رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«عبء الديون» يهدد استقرار باكستان

إعداد ــ هدير الزهار
مظاهرة ضد التضخم وارتفاع أسعار الوقود فى مدينة روالبندى الباكستانية الشهر الماضى

ارتفاع الأسعار.. انعدام الأمن الغذائي.. وعبء الديون المتزايد.. ثلاثية التحديات التى باتت تؤرق وتهدد مستقبل إسلام أباد. فقد دخلت باكستان فى دوامة الاحتضار السياسى والاقتصادى التى يمكن أن تدفعها من فوق الجرف مثلما حدث مع سريلانكا، حيث يهدد الصراع الداخلى وعدم الاستقرار الإقليمى فى ظل تذبذب واضطراب الوضع العالمى بقاء الدولة.

كافحت باكستان للتعافى من وباء كورونا ولاتزال تكافح مع عودة ارتفاع نسبة الإصابات، لكنها باتت تواجه تحديات أكبر تهدد حياة جميع مواطنيها على غرار ما واجهته سريلانكا قبل انهيار حكومة الجزيرة وسط تضخم وصل لنسبة 50 فى المائة، ونقص الغذاء والوقود والأدوية، فضلا عن انقطاع التيار الكهربائي. فقد شهد مايو الماضى أول إخفاق فى سداد فائدة على قرض أجنبي، فالقروض التى تحصل عليها باكستان من الأصدقاء الأجانب والمقرضين متعددى الأطراف تعد بمثابة تغذية بالتنقيط وأشبه بالحقن الطارئ.

بعض المشاكل الاقتصادية فى باكستان داخلية بل إنها من صنع الذات، حيث فشلت الحكومات المتعاقبة فى تعزيز الصادرات التى من شأنها أن تفيد الطبقة العاملة لتحقيق التوازن مع الواردات عالية الجودة للنخبة العسكرية والسياسية.

أما عن الأسباب الخارجية.. فقد تسبب الغزو الروسى لأوكرانيا فى إضعاف الإمدادات الغذائية العالمية، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار، كما أدى إلى اختناق إمدادات الطاقة، مثل الغاز الطبيعى والنفط. وذلك إلى جانب الزيادات الأخيرة فى أسعار الفائدة، التى أضافها مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكي، والتى تسببت فى مزيد من الضغط على باكستان.. فقد سجلت الروبية الباكستانية أدنى مستوى لها على الإطلاق مقابل الدولار الأسبوع الماضى بعد أن رفع بنك الاحتياطى الفيدرالى سعر الفائدة الرئيسى بمقدار 75 نقطة أخرى، وهى خطوة تهدف لترويض التضخم المحلي. لكن بالنسبة لباكستان والاقتصادات النامية الأخرى، فإن المعدلات المرتفعة تخفض قيمة العملة وترفع تكلفة خدمة الدين وتؤدى إلى الغضب العام.

فالغضب يتصاعد بين مواطنى باكستان بوتيرة سريعة حيث يتجاوز التضخم 38 % سنويا، ويتجاوز الدين السيادى الآن 250 مليار دولار، كما أعلن البنك المركزى الباكستانى أن الديون الخارجية والمدفوعات الأخرى خفضت احتياطيات النقد الأجنبى إلى أقل من 9 مليارات دولار، وهو ما يكفى لستة أسابيع فقط من الواردات، كما خفضت إحدى وكالات التصنيف الائتمانى الكبرى التوقعات طويلة الأجل لباكستان إلى «سلبية». ورغم تأكيدات وزير المالية الباكستانى، مفتاح إسماعيل، بأن الحكومة لن تجمد أو تصادر العملات الأجنبية إلا أن بعض الباكستانيين تهافتوا لسحب الدولارات من البنوك المحلية.

وربما يبرر ذلك ما قام به قائد الجيش الجنرال قمر جاويد باجوا، الذى يشار إليه غالبا على أنه أقوى رجل فى باكستان، اتخاذه خطوة غير عادية بالاتصال بواشنطن لطلب المساعدة فى إقناع صندوق النقد الدولى بخرق البروتوكولات الخاصة بالإفراج العاجل عن الأموال.

فقد طلب الجنرال باجوا من ويندى شيرمان، نائبة وزير الخارجية الأمريكية، حث صندوق النقد الدولى على الإفراج عن 1.2 مليار دولار على الفور، وليس بعد اجتماع مجلس الإدارة فى أواخر أغسطس الجارى للموافقة على قرار تم اتخاذه بالفعل. وقد أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية المكالمة ولكن ليس محتواها.

هذه الأموال، البالغ قيمتها 6 مليارات دولار، جزء من الصندوق الممدد التابع لصندوق النقد الدولى واتفاقية الإنقاذ لعام 2019. وكان الإفراج عن 1.2 مليار دولار معلقا بسبب مخاوف صندوق النقد بشأن الإشراف الاقتصادى لرئيس الوزراء السابق عمران خان. فخلال توليه المنصب على مدى أربع سنوات، عزل خان الولايات المتحدة ومؤسسات الإقراض متعددة الأطراف واستخدم «الإسلاموية» كمنصة شعبوية له. وأطيح بخان فى أبريل الماضى من خلال تصويت بحجب الثقة فى البرلمان، وسرعان ما ألقى باللوم فيه على مؤامرة أمريكية.

وقد تحدث شهباز شريف، وهو خليفة خان، إلى واشنطن بشأن خطة الإنقاذ من صندوق النقد الدولي، وتفاوض بشأن مليار دولار إضافية لأخذ حزمة تصل إلى 7 مليارات دولار، وأطلق إصلاحات لتلبية شروط صندوق النقد الدولى لدعم الميزانية، بما فى ذلك إلغاء دعم الوقود، والذى تسبب فى ارتفاع الأسعار بنسبة 17٪. ومن جانبه، حاول عمران خان تسخير الغضب الشعبى اللاحق لاستعادة شعبيته من أجل الترشح فى الانتخابات المقرر إجراؤها فى أكتوبر 2023.

وقال حسين حقاني، السفير الباكستانى السابق فى واشنطن، والذى يعمل الآن فى معهد هدسون: «إن مكالمة باجوا الهاتفية تعكس مخاوف الجيش الباكستانى بشأن الوضع الاقتصادى للبلاد». لذا يجب أن يسلط تدخل باجوا الضوء على حجم المشاكل الباكستانية، خاصة أنه فى الوقت الذى ينهار فيه الاقتصاد، يتعرض الأمن لخطر كبير بسبب الصراعات الانفصالية والإرهابية فى أجزاء مختلفة من البلاد. فمنذ استيلاء طالبان على أفغانستان المجاورة العام الماضي، تم إحياء حركة طالبان الباكستانية، وشنت هجمات إرهابية مدمرة ضد باكستان. ويجرى الجيش الباكستانى حاليا محادثات مع حركة طالبان باكستان - التى توسطت فيها حركة طالبان الأفغانية - بعد أن قصف الجيش الباكستانى مواقع حركة طالبان الباكستانية داخل أفغانستان هذا العام. كما تتعامل باكستان أيضا مع حركة انفصالية فى بلوشستان، وهى منطقة شاسعة متاخمة لإيران وأفغانستان حيث تقاتل الجماعات المسلحة بها من أجل وطن مستقل.

لكن الأزمة الاقتصادية قد تكون الأكثر إلحاحا حيث ذكرت وسائل الإعلام المحلية أن التزامات الديون السيادية المستحقة على باكستان على مدى السنوات الخمس المقبلة ستكون بمقدار 50 مليار دولار، فى وقت ينتشر فيه الفقر والجوع والغضب العام. وسيكون البديل هو التخلف عن سداد القروض الأجنبية مرة أخرى، وهو نمط متكرر كثيرا فى باكستان منذ تشكيلها فى عام 1947.

وقد أصر المشرعون المحليون على أن التخلف عن السداد لن يحدث أبدا، وذلك لأن سداد القروض سيمنح صناديق الإنقاذ التابعة لصندوق النقد الدولى والمؤسسات المتعددة الأطراف الأخرى والمستثمرين الأجانب الثقة فى باكستان.

ويعتقد خبراء ودبلوماسيون أن المشكلة فى باكستان هى الافتقار إلى رؤية ومعرفة العواقب مما يعيق الإصلاح السياسي، لكن الأدهى هو أن الغضب العام من سوء الإدارة السياسية يمكن أن يترجم إلى رد فعل دينى متطرف.فعلى سبيل المثال، إذا استغل خان الغضب العام لتحقيق أهدافه السياسية والعودة للمشهد، فإن هذا من شأنه أن يعيد البلاد إلى الوراء أكثر.. وهو ما لا يريده ولا يحتاجه أحد.

رابط دائم: 
كلمات البحث:
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق