طرح مقتل أيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة العديد من التساؤلات، ربما ليست جديدة، إلا أنها تحتاج دائما إلى إعادة النظر فيها وهى: هل أصبح العالم والولايات المتحدة أكثر أمانا؟ وهل انهار التنظيم الدولى بعد مقتل مؤسسيه أسامة بن لادن والظواهرى؟ وهل تنجح استراتيجية «قطع رؤوس» الإرهاب الأمريكية فى القضاء على الظاهرة؟ وهل يصمد اتفاق الدوحة بين واشنطن وحركة طالبان الأفغانية؟.
مما لاشك فيه أن تنظيم القاعدة لم يعد فى أقوى حالاته مثلما كان فى التسعينيات وأوائل الألفية، إلا أن فروعه المنتشرة من المغرب العربى إلى الساحل الإفريقى إلى سوريا وأفغانستان وباكستان والهند، تؤكد أنه مازال قويا، إلا أن عملياته تحولت إلى المحلية.
وبينما تراجعت قوة القاعدة بشكل كبير على مدى السنوات العشرين الماضية، فإن مقتل الظواهرى مهم من الناحية الرمزية، بالنظر إلى إرثه كمهندس وعقل مدبر لهجمات 11 سبتمبر 2001. إلا أن موته يضع التنظيم على مفترق طريق، فاختيار الزعيم الجديد لن يكون سهلا. ورغم أن الظواهرى لم يكن يمتلك خطاب بن لادن الذى جند الآلاف من الأنصار حوله ولا ذكائه الإعلامى إلا أنه قدم الأساس العقائدى لأجندة القاعدة الدولية المتمثلة فى ارتكاب هجمات إرهابية ضخمة ومؤثرة مثل 11 سبتمبر.

بايدن
وسيشكل قرار اختيار خليفة الظواهرى مستقبل القاعدة، وإلى أى اتجاه ستمضى. وأحد أسباب ضعف القاعدة اعتماده على فكرة الهيكل أو «النموذج المركزى» حيث تقوم شبكة لا مركزية من الفروع بتنفيذ هجمات محلية باسم التنظيم الأم. وعندما ورث الظواهرى دور بن لادن، كان ذلك بعد أشهر من اندلاع شرارة الربيع العربى، وهى الأحداث التى منحت تنظيم داعش قبلة الحياة حيث تمرد على القاعدة وصعد من رماد العنف فى العراق وسوريا، وكان على استعداد لسحق القاعدة، إلا أن أحلام داعش تبخرت مع موت البغدادى.
ويعتقد الكثير من المحللين أن الخليفة المنطقى للظواهرى هو زميله سيف العدل، وهو من المقربين من الظواهرى منذ فترة طويلة، لكنه يعيش فيما يشبه الاعتقال المنزلى فى إيران، حيث تراقب طهران عن كثب القيادة العليا من القاعدة الذين فروا إلى هناك بعد الغزو الأمريكى لأفغانستان فى أواخر عام 2001. وفى أغسطس 2020، قتل أبو محمد المصرى، عضو القاعدة، حيث اتهمت إيران إسرائيل بتدبير عملية القتل. وإذا تم النظر إلى العدل على أنه ضعيف بسبب الاحتجاز المنزلى أو كبر سنه، بحيث لا يستطيع اجتذاب المزيد من العناصر الجديدة للتنظيم، فإنه لن يتبقى أمام القاعدة سوى اختيارات محدودة، تم إدراج بعضها فى تقرير للأمم المتحدة، ومن بينها عبد الرحمن المغربى زوج ابنة الظواهرى، أو الجزائرى يزيد مبارك الملقب بأبو عبيدة يوسف العنابى الذى بويع أميرا للقاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى عام 2020، أو أحمد ديرى زعيم حركة الشباب الصومالية.

أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة
ومن المتوقع أن تشعل خلافة الظواهرى انقسامات داخل التنظيم بسبب الحرب فى سوريا حيث ترى بعض الدوائر ضرورة تصعيد أفراد مثل أبو عبد الكريم المصرى، فى تنظيم القاعدة فرع سوريا «حراس الدين»، وسيكون اختيار قيادى من بلاد الشام تغييرا جذريا فى تفكير التنظيم. لكن عناصر القاعدة فى سوريا قوضوا موقع التنظيم فى المنطقة، مع الانقسامات داخل داعش وتركيز هيئة تحرير الشام على استهداف القوات السورية. ورغم الانتكاسات للقاعدة، إلا جميع الفروع خارج سوريا ظلت موالية للظواهرى رغم التحديات التى تواجهها، كما أن الفروع الأخرى خصوصا فى إفريقيا تحديدا فى منطقة الساحل والصومال ومالى متواجدة بقوة، ومن المتوقع أن يتولى قيادات إفريقيا زعامة القاعدة فى سابقة تهدد القارة المحاصرة بالأزمات.
ليس هذا فحسب، فاتفاق الدوحة بين واشنطن وطالبان مهدد، حيث تبادل الجانبان الاتهامات بانتهاك الاتفاق، فإدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن اتهمت الحركة بإيواء قيادات القاعدة، بينما ردت طالبان بأن أمريكا خرقت الاتفاق عبر تنفيذ عملية استهداف الظواهرى. أما أمان أمريكا والعالم بعد قتل رأس القاعدة، فإن الإجابة عليه ستكون معقدة، فرغم افتقار التنظيم لزعامة قوية والتمويل اللازم، إلا أنه مازال يمثل تهديدا على المديين القصير والطويل، خصوصا فى ظل قوته فى منطقة الساحل الإفريقى.
رابط دائم: