رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«قبر الرمل»
امرأة فى مواجهة الحدود والتقاليد

هبة عبدالستار

تعد رواية «قبر الرمل» للكاتبة الهندية جيتانجالى شرى، بترجمة ديزى روكويل، أول رواية هندية تفوز بجائزة البوكر الدولية للرواية المترجمة، فى تاريخ الجائزة. وجيتانجالى شرى كاتبة هندية لها ثلاث روايات ومجموعات قصصية عديدة، ترجمت أعمالها إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والصربية والكورية، ومنذ فوزها بالبوكر هذا العام حققت الرواية زيادة مبيعات بلغت 877%. فقد تمكنت شرى من كتابة رواية جذابة ومضحكة بشكل غير عادى، مثلت احتجاجا عاجلا ضد التأثير المدمر للحدود سواء بين الأديان أو البلدان أو بين الجنسين.

 القصة تحكى نفسها. يمكن أن تكون كاملة، ولكنها أيضا غير مكتملة، كما هى. هذه الحكاية بالذات لها حدود،والنساء اللواتى يأتين ويذهبن كما يحلو لهن. بمجرد فهمك للنساء وللحدود، يمكن للقصة أن تكتب نفسها..المرأة هى قصة فى حد ذاتها، لا تحتاج القصة أبدا لتيار واحد».مع هذه السطور الافتتاحية، توفر شرى المفتاح لاحتضان روايتها.ففى مكان ما فى الهند، ترقد»ما» امرأة هندية تبلغ من العمر 80 عاما يوما بعد يوم فى سريرها،وفقا للتقاليد الهندية، بمنزل ابنها الأكبر بادى، مصابة بالاكتئاب الذى يدفعها للتخلى عن الحياة بعد وفاة زوجها. يحاول العديد من أفراد عائلتها الممتدة إقناعها بالخروج من غرفتها والعودة لممارسة حياتها، دون جدوى. ولكن بمجرد أن تقف على قدميها،تقرر «ما»الذهاب للإقامة مع ابنتها بيتى، الكاتبة البوهيمية، التى سعدت بالبداية لانتقال والدتها معها، معتقدة أنها فترة هادئة وممتعة بين الأم وابنتها، لكنها تفاجأ بالعكس، فجرس الباب لا يتوقف أبدا عن الرنين لتستغرق وقتا فى اعتياد السلوك الهندى الشائع بأن يظهر الناس على عتبة بابها فى أى وقت.

رغم حرصها على سعادة والدتها؛ تفقد بيتى جوانب مهمة من حياتها، مثل عملها وخصوصيتها وحريتها وحتى شريكها. قبل وصول «ما» إلى شقتها، تمكنت بيتى دائما من الحفاظ على الحدود من خلال الإبقاء على مسافة من عائلتها، وبعد أن أصبحت غير قادرة على القيام بذلك، تجد نفسها تتعثر، وتتساءل كيف يمكنها العودة إلى حياتها السابقة. على العكس تماما ؛ بعد أن أمضت الأم 80 عاما من حياتها فى بيئة سيطرت عليها الثقافة الذكورية والسلطة الأبوية، تقرر تحدى التقاليد والانقلاب عليها،وتغيير أسلوبها فى ارتداء الملابس، وفتح منزل بيتى للناس والأطعمة والعلاجات. تتفتح تساؤلات الهوية والبحث عن الذات مع تبدل وتغير أدوار الشخصيات، حيث يتبادلان الأدوار فتصبح الأم المتمردة أصغر من ابنتها، بينما الابنة البوهيمية المتحررة تتحول بنزعة أمومية محافظة إلى شخصية تقليدية تحاول مواجهة تمرد أمها. تكسر الأم الأغلال التى فرضها عليها المجتمع كامرأة وأرملة مسنة فتخوض رحلة من إعادة اكتشاف الذات، رحلة امرأة تتحدى كل وصمات العار والصور النمطية التى وضعها عليها المجتمع، سواء كان ذلك بسبب النوع أو الطبقة أو الدين.

الشخصية الرئيسية الأخرى هى روزى، متحولة جنسيا، وهى صديقة للأم ينظر إليها معظم أفراد الأسرة بارتياب، وحتى بيتى، الأكثر ليبرالية من بقية أفراد عائلتها، تشعر بالضيق عند زيارتها المتكررة. بعد وفاة روزى تقرر «ما» تحقيق أمنية روزى الأخيرة بالسفر إلى باكستان. تستسلم بيتى إلى عناد والدتها ورغبتها فترافقها فى تلك الرحلة إلى البلد الذى نشأت فيه على افتراض أنها دولة معادية. لكن بالنسبة إلى «ما»، إنه ماضيها، وذكريات حياتها العاطفية، وأحلامها.

تلامس الرواية هنا جراح التقسيم، وتكرم أولئك الذين عانوه، لتصبح الحكاية عن التأثير المدمر للانفصال والحدود، وأبرزها الحدود الفاصلة بين الهند وباكستان ،حيث لا تزال ندوب تقسيم الهند عام 1947 قائمة. كما تقول شرى على لسان بطلتها خلال استجواب رسمى تتعرض له: «هل تعرف ما هى الحدود؟ إنه شيء يحيط بالوجود، إنه محيط الشخص.. الحدود لا توقف شيئا. إنه جسر بين جزءين متصلين. الحياة والموت. الإيجاد والخسارة. هم مرتبطون ببعضهم البعض. لا يمكنك الفصل بينهما «، وهناك عتبات أخرى أيضا تناقش خلالها قضية الحدود، مثل الحدود بين العمر والشباب، والحياة والموت، بين المرأة والرجل.

توظف الرواية الاستعارات والاسقاطات بمهارة بداية من العنوان نفسه، فتعتبر»القصص كمقبرة من الرمال، تعيش من حياة إلى أخرى، شخصية «ما» نفسها كمقبرة من الرمال عندما تنتقل من وضعها الثابت الذى يحتضر على السرير إلى شجرة الأمنيات التى تهرب لتزدهر فى تحديها للتقاليد والحدود.

تقدم الرواية أكثر من مجرد قصة عن تأثير الحدود المادية عبر حكاية عائلة أو امرأة تحاول أن تتصالح مع الماضى والحاضر، فهى تناقش الموت والانفصال والانتماء والحب والعلاقات، وتربطها بأنماط حياتنا المتشابكة، كما تعكس الفجوة بين التقاليد والحداثة، بين الأدوار المتغيرة باستمرار للبشر، بين النسوية الجوهرية والتقدمية. مع نهاية الرواية، نفهم الطرق المختلفة التى نقيد بها أنفسنا وكيف تصبح الحدود باختلاف أنواعها ومستوياتها نموذجا أصليا للقوى المسببة للانقسام، فالهدف الذى تسعى له «قبر الرمل» هو محاولة محو الانقسامات والدعوة إلى النزعة الإنسانية المستقلة المتحررة من الأيديولوجيا أو سياسات الهوية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق