رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

العام 6264
السنة المصرية القديمة.. «تاج الأعياد»

أسامة الرحيمى
علاقة المصرى القديم بالأيام والشهور قامت على أساس روحانى وعلمى

«تاج الأعياد» أو «رنبت».. هكذا سمَّى المصريون القدماء رأس السنة، وهى أقدم تقويم عرفته الحضارة الإنسانية فى تاريخها. وغدا الأحد تحديدا، هو غرة السنة 6264 وفقا للتقويم التاريخى المصرى المُسجّل، والمعروف بـ «تاريخ الأُسرات».

واحتسب المصريون للسنة الشمسية 365 يوماً، و5 ساعات، و49 دقيقة، و45 ونصف ثانية، بفارق يوم كل 127 سنة، وحددوا بداية العام بميلاد الفيضان، وسموه «التقويم التحوت» نسبة إلى «تحوت» إله المعرفة.


لكل شهر اسم يرمز لدوره فى الزراعة .. ابرز اساسيات الحضارة المصرية

ويعرّف البعض السنة المصرية القديمة بـ «القبطية» وعلى خلاف كافة تقويمات العالم، تنقسم السنة المصرية القديمة إلى ثلاثة عشر شهرا، منها اثنا عشر كل منها ثلاثون يوما، وشهر صغير أخير يكون خمسة أيام خلال السنوات البسيطة، وستة أيام فى السنة الكبيسة، وتسمى «أيام النسيء». ويتراكم ذلك اليوم الزائد من فروق الدقائق خلال دوران الأرض حول نفسها،وحول الشمس طوال الأربعة أعوام.

 

  • حكاية «أيام النسيء»:

ولأيام النسيء وحدها حكاية. فهى لا نظير لها فى مختلف تقويمات العالم. وفى اللغة المصرية القديمة، يطلق عليها «ديو هرو حر رنبت» أى «خمسة أيام فوق السنة» أو «قليل من الشهر». ووصفها بعض المؤرخين بـ«الأيام الخمسة الزائدة على السنة». وفى العربية النسىء هى «أيام النسىّ» أو «الأيام المنسية من السنة». ويوم النسيء الأول هو «فونا بيت» أو ما يعرف فى العربية بلفظة «المؤامرة». وفى المسيحية، الأول من أيام الجمعة الكبيرة «الحزينة».

ويقال فى إحدى الأساطير الموحية أن الآلهة الخمسة «أوزوريس» و«إيزيس»، و«نفتيس» و«ست» و«حورس» وُلدوا خلال الأيام الخمسة المنسية. واليوم السادس الذى يضاف إليها كل أربعة أعوام، يتم اعتباره وفقا للمعتقد المصرى القديم، هدية للإله «تحوت» مبتكر الحروف الهيروغليفية والتقويم التحوتى.

 

  • ما قبل الأسرات:

وقبل ذلك التقويم، مرت خمسة آلاف سنة، عرفت لاحقا بتاريخ «ما قبل الأسرات» ونشأت خلالها دويلات صغيرة ظلت تتغير طوال الوقت ضمن محاولات الحضارة الأولى للتوصل إلى صيغة الدولة. وتوحدت تلك الدويلات حتى أصبح فى مصر قُطران: دولة فى الدلتا، وأخرى فى أعالى مصر وانتظر القطران الملك «مينا» على شغف ليوحدهما فى حدث تاريخى فريد، لتتبلور على يديه الصيغة الأولى لمصر الحالية، كأعرق دولة بالمعنى السياسى الحديث، يملكها شعب مبدع نشط. ولها إقليم جغرافى بحدود محمية، وهيكل إدارى محكم، وقوانين عامة تنظم كافة الشئون، وحكم ملكى وراثى،امتد لثلاثين أسرة، كل منها حكمت مئات السنوات. وتتمتع إلى الآن بمركزية العاصمة، والاهتمام الدائم بالأقاليم.

 

  • غرة السنة المصرية:

وغُرة السنة المصرية، تصادف الحادى عشر من سبتمبر فى التقويم الميلادى، وهو عتبة شهر «توت» (11 سبتمبر - 10 أكتوبر) الذى درج المصريون على تسميته «نييارو». وفى العصر القبطى بات «يوم النيروز». و»النيروز» لفظة فارسية تعنى «يوم الاحتفال» والمرجح أنه أطلق إبان السيطرة الفارسية.

وهو يوم يستحق الاحتفال عند المصريين القدماء،لارتباطه بتدفق الفيضان وافتتاح موسم الزراعة، أهم نشاط فى تاريخ مصر، حيث نشأت على أرضها أول بواكير الزراعة فى العالم. وظل الاحتفال به حتى تحت سيطرة الإغريق على مصر، وإلى أن جاء عهد الإمبراطور الرومانى «دقلديانوس» ، فتغيرت الأحوال.

واستمد اسم الشهر الأول «توت» وهو أول إطلاق لأسماء البشر على الأشهر فى التقويم، تخليدا للعبقرى مبتكر الأبجدية أو «الأحرف الهيروغليفية» بجانب التقويم المصرى، قبل أن تتنبه الحضارات الأخرى إلى أهمية التقويم بقرون عديدة. فصار «توت» المستمد اسمه من الإله «تحوت» إله القلم والحكمة والمعرفة. ويشير البعض إلى أنه مولود بقرية «منتوت» الموجودة بنفس اسمها القديم إلى الآن فى مركز «أبوقرقاص» بمحافظة المنيا. ومعنى «منتوت» وفقا للغة القبطية، هو «مكان توت».

والشهر الأول المنسوب إلى الإله «تحوت» تحول فى العصر القبطى إلى «توت» وبات رمزا للإله المنوط بالموازين، والتقويم، والفنون، والأسرار، وأيقونته طائر «البجع». ومن أهم وصايا «أمنوبى» الحكيم لابنه «حور ماخر»: «لا تتلاعب بكفتى الميزان، ولا تُطفّف فى الوزن، ولا تُنقص الكيل، فإن الإله تحوت يراقب الميزان».

وابتكار التقويم المصرى القديم كان فى عام 4241 ق. م (القرن 43 قبل الميلاد) حين رصد النجم السماوى «نجم الشعرى اليمانية» والمسمى أيضا بـ»الأبرق». واحتسبوا الفترة بين ظهوره بدقة، وقسّمُوها لثلاثة فصول زراعية كبرى: «الفيضان» و»البِذار» و»الحصاد» . واعتمد الفلاح المصرى على التقويم الذى كان هو سببا فى ابتكاره بملاحظته الدقيقة عبر قرون ممتدة، حتى تيقن من أفضل أيام بدء الزراعة،وأنسبها للحصاد بدقة.

 

  • شهور وأمثال:

و«توت» أول شهور السنة المصرية، فاتحة الزراعة، وخلده المصريون فى الأمثال الشعبية بقولهم: «توت هات الأنتوت» أى المحراث الذى يُقلّب أحشاء الأرض الزراعية لتهوّيتها، وتخطيطها تأهباً لبدء الزراعة، وقالوا أيضا:»توت ريَّة لا تفوت» لضرورة رى الزراعة فى توقيتها، وإلا خابت الأرض ولم تثمر. وفى مثل ثالث: «لا خير فى زاد ييجى مشحوط ولا نيل ييجى فى توت». ففى الشهر السابق عليه «مسرى» وتليه أيام النسيء الخمسة، ويقابلها أغسطس فى التقويم الميلادى، تكون ذروة الفيضان، وبعده يغيض النيل تدريجيا إلى أواسط سبتمبر، حيث تشرب الأرض الماء، وتتجهز للزراعة، فإذا امتد الفيضان عبر سبتمبر يفسد موسم الزراعة المثالى، وتضيع أيام الخصوبة على الفلاحين. وإذا جاء وانحسر فى موعده واسودت الأرض، يقوم الفلاحون بحرثها قبل أن تجف، ويبذرون «التقاوى» لتنضج فى أرض نصف جافة،نصف رطبة.

وحين تصح الزراعة فى موعدها وتزدهر فى الشهر الثانى للسنة المصرية «بابه» ويغزر الإنتاج، ما دفع المصريين للقول: «زرع بابه يِغلب النهَّابة» وهو مشتق من «آبيت أى آمون».

ومن التقاليد المصرية الرفيعة التى استنها أجدادنا،أن ينسى الناس خلافاتهم وخصامهم خلال «أيام النسيء»، ليفتتحوا السنة بالمودة الصافية والأخوة، والزيارات الأسرية، والاستعداد لمساعدة بعضهم فى أعمال الزراعة.

وبتصادف عيد جلوس الملكة كليوباترا مع عيد رأس السنة، ابتدع المصرى القديم احتفالا كبيرا للزهور يليق بتولى الملكة الحكم. والمفارقة الطريفة أن الاحتفال برأس السنة المصرية انتقل عبر المتوسط إلى أوروبا مع إهداء كليوباترا تقويم مصر الشمسى إلى يوليوس قيصر، وطلبت من «سوسيجين» العالم بجامعة الإسكندرية بنقل التقويم المصرى إلى الرومان ليستخدموه بديلا لتقويمهم القمرى، وعرف باسم «التقويم القيصرى». وعملوا به لعدة قرون إلى أن قام بتعديله البابا جريجورى الثالث، وأصبح هو التقويم العالمى المعروف.

وكان المصريون فى «أيام النسيء» يتنزهون فى الحدائق والحقول، وكانت لديهم أكلات مفضلة فى عيد رأس السنة، مثل شواء البط والأوزّ فى الحقول، وكذلك الأسماك المجففة.

وساهم التقويم المصرى فى وضع التقويمات المختلفة للحضارات القديمة برغم اختلافها سواء كانت شمسية أو قمرية، وبرغم مرور آلاف السنين على بداية التقويم المصرى القديم، إلا أنه ذات التقويم الذى مازال يعمل به لتنظيم الزراعة فى مصر حتى الآن.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق