تستعد مدينة نيويورك الأمريكية لانطلاق اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسط أجواء متشابكة ومعقدة، نظرا لتعدد القضايا والموضوعات التى تشغل المجتمع الدولى، وبخاصة التحديات القائمة، من حرب أوكرانيا، وأزمات الاقتصاد والغذاء والطاقة، وتهديدات المناخ، والصراعات التقليدية.
وفى حوار خاص لـ»الأهرام»، شدد السفير أسامة عبد الخالق مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة على دعم الأمم المتحدة كمنظمة جامعة للأسرة الدولية والتمسك بمبادئ ميثاقها لتجاوز المرحلة الراهنة بالغة التعقيد على الساحة الدولية.
وقال السفير عبد الخالق إن مصر تأمل فى أن تسهم الدورة الجديدة رقم (77) للجمعية العامة فى مواجهة التحديات الدولية الراهنة.
فى رأيك ما هو الاختلاف فى اجتماعات الجمعية العامة لدورتها ٧٧ عن نظيراتها السابقة من حيث أولويات الدورة؟
يأتى انعقاد هذه الدورة فى وقت بالغ الأهمية بالنسبة للمجتمع الدولى، فقد شهد العام الجارى تزايدا فى التحديات الاقتصادية والاجتماعية التى تواجه مختلف الدول وهو ما تزامن مع الآثار السلبية التى خلفتها جائحة فيروس كورونا.
لعل انعقاد هذه الدورة يساهم فى تقريب وجهات النظر حول سبل التغلب على التحديات المرتبطة بارتفاع أسعار السلع الغذائية، وأسعار الطاقة، ودفع تحقيق أهداف التنمية المستدامة التى شهدت تراجعا خلال العامين الماضيين، خاصة مع قرب حلول عام 2030، وهو العام الذى من المفترض أن نصل خلاله إلى مرحلة تحقيق تلك الأهداف.
يضاف إلى ما تقدم، أن الدورة الجديدة للجمعية العامة تنعقد فى ظل ظرف دولى دقيق يتمثل فى الأزمة الأوكرانية بكل انعكاساتها السياسية والاقتصادية والإستراتيجية التى فرضت نفسها على الأمم المتحدة والمجتمع الدولى، حيث يتوقع أن تكون الأزمة حاضرة فى أغلب اجتماعات الجمعية العامة، وهو ما يتطلب العمل على تسويتها فى أقرب فرصة ممكنة لخفض التوتر الدولى الحالى.
ومن أجل ذلك، يتطلب الأمر تعزيز التعاون الدولى وتجديد الالتزام بالعمل من خلال شراكة حقيقية لمواجهة التحديات الراهنة، ومن بينها قضية تغير المناخ على سبيل المثال، والتى تحتم علينا تعزيز الجهود من أجل تنفيذ التعهدات السابقة. وتأتى فى هذا الإطار استضافة مصر للدورة السابعة والعشرين لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، حيث تعد فرصة هامة للتحول من مرحلة التعهدات إلى البدء فى تنفيذها بما يضمن نجاح جهودنا نحو احتواء الآثار السلبية لتلك الظاهرة.
وستحرص مصر خلال رئاستها لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ على التحول من مراحل التعهدات وتقديم الوعود إلى مراحل التنفيذ الفعلى على الأرض فى مختلف محاور ومكونات العمل المناخى، سواء من خلال العمل على الحد من الانبعاثات الكربونية، وتنفيذ مشروعات التكيف والقدرة على الصمود أمام التقلبات المناخية، مع تأكيد أهمية التزام الدول المتقدمة بتقديم سبل التنفيذ للدول النامية، وأهم تلك السبل: التمويل الميسر، وبناء الكوادر ونقل التكنولوجيا، وذلك استنادا لاتفاق باريس الخاص بالمناخ.
ما الأولويات المطروحة على أجندة الاجتماعات بالنسبة لقضايا التعليم والشباب وغيرهما؟
مما لا شك فيه، تكتسب قضايا الشباب أهمية رئيسية لدى المجتمع الدولى بصفة عامة ومصر بصفة خاصة، لاسيما وأن 60% من تعداد السكان فى مصر تحت 30 عاما، وكما تعلمون، فقد وضعت القيادة السياسية الشباب فى قلب سياساتها وإستراتيجياتها، وتحرص على مواصلة الارتقاء بأوضاع الشباب وضمان مساهماتهم فى كافة جهود تحقيق التنمية المستدامة. وبناءً على ذلك، فقد تم اختيار مصر للقيام بالتيسير المشترك لعملية المفاوضات الحكومية لإنشاء مكتب بالأمم المتحدة حول الشباب، والذى اعتمدته الجمعية العامة بالتوافق فى 8 سبتمبر 2022 عقب مفاوضات مطولة امتدت لثلاثة أشهر بهدف ضمان منح ولاية ملموسة للمكتب الجديد وتوفير التمويل المستدام لأنشطته. ويعكس اعتماد الجمعية العامة لهذا القرار تقديراً هاماً لما بذلته مصر، بالتعاون مع دولة جيانا الميسر المشترك الآخر، من جهد لتقريب وجهات النظر بين مختلف الدول الأعضاء حول أهمية إنشاء المكتب لدفع أجندة الشباب بالأمم المتحدة.
- وتنعقد على هامش الدورة الحالية للجمعية العامة قمة تحويل التعليم، والتى اقترحها السكرتير العام للأمم المتحدة، بهدف مناقشة سبل الارتقاء بالجهود لتوفير تعليم عالى الجودة وتحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، وذلك فى إطار الحرص على تعزيز الجهود الدولية لدفع قضايا الشباب وتأهيلهم لسوق العمل.
هل يمكن اطلاعنا على أبرز الأولويات المصرية خلال الدورة الجديدة للجمعية العامة؟
تحرص مصر على دعم مصالحها الوطنية فى إطار الأمم المتحدة بكل مؤسساتها ومنظماتها العاملة فى إطار الأولويات المصرية التى تتمثل بصفة أساسية فى تحقيق الاستقرار والسلم والأمن بمنطقة الشرق الأوسط التى تعانى عدة أزمات تؤثر على استقرار المنطقة وفرص التنمية. ويضاف إلى ذلك أهمية دعم الدولة الوطنية فى منطقتنا حتى يتسنى لها تحقيق الاستقرار وتطلعات شعوب المنطقة فى التنمية الشاملة والرخاء.
كما تهتم مصر بصفة خاصة بجهود بناء السلام وتسوية النزاعات خاصة على ضوء رئاستها السابقة للجنة بناء السلام بالأمم المتحدة، وبالتالى تبرز أهمية تلك الجهود فى إطار التعامل مع بعض الأزمات فى دول الجوار الشقيقة مثل ليبيا والسودان وجنوب السودان.
كما تشمل الأولويات المصرية العديد من الملفات الأخرى ذات الأهمية مثل مواجهة تحديات التغيرات المناخية أخذا فى الاعتبار استضافة مصر لقمة التغيرات المناخية COP27 فى شهر نوفمبر المقبل، والتعامل مع الأزمة الدولية الحالية المتمثلة فى ارتفاع أسعار الغذاء، ودعم حقوق الإنسان ومشاركة المرأة فى كل المجالات.
هناك متغيرات دولية عقب جائحة كورونا أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية.. ما الذى تحمله أجندة الجمعية العامة لمواجهة هذه الأزمة الكبيرة؟
ألقت الأزمة الأوكرانية بظلالها على كل أرجاء العالم، حيث امتدت آثارها لتطول الدول النامية التى مازالت تعانى تبعات جائحة كورونا، حيث تدفع اقتصادات العديد من الدول الى مرحلة الانهيار فى ظل تفاقم أزمة الغذاء العالمية، وارتفاع أسعار الطاقة، بما يتطلب تضافر الجهود الدولية لمواجهة تلك الأزمات وإشراك المنظمات المالية الدولية لتوفير الدعم المالى المطلوب للدول النامية.
- تجدر الإشارة إلى قيادة مصر بمشاركة عدد من الدول الفاعلة لتحرك دولى داخل الأمم المتحدة نتج عنه اعتماد قرار حول أزمة الغذاء العالمية خلال الدورة ٧٦ للجمعية العامة، المسألة التى من المنتظر أن يتم البناء عليها خلال الدورة الحالية للجمعية العامة، بما يسهم فى مواجهة تلك الأزمة بصورة شاملة.
التهديدات الدولية وتلميحات القوى الكبرى باستخدام الأسلحة النووية كيف ستنعكس على اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة؟
شهدت الساحة الدولية خلال الأشهر الماضية تصعيدا فى التوتر الدولى وتزايداً فى احتمالات استخدام الأسلحة النووية، وهو ما انعكس على كل الاجتماعات المنعقدة فى الأمم المتحدة أخذاً فى الاعتبار ما يمثله أى تهديد للسلم والأمن الدوليين من انعكاس خطير على كل أنشطة المنظمة.
وفى هذا الإطار، أكدت مصر والعديد من الدول الأعضاء أهمية السعى لاحتواء أى تصعيد على الساحة الدولية والعمل على تسوية النزاعات بصورة سلمية، علاوة على ضرورة تنفيذ جميع الالتزامات الخاصة بنزع الأسلحة النووية بصورة نهائية وقابلة للتحقق وفقاً للمادة السادسة من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وجميع مخرجات مؤتمرات المراجعة للمعاهدة.
كيف تعمل البعثة على دعم تحقيق الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط التى تشهد العديد من الأزمات؟
يقوم الوفد المصرى الدائم لدى الأمم المتحدة فى نيويورك بدور نشط فى أروقة الأمم المتحدة من أجل نقل وجهة النظر والمواقف المصرية إلى جميع الأطراف الدولية الفاعلة ومسئولى الأمم المتحدة على أعلى مستوى والتنسيق معهم فى أى خطوات تتخذ لدعم الاستقرار فى منطقتنا العربية وتسوية الأزمات العديدة التى تشهدها المنطقة.
كما يحرص الوفد على المشاركة النشطة فى كل الاجتماعات التى تعقد سواء فى إطار مجلس الأمن مثل اجتماعات النقاش المفتوح لجميع الدول الأعضاء أو فى اجتماعات الجمعية العامة التى تتناول قضايا مهمة مثل القضية الفلسطينية على ضوء الدور المصرى التاريخى الداعم لحقوق الشعب الفلسطينى الشقيق وعلى رأسها حقه المشروع فى استقلال دولته على خطوط الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بالإضافة إلى العمل على تسوية أزمات المنطقة الأخرى.
رابط دائم: