لم يكن أحد ليتصور يوما أن تتزامن ذكرى هجمات ١١سبتمبر٢٠٠١ مع احتفالات حركة «طالبان» بعودتها إلى حكم أفغانستان.
لكن لعلها تلك هى المفارقة التاريخية التى تحملها معها الذكرى الـ٢١ لوقوع الهجمات.
ففى أعقاب هجمات سبتمبر، أعلنت الولايات المتحدة الحرب على أفغانستان فى أكتوبر٢٠٠١، من أجل الإطاحة بحركة «طالبان» الحاكمة، بعدما رفضت تسليم أسامة بن لادن زعيم تنظيم «القاعدة» وقتها، الذى حملته أمريكا المسئولية عن تدبير وتنفيذ الهجمات. لكن وبعد ٢٠عاما من الحرب، أعلن الرئيس جو بايدن، فى أغسطس 2021، الانسحاب الأمريكى من أفغانستان قبل موعده المقرر، وذلك مع عودة سيطرة «طالبان» على البلاد.
وقبل أيام فقط من حلول ذكرى هجمات سبتمبر، وتحديدا فى ٣١ أغسطس الماضى، احتفلت «طالبان» بمرور عام على انسحاب القوات الأمريكية وحلفائها من أفغانستان، مستعرضة قوتها فى عرض عسكرى ضخم لعناصرها الذين قاموا بإطلاق الرصاص فى الهواء، مع إطلاق الألعاب النارية.
وقد حمل احتفال «طالبان» العديد من الشواهد على «المفارقة التاريخية»، حيث أطلقت الحركة على احتفالها مسمى «يوم الحرية»، بينما كانت الحرب التى قادتها الولايات المتحدة على أفغانستان قد حملت فى حينه اسم «الحرية الدائمة». كما شهد الحفل استعراض الحركة بعضا مما خلفته القوات المنسحبة وراءها من معدات عسكرية، تلك التى قدرت قيمتها الإجمالية بأكثر من ٧ مليارات دولارات.
كما اختارت «طالبان» قاعدة «باجرام» الجوية كمركز للاحتفال، وهى القاعدة التى استخدمتها القوات الأجنبية طيلة عقدين من الزمان فى تنظيم وتنسيق العمليات العسكرية ضد الحركة.
فى المقابل، فإن احتفال «طالبان» حمل كذلك أكثر من دلالة واضحة على تداعيات الحرب على أفغانستان، أولها تأكيد فشل ما وصفته أمريكا وقتها بـ «الحرب على الإرهاب»، ذلك أن الحرب ربما قضت على «بن لادن»، لكنها لم تقض على «القاعدة»، بل إنها أفسحت المجال كذلك لظهور «داعش- خراسان» منذ ٢٠١٥، الذى بات التنظيم المنافس لـ»القاعدة»، والعدو الأول لـ «طالبان»، حيث حمل الهجوم على موكب الحركة يوم الاحتفال بصماته.
أما ثانيا، فهو وصول البلاد إلى حالة «الشلل» الاقتصادى، كما صرح الملا حسن أخوند رئيس حكومة «طالبان» على هامش الاحتفال، من ثم دعوته العالم مجددا للاعتراف بالحركة، خاصة مع استمرار العقوبات الأمريكية عليها، وتوقف التدفقات المالية الدولية.
وتشير التقارير الدولية إلى أن نحو ٣٠ مليون أفغانى فى حاجة إلى معونات غذائية عاجلة، فى الوقت الذى حذرت فيه من وقوع أكثر من ٦٠% من الأفغان تحت خط الفقر أواخر العام الجارى.
وعلى صعيد الوضع الاجتماعى، فحدث ولا حرج، ذلك مع تراجع طالبان عن تنفيذ وعودها أمام المجتمع الدولى، حيث التعهد بتقديم صورة مخالفة لسياستها المتشددة خلال فترة حكمها الأولى (١٩٩٦-٢٠٠١)، لكنها ما لبثت أن عادت إلى سابق عهدها، من ثم عودة قمع النساء والإعلام والمعارضين، وتجاهل تمثيل الأقليات.
هكذا، فإنه يمكن القول إن المفارقة الحقيقية، وفى أعقاب مرور ٢١ عاما على ذكرى هجمات سبتمبر، هى أن أفغانستان لم تصبح أفضل، كما تعهدت الولايات المتحدة سابقا، بل إن الأوضاع فيها أصبحت أسوأ مما كانت قبل، وعلى كل الأصعدة (سياسيا واجتماعيا واقتصاديا). وهو الفشل الذى عبر عنه الجنرال مارك ميلى رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، أمام مجلس الشيوخ فى سبتمبر الماضى، بقوله إن «ما حدث فشل إستراتيجى. العدو فى الحكم بكابول، ولا مجال لوصف الوضع بطريقة أخرى».
رابط دائم: