ترسم التغيرات المناخية صورة قاتمة للغاية، فحين تكون من تداعياتها انعدام الأمن الغذائى والمائى، وفقدان سبل العيش، وتزايد ندرة المياه، والطقس الأكثر قسوة، تصبح كلها أسباب تُمكّن الجماعات المسلحة والإرهابيين من زيادة صفوفهم لتنفيذ مخططاتهم الحقيقية، حيث أصبح استغلال التغيرات البيئية كواحدة من أنجح استراتيجيات تجنيد الإرهابيين. واستغلت الجماعات الإرهابية فى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والشرق الأوسط، من بوكو حرام والشباب إلى داعش والقاعدة، تلك التغيرات لتجنيد المزيد من الشباب .
فى الفترة بين عامى 2006 و 2010 أدى تصحر الأراضى الزراعية فى سوريا إلى خفض غلات المحاصيل، وفقد 800 ألف شخص دخلهم ونفق 85%من مواشى البلاد. ومع فقدان الناس سبل عيشهم، ارتفعت أسعار المواد الغذائية، ونزح 1.5 مليون عامل ريفى إلى المدينة للعثور على وظائف. كانوا هدفًا سهلاً للتجنيد من تنظيم داعش الإرهابى. وبنفس الطريقة، استغلت داعش اليأس فى منطقة كركوك فى العراق من المجتمعات المتأثرة بشدة بالظروف المناخية القاسية لجذب مجندين جدد وزيادة السيطرة على السكان والأراضى، أما الأردن ثالث أكبر دولة تعانى تجنيد الشباب فى داعش فى العالم العربى. فإن الكثير من هؤلاء المجندين كانوا من وادى الأردن، الذى تضرر بشدة من الجفاف.وفى إفريقيا، خلقت الظروف المناخية الضارة فرصا مثمرة للجماعات الإرهابية، مما عزز الظروف المسبقة ودوافع التطرف. فى عامى 2016 و 2017 فى الصومال، استفادت حركة الشباب من إفقار آلاف النازحين الذين يعيشون فى مخيمات عشوائية فى الأطراف الحضرية ، تاركين أراضيهم بسبب الظروف المناخية القاسية لأغراض التجنيد وازدهار الأنشطة غير المشروعة. وفى أكتوبر الماضى، أصبحت مدينة جوريل فى منطقة جالجودود الصومالية بؤرة قتال عنيف بين الجيش الوطنى وجماعة شبه عسكرية خلفت أكثر من 100 قتيل وتشريد 100 ألف آخرين، حيث اشتد الجفاف على 80 ٪ من البلاد.

جرائم داعش - ارشيفية
وأرجعت دراسة صادرة عن معهد السلام الأمريكى أسباب نشأة تنظيم «بوكوحرام» فى نيجيريا إلى التحولات البيئية وتغير المناخ، حيث ارتبط تأسيس التنظيم بانتشار ضحايا الأزمات البيئية فى نيجيريا وافتقادهم للطعام والمأوى والاحتياجات المعيشية الأساسية، وفى مرحلة تالية استفاد تنظيم بوكو حرام من هجرة 200 ألف مزارع تشادى إلى نيجيريا عقب موجات الجفاف والتصحر فى تشاد، حيث قام بتجنيد عدد كبير من النازحين التشاديين ضمن مقاتليه. تغير المناخ هو محرك رئيسى محتمل للإرهاب فى المستقبل، حيث تم الاعتراف به بالفعل من قبل العديد من الدول على أنه تهديد أمنى استراتيجى، يتضح ذلك فى تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش من أن التغير المناخى يمكن أن يشكل «أحد العوامل التى تفاقم احتمالات وقوع الأعمال الإرهابية، وأن التدهور البيئى الذى يشهده العالم يعرض أى منطقة غير مستقرة أو تشهد نزاعات لمخاطر وتهديدات أمنية كبيرة». السؤال الرئيسى الآن هل ستكون الموجة الخامسة من الإرهاب مرتبطة بالتغير المناخي؟ فالموجات السابقة ارتبطت ارتباطا وثيقا بأحداث وعمليات العالم الجيوسياسية الكبرى. حيث وُلد اللاسلطويون من رحم صعود الطبقات الوسطى وانتشار التعليم وعدم التسامح المتزايد مع الحكم الاستبدادى فى القرن التاسع عشر.
وارتبط القوميون / الانفصاليون ارتباطا وثيقًا بانهيار الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية العظيمة، وجاءت الموجة الثالثة بعد انتشار الدول الشيوعية فى عقب الحرب العالمية الثانية. وفى حالة الجمود النووى فى الحرب الباردة، أصبح الإرهاب وكيلًا مفيدًا للدول التى لم تعد تجرؤ على الانخراط فى صراع تقليدى مباشر، وقد أدى الانهيار النهائى للاتحاد السوفييتى إلى إنهاء تلك الموجة وتسريع صعود الإرهاب ذى الدوافع الدينية. ليبقى السؤال مفتوحا على أقواس عدة : ما التغيرات العالمية التى ستقود موجات الإرهاب الجديدة؟.
رابط دائم: