رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

خسارة إيطاليا لدراجى.. تحذير للتقدميين فى أوروبا

إعداد ــ دينا كمال

فى صيف طغت عليه الحرب فى أوروبا، والوباء وأزمة الطاقة وتكلفة المعيشة والفوضى المناخية، قررت إيطاليا أن تحذو حذو المملكة المتحدة ليصل الأمر إلى انهيار الحكومة، حيث استقال رئيس الوزراء ماريو دراجى، والرئيس السابق للبنك المركزى الأوروبى الذى يحظى بإعجاب دولي، لم يتم انتخابه ولكن تم تكليفه فى عام 2021 بقيادة حكومة وحدة وطنية مؤقتة، وهو الأمر الذى انهار مؤخرا.

وهناك ما يدعو القادة الأوروبيين الآخرين للشعور بالفزع، وشعور الإيطاليين بالارتياب. فبعد أن حققت حكومة دراجى معدلات أداء عالية، فإن إيطاليا بعد عام ونصف من الاستقرار السياسى الواضح تتجه الآن إلى انتخابات سبتمبر، حيث تتجه الأحزاب اليمينية المتشددة، بما فى ذلك حزب ما بعد الفاشية، إلى تصدر استطلاعات الرأي. ومن السهل تحديد الجناة المباشرين لانهيار إدارة دراجي: فقد قرر شركاؤه فى الائتلاف: حركة النجوم الخمسة المناهضة للمؤسسة، والرابطة اليمينية المتطرفة، بقيادة ماتيو سالفيني، وفورزا إيطاليا برئاسة سيلفيو برلسكوني، مقاطعة التصويت بالثقة على حزمة من القرارات التى من شأنها تخفيف أزمة تكلفة المعيشة، والتى واجهتها إيطاليا خلال السنوات الماضية.

ومع ذلك، فإن المشكلة ليست فى كون هذه الأحزاب أنانية وغير مسئولة عن انهيار خطط دراجي، ولكن تكمن المشكلة فى أن الحكومة التى يقودها التكنوقراط لا تعمل فى المقام الأول وأن التقدميين الإيطاليين فشلوا فى صياغة بديل لليمين قابل للتطبيق. لذا فمجرد إلقاء اللوم ما هو إلا ذريعة لمزيد من التقاعس عن العمل.

وبالرغم من مكانة دراجى الدولية فهى ليست عذراً لتجاهل أوجه القصور فى نهجه التكنوقراطي. لطالما كانت إيطاليا مطالبة دستوريًا بإجراء انتخابات برلمانية فى أسرع وقت ممكن. قبل ذلك، من الطبيعى أن تبدأ الأحزاب السياسية التى اندمجت بشكل مصطنع لتشكيل حكومة لإعادة إطلاق الاقتصاد بعد الوباء فى رفع أصواتها لتأسيس هويات مميزة مع الناخبين. فهذه هى الطريقة التى تعمل بها السياسة الديمقراطية: تمثل الأحزاب وجهات نظر مختلفة للعالم ويريد الناخبون أن يكونوا على دراية بالاختلافات.

وقد يرجع سبب إخفاق دراجى إلى أنه رفض الخضوع للضغط وتحقيق انتصارات رمزية لأعضاء ائتلافه. ففى ألمانيا مثلا، تمت الموافقة على خفض سعر الغاز لإرضاء الليبراليين فى السوق الحرة وضمان نقل عام شبه مجانى للسماح للخضر أيضًا بادعاء النصر. لذا فإن تنحية الخلافات بين الأطراف ليس وسيلة لضمان استقرار النظام، لكنها مجرد وضع غطاء فقط على الماء المغلي، ولكن حتما سيغلى القدر بما فيه.

ولكن ما سبب القلق الشديد من احتمال إجراء انتخابات فى إيطاليا الآن؟

كان هناك فشل فى توفير بديل واقعى للتكنوقراطية غير المنتخبة أو لرد الفعل اليمينى المتشدد ضدها. وفى حالة وجود مثل هذا البديل، فإن احتمالية إجراء انتخابات مبكرة لن تكون مصدرا للتهديد، ولن يضطر المعلقون الدوليون إلى الحث على منح دراجى ستة أشهر أخرى، مهما بدا ذلك مرغوبًا فيه.

وغالبًا ما يتم التغاضى عن أن اليمين الإيطالى هو تحالف مستقر إلى حد ما من ثلاثة أحزاب، فى حين أن الجناح التقدمى يشمل ثلاثة أحزاب ليبرالية على الأقل، والحزب الديمقراطى ذى الميول اليسارية، وحزب الخمس نجوم المناهض للمؤسسة، وثلاثة أو أربعة أحزاب يسارية والأحزاب الخضراء. وبالطبع العلاقات بينهما بعيدة كل البعد عن الاستقرار: فقد استخدم العديد من أحزاب الوسط حق النقض على أى تحالف مع خمس نجوم، فى حين لم ينضم العديد من أحزاب اليسار إلى الليبراليين وبعضهم حتى مع الديمقراطيين. وهذه اللعبة الطفولية المتمثلة فى حق النقض المتبادل تبقى التقدميين فى إيطاليا بعيدًا عن السلطة.

وبذل إنريكو ليتا، زعيم الحزب الديمقراطى ورئيس الوزراء السابق، جهودًا مضنية لإنشاء جبهة واسعة مع فرصة واقعية لهزيمة اليمين المتشدد فى الانتخابات. ولكن تلاشت تطلعاته .

ويعتبر ضعف التقدميين الإيطاليين مشكلة مزمنة لإيطاليا وكذلك لأوروبا. ان إدارة يمينية متشددة فى إيطاليا ستضعف الاتحاد الأوروبى فى وقت حرج من المواجهة الجيوسياسية، وهو الأمر الذى من شأنه أن يمكن القادة المتشككين فى أوروبا، مثل فيكتور أوربان أو الطامحين مثل مارين لوبان، ويضعف الإجماع على روسيا ويعيق التكامل السياسى الأعمق مع السياسات المشتركة الطموحة بشأن الدفاع أو الطاقة.

ومع ذلك، يجب علينا الامتناع عن استخدام اليمين الإيطالى كغطاء للتقاعس الأوروبي، فحتى مع دراجي، الذى تم الترحيب به فيما سبق كمنقذ لليورو، فى السلطة فى روما، والإدارات الموالية لأوروبا فى ألمانيا وفرنسا، كافحت دول الاتحاد الأوروبى للعمل معًا فى المجالات الرئيسية على الرغم من الأزمات المتقاربة. ولم تأخذ حكومات الاتحاد الأوروبي، فى الاعتبار مطالب المؤتمر الأخير حول مستقبل أوروبا، والتى تضمنت إلغاء التصويت بالإجماع وهى الممارسة التى تعطل معظم عمليات صنع القرار فى الاتحاد الأوروبى أو تمكنت من بناء سياسات دفاعية وطاقة مشتركة رغم الحاجة الواضحة والملحة لكليهما.

الحداد على نهاية حكومة محترمة دوليًا فى إيطاليا لا ينبغى أن تجعلنا ننسى هذه الحقائق: يحتاج التقدميون الإيطاليون إلى بناء بديل جاد لليمين والاتحاد الأوروبى بحاجة إلى أن يصبح لاعبًا سياسيًا حقيقيًا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق