رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أنشأها «الملك فؤاد» عام 1922
مدرسة تحسين الخطوط الملكية تاريخ من الفن الجميل

سهير عبدالحميد
مدرسة تحسين الخطوط الملكية تاريخ من الفن الجميل

«خليل أغا» كبير الأغوات فى قصر الوالدة باشا «خوشيار هانم»، المشرف على تنفيذ مسجد الرفاعى، الحاكم بأمره فى الحرملك، الرجل الذى أمر بجلد عبدالله النديم وطرده من عمله بمكتب التلغراف، صاحب النفوذ والصيت والغنى الذى تقرب منه الباشوات والبكوات تقربا للقصر وساكنيه.

لكن التاريخ لن يخلد خليل أغا لكل ما سبق. بل سيظل اسمه مقترنا بالمدرسة التى أسسها فى ديسمبر 1869 م لإيواء البنين الأيتام وتعليمهم، فى الموقع نفسه الذى توجد به حاليا إدارة الأزهر الشريف. تلك المدرسة استضافت عام 1922 مدرسة «تحسين الخطوط الملكية» التى أنشأها الملك فؤاد وأصبحت تعرف باسم مدرسة

«خليل أغا». ثم انتقلت فى عام 1930 إلى مبناها الحالى فى شارع فاروق الأول «الجيش» لتكون البوتقة التى تخرج فيها فنانو الخط العربى فى العالم أجمع ولتحفظ لمصر ريادتها فى هذا الفن.


‎بردة البوصيرى مخطوط من العصر المملوكى


لكن المدرسة الآن المبنى والكيان تحولت إلى أطلال تستحق البكاء عليها، فأحوال المدرسين رديئة وظروف التدريس من فصول وإضاءة ومقاعد بالغة السوء، والمبنى تم تجديده بما أساء إلى مكوناته المعمارية التراثية واختبارات القبول أصبحت تجرى بالقلم الجاف. باختصار أضحى حاضر المدرسة يسىء إلى ماضيها العريق كمنارة للخط العربى فى العالم الإسلامى.



أوس الأنصارى: ترميم المدرسة أساء إلى مكوناتها الأثرية والمصريون سبقوا الأتراك فى الارتقاء بالخط


أوس الأنصارى

بدأت مصر تمارس دورها فى تطوير الخط العربى منذ الفتح الإسلامى؛ بوصفه الفن الذى اكتسب خصوصيته من السماء عندما قرنت السماء بين الخط والكتابة فى أول ما أنزل من آيات «اقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم».

أوس الأنصارى المشرف الفنى على مدرسة الخطوط العربية والأستاذ بقسم تحقيق التراث بمعهد الدراسات والبحوث العربية يؤكد أن الخط تطور فى مصر على مدى 800 سنة منذ دخول الإسلام وحتى نهاية عصر المماليك. وبفضل أحمد بن طولون الذى جعل حكم الدولة العباسية فى مصر اسميا، فأصبحت فى القاهرة نسخة ثانية مستقلة من الفنون والآداب الإسلامية بعد انهيار بغداد معقل الخلافة العباسية على يد التتار، فنشأت المدرسة المصرية فى الخط على يد الخطاط «طبطب»، حتى قيل إن لابن طولون خطاطا ليس لأمير المؤمنين فى بغداد مثله.

وفى كتاب صبح الأعشى «صناعة الإنشا» دراسة مستفيضة عن الخط وشرح لآراء ابن مقلة وغيره من الخطاطين المصريين. ووضع محمد بن حسن الطيبى للسلطان الغورى كتاب «محاسن جمع كتابة الكتاب» فى شرح ونقد الكتابة العربية تقتنيه تركيا الآن. وفى العصر المملوكى ظهر عبدالرحمن الصايغ بفكرة منح الإجازة فى الخط، فتم اختراع «خط الإجازة» وهو الخط الذى يكتب به الأستاذ الشهادة لتلميذه بعد أن يكتب التلميذ اسمه فى الشهادة نفسها وخط الإجازة خط وسط بين النسخ والثلث المقصود منه عدم إجراء مقارنة بين خط الأستاذ وتلميذه على شهادة الإجازة. وقد تعلم على يد «عبدالرحمن الصايغ» خير الدين المرعشلى أستاذ حمد الله بن الشيخ رأس المدرسة التركية فى الخط وكانت هذه إحدى الطرق التى انتقل بها الخط من مصر إلى تركيا.

ويؤكد الأنصارى أنه لما انتقلت الخلافة إلى استانبول لم تنقطع المدرسة المصرية. ولما تولى الخديو إسماعيل استقدم بعض الخطاطين الأتراك لكتابة الخطوط فى المساجد والقصور، ومن أبرزهم عبدالله بك زهدى صاحب خطوط الحرمين الشريفين الذى قام بالتدريس فى المدرسة الخديوية وتتلمذ على يديه جيل من الخطاطين المصريين، وحدثت نهضة خطية مصاحبة لإنشاء كلية دار العلوم ومدارس الخط أشهرها مدرسة الشيخ صالح أبو حديد فى السيدة زينب وفيها تعلم أحمد شوقى. وبمنتهى الإحساس بالمرارة يؤكد الأنصارى أننا لم نستطع الحفاظ على مجد تلك المدرسة؛ ففى عام 2011 أصدر محمد زكى بدر لدى توليه وزارة التربية والتعليم قرارا بإلغائها. ورغم التراجع عن القرار بعد الثورة فإن الدراسة عادت برواتب مهينة للغاية؛ ففنانو الخط الذين نالوا جوائز عالمية يحصلون على خمسة جنيهات نظير الحصة الواحدة. ولولا حرص المدرسين على بقاء المدرسة لأغلقت أبوابها منذ سنوات. بينما تم رفع المصروفات على الطلاب الوافدين من آسيا الذين يدرسون فى الأزهر الشريف بموجب منح.

إضافة إلى ذلك فإن مبنى المدرسة نفسه تم انتهاكه تحت مسمى التجديد منذ بضع سنوات بما أساء إلى مكوناته الأصلية ومنها نزع الزجاج البلجيكى واستبدل به زجاج حديث.



الفنان أحمد فهد: لم يتبق من المقتنيات النادرة بالمدرسة إلا 4 لوحات
خط الأستاذ «حمام» أنقذ «الأهرام» بمانشيت «كيندى»



أحمد فهد


قال ابن خلدون فى مقدمته «الخط هو ثانى مرتبة من مراتب الدلالة اللغوية، وجودة الخط تدل على مدى التقدم والعمران والحضارة».

من هذا المنطلق يتحدث الخطاط أحمد فهد المدرس بمدرسة تحسين الخطوط الملكية عن الواقع الأليم الذى يعيشه الخط العربى حاليا بعد إهماله فى المدارس وتراجع اهتمام الدولة به حتى مدرسة تحسين الخطوط أصبحت فصولها خربة والمقاعد بها شبه محطمة.

ويمتلئ صوته بالأسى وهو يسترجع ما رواه له مدرسوه الكبار عن تلك الأدوات الفاخرة التى كانوا يتسلمونها من المدرسة فى عز مجدها من أوراق وأقلام البسط الإيرانى، وكانت المقاعد الخشبية ذات فتحة مستديرة توضع بها حبارة خزف يقوم فراش المدرسة بملئها يوميا للتلاميذ، فقد كانت المدرسة تحت رعاية الخاصة الملكية منذ عام 1935 فاهتمت بالمدرسة اهتماما يليق بدور الخط فى الدواوين والعمائر, ويرى أحمد فهد: أن الخط لا يزدهر إلا فى ظل رعاية الدولة وهو ما حدث بالفعل فى ظل الدولة العباسية ثم العثمانية التى كان معظم سلاطينها يجيدون الخط العربى، فكان السلطان مصطفى خان يمسك بالمحبرة لأستاذه الحافظ عثمان «وهو من أبرز الخطاطين الأتراك فى كتابة المصحف الشريف». ويضيف فهد أن الخط العربى فى مصر نال اهتمام أسرة محمد على رغم أن العمارة الأوروبية كانت السائدة، لكن الخط كان يوظف داخل العمائر؛ فهناك خطوط رائعة فى سبيل أم عباس، وجامع الرفاعى نفذها عبدالله زهدى، وفى قصر المنيل حيث استدعى الأمير محمد على رئيس الخطاطين التركى أحمد كامل، لتنفيذ الكتابات العربية الخاصة بمسجد القصر. لكن الاهتمام بالخط تراجع فمثلا فى التسعينيات رفض الشيخ جلهوم إمام مسجد السيدة زينب، تسلم المسجد بعد التجديد بسبب رداءة الخطوط الحديثة التى تمت إضافتها. ويؤكد فهد أنه لم يعد فى مدرسة «خليل أغا» إلا 4 لوحات نادرة لكبار الخطاطين داخل المكتبة حيث اختفى الباقى، مشيرا إلى وجود متحف صغير نسبيا للخط فى مكتبة الاسكندرية بينما يوجد قرار فى الأدراج بإنشاء متحف خاص للخط العربى لكنه لم ينفذ.

ما أنواع الخطوط التى تدرس فى مدرسة تحسين الخطوط حاليا؟

الدراسة لمدة 6 سنوات وفى السنوات الأربع الأولى يتم تدريس 5 خطوط رئيسية: الثلث، النسخ، الديوانى، الفارسى، الرقعة. بالإضافة إلى الزخرفة. وفى سنتى التخصص يدرس الطالب: الكوفى الفاطمى والكوفى المصحفى إلى جانب التذهيب. يعد الثلث «أبو الخطوط» وهو الأصعب فى عملية التعلم والأجمل الذى تكتب به المساجد.

حدثنى عن توظيف الخط حاليا فى ضوء تراجع استخدامه فنيا فى العمائر وفى المعاملات الرسمية بعد ظهور الكمبيوتر؟

كان للخط فيما مضى أداء فنى فى العمائر والبيانات ودور وظيفى تجسد فى دواوين الحكومة وهو مازال مستخدما فى ديوان الرئاسة كتقليد متبع فى كتابة تكليفات الوزراء وغيرها بنفس نوعية الخط التى ابتدعها «غزلان بك» وهى الخط الديوانى وهو أحدث أنواع الخطوط فعمره لا يتجاوز 200 سنة. لكن دور الخط تراجع فى الصحافة بعد أن كانت تكتب به مانشيتات الجرائد، فالأهرام مثلا كان بها 40 خطاطا لم يتبق منهم سوى واحد فقط. وأذكر كيف أنقذ الخط الأهرام من موقف محرج حين اغتيل كيندى وكانت طبعة الأهرام قد صدرت فقام الأستاذ محمد حمام بكتابة مانشيت اغتيال كيندى بين العنوانين الأول والثالث بطريقة جمالية تنطق بروعة الصنعة.

كيف تقيم عملية تدريس الخط العربى بصفة عامة وفى مدرسة «خليل أغا» بصفة خاصة؟

مدرسة «خليل أغا» هى الأقدم. وفى الستينيات تم إنشاء مدرسة السعيدية وبعدها مدرسة باب اللوق. ثم قام محمد إبراهيم بإنشاء مدرسة فى الإسكندرية أوائل الستينيات وكانت له علاقات مع شخصيات كبيرة منها عبدالناصر والسادات وأم كلثوم والحبيب بورقيبة وأنور وجدى، استغلها فى أن جعل للمدرسة شهرة كبيرة.


صلاح عبدالخالق


صلاح عبدالخالق سكرتير الجمعية المصرية للخط العربى: شيوخ الخط بالعالم يتباهون بتخرجهم فى «خليل أغا»
طلاب الأزهر الآسيويون الأكثر إقبالا على تعلمه


الخطاط صلاح عبدالخالق أستاذ الخط الكوفى بمدرسة خليل أغا وسكرتير الجمعية المصرية للخط العربى، كتب خطوط مسجد «تولوز الكبير» بفرنسا، ويعمل حاليا كخطاط بجريدة الجمهورية، يرى أن عراقة المدرسة المصرية فى الخط العربى أمر لا يحتمل النقاش، وهو ما أدى إلى إقبال الأجانب على تعلم الخط العربى فى مصر تحديدا، بل إن شيوخ الخط فى العالم العربى يتباهون بأنهم تخرجوا فى مدرسة «خليل أغا» لتحسين الخطوط.




ولا يخفى الفنان صلاح عبدالخالق أن مستوى الإقبال من المصريين على تعلم الخط قد تراجع بعد إلغاء حصة الخط العربى فى المدارس، ليقتصر وجودها على المعاهد الأزهرية فحسب، وهو ما جعل المدرسة التركية فى صدارة المشهد، حيث يهتم الأتراك بالخط العربى وينظمون له العديد من المسابقات، والمفارقة أن معظم من يفوزون بتلك المسابقات خطاطون مصريون. ويشير عبدالخالق إلى وجود نحو 240 مدرسة مسائية لتعليم الخط تابعة لوزارة التربية والتعليم، الدراسة فيها لمدة أربع سنوات ينال بعدها الدارس دبلومة فى الخط العربى، تليها دبلومة تخصص وتذهيب لمدة عامين. أما دارسو الخط العربى من الأجانب، فمعظمهم يأتون من دول شرق آسيا لأنهم طلاب علم فى جامعة الأزهر. كما يقبل أيضا على تعلم الخط العربى طلاب الفنون الجميلة والمحبون لكتابة القرآن الكريم.

وعلى الرغم من عدم إجادة بعضهم اللغة العربية، فهم يتعلمون الخط العربى بسرعة حتى إن الدبلومة التى قد تستغرق للطالب المصرى أربع سنوات، يحصل عليها الطالب الأجنبى فى أربعة أشهر لأنهم يريدون دورة مكثفة تمكنهم من دراسة الخط العربى فى فترة زمنية وجيزة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق