الفرد خلال يومه، ليترسخ بداخلى انطباع أكثر إيجابية عن ألمانيا وأهلها. فالجميع يبتسم لك، رغم اختلافك الواضح، ويقول لك «أهلا، مرحبا بك». وعندما يشعرون بأنك تواجه صعوبات ما فى التعامل سواء فى الشارع أو مع المواصلات، يبادرون على الفور بتقديم المساعدة، وسؤالك عما تبحث؟.   تذكرت حينها التقرير التليفزيونى وتعجبت، لماذا يتحدث الألمان إذا عن أنفسهم بهذا الشكل السلبى؟، إنهم حقا شعب ودود، حتى وإن وجدت مواقف سلبية، فإنها تنم عن حالات فردية لا تعبر عن واقع عام لشعب بكامله.   ظل السؤال يراودنى، وجاءتنى إجابة من خلال معلم ألمانى متقدم فى السن فى معهد جوته بمدينة بون، حيث قال: «الألمان عندما يتحدثون عن مشاعر تعتريهم، أو تقلقهم، فإنهم يقولون بطنى تحدثنى، وليس قلبى كما فى الثقافات الأخرى». فرددت عليه كالعادة ممازحة «كل الثقافات خاطئة.. والألمان وحدهم على صواب»، فكان جوابه الذى جاء جادا للغاية: «بل على العكس.. الألمان فقط لا يملكون قلبا، وعلى هذا لا يعرفون أن يقولوا قلبى يشعر بهذا أو ذاك». تعجبت حينها من الإجابة التى تعطى على الفور انطباعا سيئا للغاية عن الشعب الألماني، لكنى تذكرت أيضا الكيفية التى يتحدث بها الألمان دوما عن أنفسهم أمام الآخرين.   الموقف تكرر مجددا فى قاعة دراسة أخرى مع معلم آخر يسمى دنيس وهو ألمانى أيضا، لكنه أصغر سنا، فى الثلاثينيات من عمره. وكان الحديث تلك المرة عن الهجرة والمهاجرين، ولأن كل الحاضرين فى القاعة من بلدان مختلفة، بدأ كل منهم يحكى تجربة بلاده مع الهجرة والتعامل مع الأجانب. وفى النهاية وجهنا السؤال لدينس نفسه «هل يحب الألمان الأجانب؟». فكانت الإجابة الواضحة المباشرة «لا.. بالطبع الألمان يكرهون الأجانب»، ثم تابع «معروف للعالم أن الألمان نازيون يكرهون الأجانب»!.    موقف آخر جمعنى بدنيس، سألته خلاله إن كان مصرا على رأيه ؟!.. فضحك عاليا، وقال: «للأسف، لا يحظى الألمان بسمعة طيبة بين شعوب العالم.. فسمعة السيارات الألمانية تفوق سمعة مصنعيها.. الجميع يعشق السيارات الألمانية.. أما الألمان أنفسهم.. «ثم سكت، وظل واجما»!!.  

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق