قد تكون الحرب الأمريكية على الإرهاب ناجحة بشكل نسبى فى التصدى له منذ إعلانها قبل21 عاما. ورغم هذا النجاح التكتيكى، لكن يبدو أن سياسة الولايات المتحدة لم تتمكن من القضاء على أى من التنظيمات المتشددة، خاصة تلك التى تنطلق من أراضيها.
فقد أدت المطاردة العسكرية العالمية لتنظيم القاعدة إلى القضاء على قيادته وتقويض قدرته على شن هجمات تستهدف أعدادا كبيرة من الضحايا، كما عاقت مؤامرات محتملة كثيرة. وسجلت الولايات المتحدة بالفعل تحسنا كبيرا فى تأثير ظاهرة الإرهاب العالمى فى عام 2021، مسجلة أدنى درجة لها فى «مؤشر الإرهاب العالمي» منذ عام 2015، ولكن التهديد الإرهابى الحقيقى الذى يجب على واشنطن أن تخشى منه ينبع من جماعات اليمين المتطرفة داخل الولايات المتحدة والتى تعاظم وجودها ودورها منذ 11 سبتمبر 2001. ففى خطاب له فى الذكرى العشرين لاعتداءات سبتمبر، حذر الرئيس الأمريكى الأسبق بوش الابن من خطر الإرهاب الداخلى. وقال: «لقد رأينا أدلة متزايدة على أن الأخطار على بلدنا يمكن أن تأتى ليس فقط من خارج الحدود، بل من العنف المتزايد فى الداخل مشيراً إلى أن «الكثير من سياساتنا باتت دعوة صريحة للغضب والخوف والاستياء. وهذا يجعلنا قلقين بشأن بلدنا ومستقبلنا معاً».
وكشفت الإحصائيات الرسمية لمنظمة أرشيف مناهضة السلاح، مقتل الآلاف فى حوادث مرتبطة بالإرهاب الداخلى بشكل عام فى 2020. ورصد مكتب التحقيقات الفيدرالى ارتفاع حوادث إطلاق النار العام الماضى بنسبة 50 % عن عام 2020. وكشفت بيانات نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» قيام اليمين المتطرف بـ 78 اعتداء عام 2020 فقط ممتدة لـ 18 ولاية، وهو الأعلى على الإطلاق منذ عام 1994. وذكرت الصحيفة أن البيانات أظهرت ضلوع متطرفين يمينيين فى أكثر من 260 اعتداء منذ 2015 حتى 2021 مقابل 66 حادثا لليسار الراديكالى.

جو بايدن
وبدلا من الانتباه لفاتورة التدخلات العسكرية تحت شعار مكافحة الإرهاب، وصلت جرائم الكراهية فى الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى لها منذ 12 عاما، مع إبلاغ أكثر من 10 آلاف شخص عن جرائم تتعلق بالعرق أو المعتقدات الدينية خلال 2020. وطالت هذه الاعتداءات مساجد ومعابد يهودية وكنائس للأمريكيين السود خلال السنوات السبع الماضية. وأدرجت البيانات، التى نشرتها الصحيفة اقتحام أنصار الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب مقر الكونجرس فى 6 يناير 2021، من بين 11 حادثا إرهابيا داخليا نسب إلى اليمين المتطرف فى ذلك الشهر.
وبالتوازى مع هذه التجاوزات ضد الأقليات، ظهرت ممارسات اتخذت صبغة رسمية وقانونية تكبل حرية الذين يحاولون دخول البلاد بصفة شرعية أو غير شرعية وتزيد من نزعة الكراهية. ونشرت وزارة الأمن الداخلى الأمريكى أعداد المهاجرين المرحلين التى بلغت 360 ألف شخص فى 2019 و328 ألف شخص فى 2018 و432 ألف شخص فى 2013. ولا ننسى قانون الأمن الوطنى الأمريكى أو «باتريوت آكت» الذى صدر بعد أحداث سبتمبر 2001 وسمح باعتقال غير الأمريكيين لفترات زمنية مفتوحة دون تهمة مع تخفيف قيود مراقبة الهواتف والبريد الإلكترونى، وتوسيع صلاحيات الأجهزة فى القيام بالتفتيش دون مذكرة رسمية.
وأمام هذ الطبيعة المتغيرة للإرهاب السياسى، ظهرت تغييرات وصفت بـ «اللافتة» فى الإدارة الأمريكية تجاه الإرهاب الداخلى وخطر جماعات اليمين المتطرف، أهمها عمل وزارة العدل على إنشاء «وحدة لمكافحة الإرهاب الداخلي» منذ بداية العام الحالى. وكرست الوزارة أيضا مجموعة من المحامين للتهديد المحلى وضمان التعامل مع القضايا بشكل صحيح وفعال عبر الوكالة وإنفاذ القانون الفيدرالى.
وكشفت إدارة الرئيس جو بايدن عام 2021، عن استراتيجية وطنية للتصدى للتطرف الداخلى، دعت فيها إلى منع تجنيد الجماعات المتطرفة، وتعزيز تبادل المعلومات عبر أجهزة إنفاذ القانون الأمريكية، إلا أنّ الكونجرس لم يتّخذ حتى الآن أى مبادرة لسنّ قوانين تتعلق بالإرهاب المحلى ومازال فى نزاع، كالعادة، بين الجمهوريين والديمقراطيين.
رابط دائم: