مابين نشوب الحريق ومحاولات الإطفاء والخروج الآمن من المكان المنكوب فترة قصيرة من الزمن، لكن خسائرها كبيرة وفادحة خاصة عندما تحصد أرواح الأبرياء. وقد تتعدد أسباب الحرائق، ومنها الماس الكهربائى المتهم الرئيسى فى الحرائق التى وقعت مؤخرا، ولكن السبب الرئيسى الذى لايمكن إغفاله فى تفاقم حجم الخسائر وزيادة اعداد الضحايا، هو عدم الوعى بخطط الإخلاء الآمن والتدريب عليها التى تعد ثقافة غائبة، وكذلك عدم الالتزام بالصيانة الدورية للوسائل الخاصة بالإطفاء أو الأجهزة الكهربائية، وعدم تطبيق أكواد الحريق بالمنشأت.
فى السطور التالية ندق جرس الإنذار عن ضرورة تطبيق شروط الحماية المدنية لسلامة المواطنين والممتلكات
ويعرف الدكتور رأفت شميس رئيس لجنة التفتيش على أعمال البناء ولجنة كود حماية المنشآت من الحريق - «الحماية من الحريق» بأنه منع اندلاع الحريق من البداية من خلال اختيار المواد المناسبة والأنظمة المناسبة والتجهيزات المناسبة، مع ضرورة وجود مسالك للهروب، وتصميم المبانى من مواد مقاومة للحريق لا تساعد على انتشار الحريق، ويضيف أن الكود المصرى مكون من 4 أجزاء، الجزء الأول يتحدث عن المبني، والثانى عن الأنظمة الميكانيكية المطلوبة، والثالث عن الكهرباء والإنذار، والرابع عن المكافحة، مشيرا إلى أن الكود المصرى يهتم بكيفية الخروج الآمن للأفراد فى وقت محدد أثناء الحريق بالإضافة لكيفية المكافحة.
وينبه الى أن ترخيص أى مبنى يتوقف على طبيعة عمله فهناك بعض الإشغالات تحتاج رخص تشغيل تجدد سنويا كالمصانع والفنادق والورش والمستشفيات، ولها اشتراطات وتحصل على الترخيص من الحماية المدنية بعد التأكد من أن الأنظمة والمخارج سليمة ويتم التفتيش عليها مرة كل عام، للتأكد من سلامة الأنظمة، وهناك منشآت تحصل على رخصة مرة واحدة كالمبانى السكنية.
أسس تصميم واشتراطات التنفيذ لحماية المنشآت من الحريق وكود حماية المنشآت من الحريق يوضحها د.شميس، بأن «الإشغال النوعي» هو الأساس، يليه إشغال المباني، أى «وظيفة المبني» سواء إشغالا سكنيا أو فندقا أو مصنعا أو مدرسة أو قاعة متعددة الأغراض ومولات تجارية، لذلك الكود مصمم حسب وظيفة المبانى على مستويات أ , ب ,ج , د, ثم حجم المبني. فكل منشأة لها اشتراطات تختلف وفقا لإشغالها، فالمدرسة مثلا داخلها فصل ومعمل وقاعة مؤتمرات ومسرح وغرفة أنشطة، ولكل منها ظروف تشغيل معينة وإشغال محدد ومكونات داخلية، فالمعامل قد يكون بها مواد قابلة للاشتعال، والقاعة قد يشغلها 100 فرد وداخل الفصل 30 تلميذا على الأقل،
ويقول إن كود حماية المنشآت من الحريق ينظم كيفية الخروج الآمن من حيث وجود بدائل للهروب الآمن، حيث يطالب باشتراطات محددة بالمبانى الجديدة وكذلك القائمة، فيجب وجود علامات إرشادية مضيئة أو غير مضيئة توجهك الى كيفية الخروج من المبنى طبقا للكود وتطالب بها الحماية المدنية، ففى وقت الحريق لا نستطيع الاعتماد على المواطن العادي، وقد أقر قانون العمل المصرى بتدريب 25 % من العاملين على طرق التعامل وقت الحريق.
ممرات آمنة
كيفية الخروج الآمن فى حالة حدوث حريق يجب أن تتوافر فى أثناء تسليم رسومات المشروع وفقا لكلام طلعت البهلول خبير السلامة والصحة المهنية، مؤكدا ضرورة وجود ممرات آمنة بها عدد من سلالم الخروج طبقا لحجم أعداد الموجودين بالمنشأة، بالإضافة لوجود أبواب طوارئ للخروج إلى جانب الباب الرئيسي، ونقاط تجمع بعيدة عن المكان يتم الهروب إليها .
ويضيف: تقابلنا مشكلة كبيرة جدا الآن بكود الحريق والمباني، أن كل أسلاك الكهرباء بها «أرضي» بالإضافة لضيق عرض السلم بالكثير من المنشآت، لذلك لدينا كم كبير من المبانى والمنشآت أنشئت بدون احتياطات السلامة والصحة المهنية، ولتقليل الحرائق يجب رفع وعى ثقافة السلامة للمواطن البسيط داخل المنشاة والمنزل والسيارة والمنطقة السكنية، من خلال الدورات التدريبية والإعلام، وللأسف لا يوجد أهتمام بثقافة السلامة فى المجالات المختلفة.
ويرى أن مصطلح «ماس كهرباء» الذى يشار إليه بأنه المتهم الرئيسى فى الحرائق يرجع لكون الأسلاك بالمنزل قد تكون مغشوشة أو ضعيفة ذات أحمال قليلة أو بها وصلات، بالتالى بعد فترة يحدث سخونة نتيجة للأحمال الزائدة مما ينتج عنها الاشتعال، أما المنشآت سواء كافتيريا أو دور عبادة أو منشآت صناعية أو عامة أو خاصة، يجب ألا يوجد بها هذا المصطلح فلديهم إدارة صيانة وإدارة عمليات وتفتيش وقائى وكهرباء وسلامة ومكتب استشارى للإشراف فكيف يحدث ماس كهرباء؟ لذلك فإن ما نشهده الآن من حرائق، يأتى تحت مسمى «إهمال».
ويطالب بوجود إدارة للصيانة تعرف كيف تتعامل مع زيادة الأحمال للمنشأة، فالمعالجة تأتى من خلال الكشف على كل أسلاك الكهرباء والكابلات عن طريق «الكاميرات الحرارية» التى تقيس درجة حرارة السلك داخل الحائط بالإضافة لإمكانية رؤية الأحمال الموصلة بـ «الفيشة» لأن عن طريقها نستطيع معرفة خط سير الكهرباء وتحديد أى كابل به ارتفاع فى درجة الحرارة عن الحد المسموح به، لإمكانية التدخل السريع لإنقاذ الموقف وتلافى حدوث اضرار.
ويوضح أن الخطورة تكمن فى أنه لا أحد يشترى «الكاميرات الحرارية» لارتفاع أسعارها رغم أنها تحمى المبني، وإذا حدث اشتعال فإن حجم الخسائر لا يقارن بثمن الكاميرا.
ويشدد على ضرورة التفتيش على مولدات الكهرباء، فقد ثبت فى بعض الحوادث الأخيرة أن أحد المولدات ظل يعمل حتى بعد مجيء الكهرباء فزادت الأحمال فحدث الحريق، فبدون صيانة تحدث الكوارث.
وكشف البهلول عن أنه تم تسجيل 50 ألف بلاغ حريق العام الماضي، بزيادة 15 ألف حريق عن عام 2020 فالمجهود على رجال الحماية المدنية كبير ورغم تدريبهم على كيفية اقتحام الأماكن فإنه تواجههم مشكلة ضيق الشوارع خاصة بالعشوائيات، فالشوارع لم تؤهل لدخول سيارات المطافئ الكبيرة، ويجب مراعاة تلك المشكلة فى أثناء إعداد خطة حركة سيارة إطفاء، بالإضافة لعدم وجود شبكة مياه بالمناطق العشوائية ، فتجد المطافئ تغذى السيارات وتنكات المياه، فلو كان الحريق كبيرا سيطلبون الدعم بسيارات كثيرة.
خطة الإخلاء
اللواء على الشال مدير إدارة الإطفاء فى المنشأة البترولية وخبير حريق فى الهيئة المصرية للتأمين ومدرس فى معهد الحماية المدنية يشرح كيفية الخروج الآمن من موقع الحريق، موضحا أن خطة الإخلاء يجب أن توضع وفقا لدراسة مسبقة تشمل الوقوف على عدد الأشخاص المتوقع تواجدهم بالمكان وتحديد عدد مسالك الخروج وإذا كانت كافية أم لا، وتشمل الخطة تدريب الأشخاص فى المواقع أو المنشأة على عدم التدافع وعلى الخروج الآمن أثناء الحريق.
مولدات الخطر
هناك خطوات أمان يجب اتخاذها للوقاية من اندلاع الحريق ينصح بها اللواء علاء عبد الظاهر مدير الحماية المدنية بالقاهرة سابقا، وهى توافر الاشتراطات الأمنية من تراخيص أمن وسلامة للجهة المانحة للبناء، ولابد من وجود عدد كاف من طفايات الحريق فى المبانى القديمة التى لا يوجد بها أى إنذار للحرائق، مع الأخذ فى الاعتبار أن مولدات الكهرباء فى منتهى الخطورة وعامل رئيسى فى نشوب الحرائق، حيث يجب أن تمر بمراحل صيانة دورية كل ثلاثة أشهر على الأقل مع عدم وضع المولد الكهربائى فى مكان مغلق أو مكان معرض لحرارة الشمس بشكل مباشر، بالأخص فى أيام درجات الحرارة المرتفعة فى فصل الصيف مثل شهر أغسطس، حيث تزداد فيه الحرائق بشكل ملحوظ كل عام.
مسالك الهروب
ويشرح اللواء ممدوح عبدالقادر رئيس الحماية المدنية بالقاهرة سابقا، ضرورة وجود مسالك الهروب فى أى مبنى سكنى أو تجارى أو دور عبادة أو حتى أى تجمعات لأن التدافع فى الخروج والهلع يسببان الإصابات وحالات الوفاة، لذلك لابد أن نضمن الخروج الآمن أولا، ثم أثناء الحريق يجب النوم على الأرض لأنه يوجد فاصل بين سطح الأرض وتصاعد الدخان لمسافة آمنة حوالى ١٠ سم حتى نتفادى استنشاق ثانى أكسيد الكربون ولا نكون على نفس مستوى الدخان، ووضع أى شيء من الملابس على الأنف والفم كستار أو فلتر، وإن أمكن تكون مبللة بالمياه لتخفيف استنشاق الدخان، ثم الزحف على البطن بشكل منتظم لأن الأخطر فى حوادث الحريق هو الدخان المتصاعد الذى ينتشر فى أرجاء المكان بسرعة شديدة دون رؤيته ويكون مميتا عند استنشاقه يزيد من حالات الوفاة.
رابط دائم: