-
مسجد «الآمر بأحكام الله» يجاور برج الكنيسة وحراس الدير من البدو يرفعون الأذان مع كل صلاة
-
المطران ديمترى داميانوس رئيس اساقفة الدير:
-
حافظنا على مقتنيات الدير فى فترة الاحتلال والسادات منحنى نجمة سيناء عام 74
-
مكتبة الدير تضم 3300 مخطوط نادر بينها إحدى نسخ التوراة الخمسين القديمة وحديقته بها شجرة زيتون عمرها 600 عام
هنا يحتضن الجبل أقدم رموز الأديان السماوية الثلاثة وتتناغم وحدة الأديان وتسامحها يحكى التاريخ حكاياته المدهشة.. هنا تتجلى تفاصيل المعجزات بينما يرتب التاريخ الوقائع وتحفظ المكتبة آلاف المخطوطات المكتوبة بحبر المعرفة.. هنا تدق أجراس كنيسة دير سانت كاترين بينما يعلو صوت أذان المسجد الفاطمى الملاصق وتحرس قبيلة بدوية قديمة أحد أندر نسخ التوراة القديمة.. رحلة اكتشاف ومعرفة قامت بها الاهرام فى سانت كاترين بينما يشهد المكان ميلاد «مشروع التجلى الأعظم» وتشهد معه معالم المكان وتحكى حكايته.
.........................
«ملتقى الأديان»
روحانيات دينية فريدة يتميز بها دير سانت كاترين القابع بمحيط جبل موسى عليه السلام، حيث الاستمتاع بالطبيعة والمناظر التى لا مثيل لها فى العالم، ونظرا لمكانته السياحية والدينية، قرر الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية، تطويره ضمن تطوير أكبر مشروع فى تاريخ جنوب سيناء فى الوقت الحالى، ألا وهو مشروع «التجلى الأعظم»، الذى يجرى تنفيذه فى سانت كاترين، وفيما يخص الدير فلقد تم بالفعل تطوير وادى الدير بإنشاء مخرات للسيول فى المنطقة خلف الدير تتصل بالمخرات الرئيسية بطول 7 كيلو مترات، تبدأ من وادى الأربعين وصولا للبحيرة ليحمل مياه السيل من كل المناطق وتصب فى النهاية بالبحيرة الموجودة بالقرب من كمين النبى صالح بمدخل المدينة، كما تم إنشاء ممشى جديد بالجرانيت الأحمر بعرض 6 مترات يبدأ من ميدان السلام حتى الدير وهو مخصص لسيارات الجولف الكهربائية، وذلك لتسهيل نقل الزوار من منطقة انتظار السيارات إلى الدير، بالإضافة الى ممشى الجمال بعرض 3 مترات يبدأ من ميدان السلام حتى الدير، وقد روعى استخدام الحجر «الكاترين الأحمر» فى الجدران كما أن الأرضية بالجرانيت الأحمر تم صنفرته ليتناسب مع الشكل التراثى القديم وبالجبال المحيطة التى تكتسى باللون الأحمر ووضع نظام اضاءة يتناسب مع طبيعة المكان الأثرى،ويتم حاليا إعادة تطوير نقطتين للتفتيش بالقرب من الدير، وذلك بتجديد الصرف الصحى والكهرباء واضافة الحجر الأحمر للجدران ليتناسب مع الدير والجبال المحيطة.
رئيس دير سانت كاترين.. «السادات» منحنى نجمة سيناء
وإذا كان دير سانت كاترين هو من أقدم الأديرة بالعالم فإن رئيسه المطران داميانوس رئيس أساقفة سيناء من أقدم الرهبان فقد عاش فى الدير كراهب منذ عام 1960 وتم تنصيبه كرئيس للدير بقرار جمهورى من الرئيس السادات عام 1974 ويحكى المطران داميانوس عن فترة توليه رئاسة الدير واصفا بأنها كانت مرحلة عصيبة فى زمن صعب أيام الاحتلال الإسرائيلى، ويقول كان الدير تحت الاحتلال وحافظنا على كل ما هو أثرى من أيدى الاحتلال وقد سألنى أحد جنرالات إسرائيل آنذاك عن حيازة الدير لأى مستند يثبت أن طابا إسرائيلية ونفيت وجود أى وثيقة تثبت ذلك, ثم بحثت فى الكتب والخرائط القديمة لأثبت العكس وبالفعل أثبت أن طابا مصرية وقد كرمنى السادات لذلك ومنحنى نجمة سيناء.
وحينما بدأت محادثات السلام بين مصر وإسرائيل مارسوا الضغط على لإقامة معبديهودى داخل الدير وبالرغم من حداثة سنى آنذاك إلا أننى أخبرتهم بأننا لسنا أصحاب المكان بل مصر هى صاحبة السيادة عليه واستسلموا لذلك ورحلوا. وقد كرست حياتى لخدمة البدو وعلاج مرضاهم وتقديم الإسعافات الأولية وحل مشاكلهم والصلح بين القبائل فكنت بالنسبة لهم «العمدة» وكنت أعتبر الخدمة الإنسانية أهم أهدافى فى الحياة، كما أعتبر أن مصر هى وطنى الثانى بالرغم من أننى لا أتحدث العربية بطلاقة لكن سنوات عمرى كله بمصر!.

مكتبة دير سانت كاترين
كنيسة التجلى
بدأنا الجولة بداخل الدير بمشاهدة كنيستى اسطفانوس ويوحنا فى الجزء الجنوبى من الدير حيث يجرى ترميمهم ضمن مشروع التجلى الأعظم وهما من القرن 18 الميلادى وبداخلهم مجموعة من الأيقونات والتحف المعدنية كما يجاورهما بئر اسطفانوس. ومن مدخل الرهبان بالجدار الغربى للدير توجهنا للممر المؤدى إلى كنيسة التجلى التى تقام فيها الصلوات اليومية، وقد شيدت الكنيسة الأثرية فى القرن السادس الميلادى وتم تطويرها مؤخرا وتجمل رواق الكنيسة 12 عمودا من الجرانيت الذى تم قطعة من الجبال المحيطة كقطعة واحدة لكل عمود وبمنتصف كل عمود تم حفر خزينة صغيرة لتوضع بها رفات مقدسة من أجساد قديسى الشهر الذى يحمل العامود اسمه وبالكنيسة 8 كنائس جانبية، يوجد صندوق رخامى يحتوى على صندوقين من الفضة المطلية بالذهب وضع بهما كف وجمجمة القديسة كاترين والذى سمى الدير باسمها وفى نهاية الكنيسة كثير من الزوار المصريين والأجانب يتأملون لوحة فسسيفساء التجلى، وهى أقدم وأجمل فسيفساء فى العالم تم ترميمها مؤخرا وهى تحكى مشهد تجلى المسيح عليه السلام لتلاميذه.
مسجد أثرى
وعبر مجموعة من السلالم غرب كنيسة التجلى وعلى بعد خطوات توجد مئذنة مسجد أثرى تجاور برج كنيسة التجلى شاهدة على التسامح بين الأديان وهو مسجد الآمر بأحكام الله وقد شيد فى العهد الفاطمى ويحكى لنا حسام صبحى مدير آثار سانت كاترين أن البدو حراس الدير فى العهد البعيد كانوا يؤذنون للصلاة بالمسجد كما كانوا يدقون الأجراس للصلاة بالكنيسة، والمسجد الفاطمى بالدير مقسم لثلاثة أروقة عن طريق دعامتين، وبه ثلاث محاريب ومنبر فاطمى وبالمسجد كرسى على شكل هرمى مكتوب عليه بالجوانب الأربعة بأن المسجد تم بناؤه فى العصر الفاطمى كذلك المسجد الذى شيد على جبل موسى.

حديقة دير سانت كاترين
متحف الدير
وصلنا لمتحف الدير المعروف باسم محرس المقدسات أو الخزانة المقدسة، وقد تم تطويره حديثا و يحتوى حوالى 120 قطعة من كنوز دير سانت كاترين من الأيقونات والمشغولات المعدنية والمخطوطات والوثائق التاريخية وبعض الأيقونات ترجع إلى الفترة ما قبل البيزنطية ما بين القرنين السادس والعاشر وهى تتناول حياة المسيح عليه السلام والسيدة العذراء والقديسين والشهداء وتتميز أيقونات القرن السادس الميلادى، كما يؤكد لنا حسام صبحى بأنها رسمت بالشمع الساخن أما أيقونات القرن 13 الميلادى فقد رسمت بالألوان مع صفار البيض وهو أسلوب فنى يدعى «التمبرا».
ولعل أهم ما شاهدناه بالمتحف هو العهدة المحمدية وهو عهد أمان كتبه الرسول صلى الله عليه وسلم للرهبان بالمدينة المنورة عام 625 هجرية، وقد كتبت فى عهد الرسول وبخط على بن أبى طالب رضى الله عنه ووقع الرسول ببصمة كفه الكريم على وثيقة «لمعونة الأنصارى» وهى نسخة طبق الأصل أخذها سليم الأول حينما دخل مصر عام 1517 وأمر جنوده بنقلها للغة العربية وترجمتها باللغة التركية ونقل العهدة الأصلية لإستانبول، وتحمل العهدة المنسوخة بالمتحف كفا وهو مجازا عن كف الرسول صلى الله عليه وسلم. وعلى الجانب الآخر وتأكيدا على التسامح الدينى بين الأديان شاهدنا نسخة من التوراة أو المصحف السينائى وله قصة شهيرة كما يسردها مدير آثار سانت كاترين حيث تم كتابته فى منتصف القرن الرابع الميلادى وهى واحدة من الخمسين نسخة من التوراة الموجودة بالعالم، وكان العلامة الألمانى قسطنطين تشاندروف قد قطع بضع أوراق من هذه النسخة وأهداها لجامعة لايبزج ثم أهدى الباقى منها لقيصر روسيا بعد أن كتب تعهدا باستعارتها فقط لنشرها ولكن باعها للاتحاد السوفيتى ومنها للمكتبة البريطانية بلندن، وفى عام 1975 تم اكتشاف 12 ورقة من التوراة بين مخطوطات أخرى فى حصن القديس سان جورج تم عرض ورقتين بالمتحف و10 ورقات بمكتبة الدير.!

المطران ديمترى داميانوس
وقد اشتركت كنوز الخزانة المقدسة من الأيقونات فى 12 معرضا دوليا بالولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا.
مكتبة إلكترونية
تقع مكتبـة الـديـر فى الطبقة الثالثة من بناء قديم جنوب الكنيسة الكبرى، وهى من أهم ما يحتويه الدير، ولا تقتصر محتوياتها على المخطوطات النادرة، بل تحتوى على عدد كبير من الفرمانات التى أعطاها الخلفاء للدير، وقد حظيت باهتمام العلماء والدارسين، وقد قامت جامعة الإسكندرية ومكتبة الكونجرس بواشنطن بتصوير مخطوطاتها بالميكروفيلم، يقول عنها الأب جاستن المسئول عن المكتبة إنها شهدت مؤخرا تطويرا شاملا بالجانب الشرقى بها، ويبلغ إجمالى الكتب والمخطوطات بها نحو 3300 مخطوط ما بين يونانى وعربى. وسيريانى وغيرهم من اللغات، واشتمل التطوير تحديثا لتمكن الباحثين من الإطلاع على اى نسخة ديجيتال.
حديقة الدير
وعلى باب حديقة الدير التى تتخذ شكل واحة مثلثة فى وسط الجبال استقبلنا الأب ميخائيل ومساعده البدوى حسن بترحاب كبير الذى بادرنا بالقول إن الحديقة تعتبر من أقدم الحدائق نظرا لما تحتويه من أهم الأشجار المعمرة لعل أهمها شجرة الزيتون الذى يصل عمرها إلى 600 عام كما توجد أشجار السرو رمز الخلود والفستق والصنوبر واللوز واللارينج والمشمش والكمثرى والبلح والعنب بأنواعه المختلفة والرمان والصفصاف، وكثير من الخضراوات والنباتات والأعشاب «الزعتر»، وكلها عضوية لا تضاف لها أى أسمدة أو كيماويات، وبالحديقة منحل عسل تجاوره معصرة زيتون وعلى بعد أمتار شاهدنا ثلاث آبار قديمة لعل أهمها بئر مكاريوس ويصل عمقها 15 مترا ويعشق سكان الدير مياهه حيث إنها باردة كالثلج، وفى شرق الحديقة شاهدنا نبع بركة الدوار الذى تجرى مياهه تحت الأرض ليسقى الجهة الشرقية من الحديقة والتى تحقق الاكتفاء الذاتى لسكان الدير من الرهبان والبدو العاملين به كما يؤكد الأب ميخائيل، ويضيف هناك أشجار ارتبطنا بها كرهبان نظرا لقدسيتها لدينا مثل شجر الزيتون لان الزيت شىء مقدس فى صلواتنا كما نستخدمه فى الطعام.
ويمثل العمل بالحديقة للأب ميخائيل جزءا مقدسا من حياة الراهب الأرثوذكسى حيث العمل والصلاة، وكما يؤكد قائلا: «أشعر بأن الله معى بين الأشجار وأن أى دعوة ستصل لله لأننى فى الوادى المقدس، ولعل أهم ما يميز الدير هو حراسه والعاملون به من البدو وأهمهم عم «جبلى جميع» 84 عاما فهو يتولى إدارة الفندق والمكتبة منذ 70 عاما يتميز بوجهه البشوش ويقول إن الدير يمثل جزءا كبيرا من حياتى حيث أعمل به وأنا بالرابعة عشرة من عمرى»، كما أن قبيلتى وهى «الجبالية» هى من تولت حراسة الدير منذ نشأته، أما عم «جبلى الجبالى» حامل مفتاح الدير يقول: إن الدير هو جزء من حياته بكل ما تحمله الكلمة من معان.
ويقول الشيخ محمد عودة رئيس قبيلة الجبالية تعتبر القبيلة من أقدم القبائل على أرض سيناء ومنذ أيام الاحتلال وحتى الآن لم نتغافل يوما عن تقديم الحماية والحراسة اللازمين للدير بالتعاون مع أفراد الأمن المصريين، لافتا أن أفراد القبيلة يصل عددهم إلى 4000 فرد لديهم من الخبرة والكفاءة والحس الأمنى والمعرفة بخبايا الجبال والدروب والوديان والمدقات ما يؤهلهم لتولى تلك المسئولية الخطيرة، يذكر أن قبيلة الجبالية تتشارك فى الخدمة مع قبائل أخرى وأن كان لهم الغلبة واليد العليا بحكم أقدميتهم وهى قبائل الصوالحة، اولاد سعيد، العليقات.
رابط دائم: