رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أطلق عليه قديما «جبر الخليج» وارتبط بـ « الحجة الشرعية»
احتفالات المصريين بـ « وفاء النيل».. تعطيل المصالح الحكومية وإطلاق المدفعية.. و«بلوتارك» وراء خرافة «العروس»

دعاء جلال
«العقبة» تحمل المصريين فى يوم الاحتفال بوفاء النيل

ارتبط المصريون ارتباطا لا فصام فيه بنهر النيل الذى كان ومازال رمزا ومصدرا للعطاء والرزق. كان النيل يعدهم بالخير، وكان كثيراً ما يفى بوعده، ولذلك حرص المصريون القدماء على الاحتفال بهذا الوفاء، وكان شهر أغسطس من كل عام هو الموعد المقرر للاحتفال بهذا الوفاء. فأغسطس كان محملاً بخيرات موسم « الفيضان» قديما من طمى ومياه غالية. صحيح أن النهر ومياهه كانا أحيانا يتمردان ولا يأتيان بما تشتهيه أنفس أهل «وادى النيل»، فكان ــ فى هذه الأحيان ــ يعصف الفيضان بالوادى وأهله. لكن المصرى نجح فى ترويض لحظات التمرد العاصف تلك يوم شيد السدود. وعن النيل ومظاهر وفائه واحتفال المصريين بهذا الوفاء، تأتى المشاهد التالية من نهايات القرن الـ 19 وبدايات القرن العشرين، وكلها وفقا للأهرام.


مقياس الروضة

«جبر الخليج»

«جبر الخليج» كان مسمى الاحتفال بـ «وفاء النيل» فى أواخر القرن الـ19. والخليج هنا كان يطلق على قناة المياه الممتدة من حيث سور مجرى العيون حاليا، وحتى منطقة فم الخليج إلى ميدان السيدة زينب، مروراً بمسجد الظاهر بيبرس، وانتهاء بترعة الإسماعيلية. وكان المصريون فى ذلك الوقت يقومون ببناء حاجز ترابى فى بداية الخليج الذى جُفت مياهه، حتى يأتى الفيضان ويهدم الحاجز الترابى، ولذلك أطلقوا على هذا الفعل «جبر الخليج».

سرادقات ومدفعية

وقد صار مسمى الاحتفال بعد ذلك «وفاء النيل»، بعد أن تم ردم جزء من الخليج لإنشاء خط ترام يربط بين «السيدة زينب» و«منطقة الظاهر». وفى عدد «الأهرام» الصادر بتاريخ 17 أغسطس 1898 ورد خبر عن الاحتفال وقت كان بمسماه القديم «جبر الخليج». فجاء فيه: «جرت مساء أمس حفلة جبر الخليج، وقد سارت سفينة العقبة سيرها المعتاد على قرع المدافع ونغم الموسيقى التى كانت تنشد السلام الخديوى، وفى منتصف الساعة التاسعة حضر سعادة المحافظ نائبا عن الجناب الخديوى يحفه الحرس فدخل السرادق الاكبر وكان فيه جمهور من العلماء وذوى المقامات والموظفين واستمر الجمهور فى بهجة وسرور الى ما بعد منتصف الليل».

أما فى عدد «الأهرام»، الصادر 25 أغسطس 1899، فجاء خبر الاحتفال بالمسمى الجديد له وهو «وفاء النيل»، وهذا بعض مما ورد فيه «احتفل ليلة امس بمهرجان وفاء النيل احتفالا ضم الألوف من سكان القاهرة، وكانت البداية عند الساعة 4 مساء اذ سارت العقبة من الترسانة مزينة احسن زينة تقطرها باخرة ترفرف فوقها الأعلام وتخفق الرايات، وموسيقى السوارى على ظهر العقبة تصدح باشجى الانغام، والمراكب والذهبيات تحمل بعض الاعيان والكبراء، ولما وصلوا بالعقبة الى فم الخليج اطلقت البطاريات مدافعها، وعزفت الموسيقى تخفف على نفوس السامعين اصوات المدافع، وفى الساعة التاسعة وصل سعادة المحافظ، فأطلقت المدافع ترحيبا به وحيته الموسيقى بالسلام الخديوى، ثم أديرت الحلوى والمرطبات، ثم كتبت الحجة بوفاء النيل، وسلمت لسعادة المحافظ».

وما بين عامى 1898 و1899، أوردت «الأهرام» القيمة المالية التى خُصصت لإقامة احتفال وفاء النيل. ففى عام 1898،ووفقا للأهرام: «الحكومة انقصت المال المخصص لها فجعلته مئة جنيه بدل مئتين»، أما فى عام ١٩٠٠، فجاء: «جعلت نفقة حفلة وفاء النيل 150 جنيها بدلا من 100». وكان من أهم مظاهر الاحتفال إصدار الحكومة أوامر بتعطيل عمل المصالح والدواوين فى هذا اليوم من كل عام.

وفى عام 1904 وجهت الأهرام انتقادات للحفل، وكان السبب هو حجب النيل عن الجمهور فى المكان المقام فيه الاحتفال، وهذا بعض مما جاء فى عددها الصادر فى 22 أغسطس من هذا العام: «الحفلة تتم الآن فى مكان مضروب بينه وبين النيل سور يوارى النيل عن انظار الناس، مع ان الحفلة هى حفلة النيل، فكأنهم يحتفلون بعرس لا عريس فيه، وحجب النيل المبارك عن عيون المحتفلين به ليس من الحكمة، فإذا كانوا قد ردموا الترعة التى كان يجرى إليها النيل يوم الاحتفال بوفائه، فقد كان جديرا بهم حفظا للعادة والتقليد ابقاء حوض أو بالأحرى تخصيص مكان على شاطئ النيل لاتمام الحفلة بكل رونقها».

وشهد بعض الأعوام تأجيل الاحتفال بوفاء النيل بسبب حدوث ما يمنع إقامته. فعلى سبيل المثال تم تأجيل الحفل فى عام 1902 حيث ذكرت الأهرام فى عدد 25 يوليو بأن الحفل تم تأجيله بسبب انتشار وباء الكوليرا، أما فى عام 1912 فقد تأجل الاحتفال بسبب انخفاض منسوب المياه عن 16 ذراعا، وفقاً لما جاء فى عدد الأهرام بتاريخ 18 أغسطس.


وفى أثناء كتابة الحُجّة الشرعية

حجة وفاء النيل

من أهم مظاهر الاحتفال فى عيد وفاء النيل كتابة الحجة الشرعية، وكانت من اختصاص جهة شرعية، مثل المحكمة العليا الشرعية، والتى كان يتم تكليفها بمهمة قياس منسوب المياه، فإذا وصل إلى 16 ذراعاً أو أكثر يلتزم المواطنون حينها بدفع الضرائب المفروضة عليهم، ويتم إعفاؤهم منها إذا كان المنسوب أقل من 16 ذراعاً، وقد ذكرت «الأهرام» معلومات عنها فى عددها الصادر بتاريخ 25 أغسطس 1899 «الحجة هى سجل ينبئ عن بلوغ النيل 16 ذراعا، وهى لا تتغير ولا تتبدل، وهى فى كل سنة واحدة، سواء كان النيل زائدا عن 16 ذراعا أو أقل»، وسننقل صيغة الحجة كما نقلتها الأهرام فى عدد 21 أغسطس 1920 «تحقق لنا نحن رئيس المحكمة العليا الشرعية من أخبار كل من حضرة صاحب العزة محمد بليغ بك مفتش رى الجيزة، ومن الاطلاع على ورقة المقاس المحررة لقياس فيضان النيل بمقياس الروضة بمصر، وفاء النيل المبارك ببلوغه زرعه فى هذا اليوم ثمانية عشر ذراعا وتسعة قراريط بالذراع المعتاد، وبذلك وجب جباية الخراج وأنواع الضريبة من أرباب الضياع والمزارع والأطيان والحقول، واستحقت كامل الأموال بجهة الخزينة العامرة».


نعمات أحمد فؤاد

عروس النيل

كانت الكاتبة الكبيرة نعمات أحمد فؤاد (1924-2016) من أبرز الأقلام فى الكتابة عن النيل وعيد وفائه. ومن ضمن ما كتبت، كان ذلك المقال الذى خصصته كاملا لدحض رواية عروس النيل، التى ترددت الأساطير بأنه كان يتم التضحية بها من أجل النهر العزيز.

وأبرزت ذلك فى مقالها الذى نشر فى الأهرام بتاريخ 23 أغسطس 1992 تحت عنوان «أكذوبة عروس النيل»، واستعانت فيه بآراء كبار الكُتاب والمؤرخين، وجاء فى مقدمة المقال «قصة عروس النيل خرافة تستند الى أسطورة روجها المؤرخ الاغريقى بلوتارك - خلاصتها كما زعم - ان أجبتوس ملك مصر استلهم الوحى ليهديه السبيل لاتقاء كوارث نزلت بالبلاد، فنصحه بأن يضحى بابنته، بأن يلقيها فى النيل ففعل، ثم إنه ناء بالرزء الذى ألم به، فألقى بنفسه فى النيل فهلك كما هلكت ابنته!!، وهذه الخرافة التى روجها بعض كتاب الاغريق واللاتين من بعد «بلوتارك» لم يرد لها ذكر فى الكتابات المصرية، وهى مع ذلك مصدر الأسطورة التى ذاعت فى الناس قرونا ونسج الخيال حولها من فنون الرواية والقصص ما جعل كثيرين يتوهمونها حقيقة حدثت بالفعل، حتى زعموا أن أهل مصر خاطبوا عمرو بن العاص بشأنها وما كان من رده عليهم وبطاقة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب التى بعث بها الى النيل!!»، وهذه الرواية الخاصة بعمرو بن العاص ــ رضى الله عنه ــ قد أشار إليها الدكتور حسن إبراهيم حسن المؤرخ والمتخصص بالتاريخ الإسلامى فى مقال له نشرته الأهرام فى 29 أغسطس 1929 تحت عنوان «وفاء النيل أو جبر الخليج»، وذكر أن عمرو بن العاص عندما فتح مصر، أتى إليه أهلها وأخبروه بأن النيل لا يجرى إلا بعادة يقومون بها كل عام، وهى إلقاء جارية بكر فى النيل، واستنكر عمرو بن العاص هذا الفعل وقال إن هذا ليس فى الإسلام، وبعد مرور ثلاثة شهور «بؤونة وأبيب ومسرى» ظل النيل لا يجرى قليلاً أو كثيراً، وفقاً للرواية، فأرسل عمرو بن العاص إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه يخبره بما حدث، وأن أهل مصر يستعدون للرحيل، فبعث له عمر بن الخطاب «بطاقة» وطلب منه إلقائها فى النيل، وكان هذا محتواها «من عبدالله أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد، فإن كنت تجرى من قبلك فلا تجر، وإن كان الواحد القهار هو الذى يجريك، فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك»، ويقال إنه بعد إلقاء البطاقة فى نهر النيل جرى الماء على أحسن حالاته فى صباح اليوم التالى، وفقاً للدكتور حسن إبراهيم حسن، واستشهدت الدكتورة نعمات فى مقالها أيضا برأى المؤرخ عبدالقادر حمزة، الذى استنكر ونفى هذه الرواية فى كتابه «على هامش التاريخ المصرى القديم»، وكتبت فؤاد هذا الرأى فى مقالها «هل يعقل ان النيل بقى لا يجرى قليلا او كثيرا ثلاثة أشهر، هل يمكن ان يبقى فى مصر اثر للحياة اذا جف ماء النيل ثلاثة اشهر متوالية؟ وهل من المعقول ان يجرى النيل دفعة واحدة وفى ليلة واحدة على اثر البطاقة، ستة عشر ذراعا بعد جفاف؟».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق