رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ثوب قصير

نهلة أبوالعز

كان الجو باردًا، والغرفة التى أسكنها بمفردى فى غربة فُرضت على رغم ضيقها الخانق، بدت كأنها ثلاجة، الغطاء لا يقوم بمهمته فى التدفئة خاصة وأننى ارتديت ملابسى كلها ومعظمها خفيف، منذ أن جئت هنا وأنا أشعر بالبرد، صحيح أننا فى يناير وصحيح أن البرد هو الطقس المُعتاد، لكنه أصبح أكثر قسوة منذ غادرت منزلنا وسكنت هذه الغرفة التى استأجرها لى شقيق جارتنا، نصحنى : فى مشروع كبير طالب بنات فى سنك، روحى وشقى طريقك، يمكن الحظ يخدمك وتوفرى مصاريفك. فذهبت.


المشروع يتوسط صحراء تقترب من مدينة مطروح، يقولون هنا إن هذا المشروع الضخم سوف يصبح يومًا ما مجمعا سكنيا وتجاريا باهظ الثمن، لذلك يحتاج لكل أنواع الموظفين، ومن ضمن هذه الأنواع الكثيرة عامل، أو عاملة، للبوفيه، كى يخدم المشروع كله، ابتسمت متخيلة نفسى وأنا أحكى لكل من يعرفنى أنى أسهمت فى هذا المشروع، أسهمت من البوفيه، أنا عاملة البوفيه، أصنع القهوة والشاى والطعام الخفيف وباقى المشروبات طول اليوم، وهذا بمرتب معقول مع بقشيش حلو، ونظرات جارحة وكلمات خاطفة ولمسات مهينة فضلا عن وعود كاذبة وزيارات غير مرغوب فيها من البعض، ربما لأنى الفتاة الوحيدة فى مشروع يكتظ بالرجال، وربما لأنى لستُ جميلة!

عادة ما ينظر البعض للمرأة قليلة الجمال على أنها متاحة وعليها أن تحمد ربنا أنه بص لها، أنظر للمرآة فأجد وجهى شاحبًا وعيناى واسعتان أكثر من اللازم ومن غير جمال، فهما جاحظتان وأبدو كعجوز تنتظر الموت، جسدى هزيل نحيل يخلو من الأنوثة إلا قدماى، فهما أجمل ما أملك، هذا ما أخبرتنى به أمى يوما: رجلك ملفوفة زى عمتك.

أشعر الآن بالدفء، نعم مجرد تذكر أمى يمنحنى هذا الدفء، فقد ورثت منها كل شيء إلا جمالها وسحرها وعذوبة كلامها، كان إرثى الأكبر من جدتى لأبى، التى حولت حياته إلى جحيم عندما تزوج أمى الجميلة، لأنها كانت تظن أن الجميلات لا يفعلن شئيا سوى الدلع، وكانت تقول له: بكرة تخلف لك بنت حلوة زيها تبوظ سمعتك ويمشى معاها الشباب. ثم جئت أنا وجاء بعدى بأعوام كثيرة أخوان، صغار هما الآن، ولكنهما فى جمال أمى.

تعاملت أمى معى على أساس أنى بنت حلوة تخاف عليّ تنهر من يتنمرون بى، لذا فهى كل حصونى فى الدنيا، عندما أجمع مبلغا من المال سوف اشترى لها خاتما من الذهب، أراها الآن وهى فرحانة به وبى.

الباب الآن يدق، نقرات خفيفة، أظنها لسالم عامل اليومية، الذى جاء منذ شهر، فى بداية وجوده تعامل معى بلطف وكأنه يعرفنى، لكننى شعرت أنها شفقة، شقفة من يرى بنتا صاحبة حظ سيئا وجمال محدود وعمل شاق، فسرتها هكذا حتى لا تكسرنى هزيمة جديدة من هزائم الأيام لو تعلقت به، يومًا شعرتُ أن ماهر ابن الجيران يعاملنى برقة ظننت أنه يحبنى وتعلقت به إلى أن عرفت من صديقة لى أنه يشفق على.

صدقتها، لأن كلامها أقرب للحقيقة ولأنه بعد ذلك خطبها.

سالم دائما ما يطيل الحديث معى ويقترب عندما يخلو المكان للاحتكاك بى، عادة لا أرد عليه ولا أمنعه، وعادة ما تثير احتكاكته المتكررة أحساسى بأنى أنثى، رغم أنه يفعل ذلك لغياب الأنثى عن المكان، كما قال المهندس بيشوي: المكان هنا ناشف أوى، ولا ستات ولا حياة ولا أماكن الواحد يقعد فيها ده غير البرد.

كان يقولها وهو ينظر نحوى ليؤكد لى أننى لستُ مطمعًا، كما قالها قبله شقيق جارتنا الذى جاء لى بفرصة العمل هذه وهو يهمس لأبي: لا مؤاخذة يا عمى بنتك مش مطمع يعنى، وأهى تساعد فى اليومين دول.

أشعر الآن أن لدى رغبة فى فتح الباب لسالم لماذا لا أترك نفسى تفعل ما تريد ربما لو رأى ساقى الملفوف لشعر أن لدى ما يستحق، أرفع عنى الآن الغطاء وأتخفف من ملابسى وأضع قطرات عطر من زجاجة تحتضر، سريعًا، وأمشى نحو باب الغُرفة، سوف أتدلل وأنا أقول: عايز ايه يا سالم؟ سوف أتمايل وأفرد شعرى، لن أدعه يقول بعد اليوم: مفيش حريم بعد بنات بحرى.

وفتحت الباب، وجدت قطة كبيرة تجلس أمامه، نظرت فى كل اتجاه لم يكن هناك أى شخص، أغلقته ثانية وأنا ارتعد، ثم حدث النقر الخفيف مرة أخرى، أسرعت هذه المرة لأجد القطة هى من تقوم بهذا النقر عندما تكور جسدها بحثًا عن الدفء، أدخلتها وأنا أرتجف فتمسحت فى قدمى وهى تموء، أغلقت الباب، كسرت المرآة، أغلقت أزرار قميصى، لفحنى صقيع مر، وبالكاد أخذت القطة فى حضنى وبكيت.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق