رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

د. محمد زهران أستاذ هندسة وعلوم الحاسب بجامعة نيويورك: أكبر تحد أمام علماء مصر هو «الوقت»

حوار - أشرف أمين

العائد من براءات الاختراع أكبر من أى صناعة
أمريكا والصين تتسابقان على تصنيع الحاسبات «الكمية» وهى مجال المنافسة فى المستقبل



عندما تلتقيه بأحد المقاهى ففى الغالب سيكون معه مجموعة من الكتب الحديثة فى فروع العلم أو الاجتماع أو الإدارة أتى بها من الولايات المتحدة كى يهديها لطالبها. إنه الدكتور محمد زهران أستاذ هندسة وعلوم الكمبيوتر بجامعة نيويورك ورئيس المؤتمر الدولى لتصميم الحاسبات ISCA أكبر وأهم الملتقيات العلمية عن مستقبل الكمبيوتر. وبرغم شغفه بتخصصه إلا أنه كثيرا ما يؤكد فضل الابتعاد عن الشركات التكنولوجية الكبرى واللهث وراء مكاتب براءات الاختراع حفاظا على حريته وحقه فى طرح الأسئلة المستقبلية دون تقييد خياله بمطالب الصناعة. على مدار 23 عاما من العمل الأكاديمى ونشر قرابة الستين بحثا، حرص د. زهران على أن يوجد دوريا فى مصر محاضرا أو زائرا للمكتبات. يدرك جيدا أن إلمامه بعدة لغات وقراءاته الموسوعية فى تاريخ العلم والفلسفة والإدارة والعلوم الإنسانية هى أمور بالغة الأهمية ومكملة لبحوثه عن تطور الآلة ومستقبل التكنولوجيا. قبل أيام قليلة التقيته بقسم الكمبيوتر بكلية الهندسة جامعة القاهرة وكعادته حرص على أن يتابع أكثر من موضوع فى ذات الوقت فبينما كنت أجرى حوارى معه كان يتابع ويقيم مشاريع التخرج ويتحدث مع تلميذته طالبة الدكتوراة والتى أشركها فى حوارنا كما رحب بالأساتذة وزملائه السابقين و لم ينس أن يتحدث عن الذكاء الاصطناعى والحرب الدائرة بين الصين والولايات المتحدة لتصنيع الكمبيوتر الكمى والذى سيستخدم فى فك أكواد التشفير. وإلى نص الحوار: ............

فى البداية حدثنا عن أسرتك وكيف أثرت على مسيرتك العلمية؟

أنا أنتمى لأسرة من أساتذة الهندسة، والدى رحمه الله هو د.مصطفى زهران أستاذ هندسة الاتصالات بالجامعة الأمريكية، خدم لسنوات بالقوات المسلحة وخاض حرب أكتوبر 1973. ونظرا لاهتمامهم بالتعليم والقراءة وتعلم اللغات أتيحت لى منذ طفولتى مكتبة زاخرة فى شتى المعارف بعدة لغات، وبمرور الزمن أدركت أهمية القراءة الموسوعية والتكامل بين المعارف والعلوم وأثر القراءات فى العلوم الإنسانية على الباحثين المعنيين بابتكار منتجات وخدمات مرتبطة باحتياجات الناس.

وربما أكثر المهارات التى اكتسبتها من أسرتى هى القدرة على الوقوف أمام جمع من الناس والتحدث عن أمر جديد لا يعرفونه، تلك المتعة التى تراها فى العيون بعد شرح أو تفسير موضوع ما كانت بمثابة مؤشر إلى أن طريقى سيكون فى المجال الأكاديمى لذلك حرصت بعد سنوات من التدريس والبحث على كتابة مقالات باللغة العربية عن تاريخ وفلسفة العلم وأثر السياسات والظروف الاجتماعية على مدى التقبل المجتمعى للتكنولوجيا. الأمر اللافت أننى لم أتحمس أبدا لتعلم لغة البرمجة وأثناء التحاقى بكلية الهندسة اكتشفت أن هناك تخصصا يسبق تجميع الأجهزة وتصميم البرمجيات ألا وهو تصميم الكمبيوتر، وهو التخصص الذى يسبق التصنيع وفقا لاحتياجات المستخدم فمثلا أجهزة الكمبيوتر للحسابات الفلكية تختلف تماما عن المضافة للسيارات أو الهاتف المحمول أو حتى المزودة للمراصد الفضائية.

ما هو دور مصمم أجهزة الكمبيوتر؟

مصمم أجهزة الكمبيوتر هو حلقة الوصل بين المستخدم وكل الأطراف المشتركة فى صناعة الكمبيوتر مهمته وضع التصميم الأمثل وانتقاء كل المكونات والبرمجيات المناسبة بما يحقق متطلبات المستخدم. هذا المجال أشبه بجامع قطع الفسيفساء لتكوين الصورة الكلية، المثير فى الأمر أنه فى بعض الحالات لا تتوافر الدوائر الكهربية أو المعالجات كما أريدها وهو ما يدفعنا لابتكار وتصميم تلك الأجهزة عبر برمجيات المحاكاة لقياس مدى كفاءتها قبل تصنيعها. هذا الأمر يسهم فى رسم الصورة المستقبلية لأجهزة الكمبيوتر ولولا تلك البحوث لما شهدنا التطور المذهل لأحجام الأجهزة الإلكترونية الدقيقة أو استخداماتها المتعددة فى الهواتف وأجهزة المحمول. هذا التخصص بالغ الأهمية خاصة مع كثرة وتنوع أجهزة الكمبيوتر والتى أصبحت موجودة فى جميع الأجهزة المحيطة بنا بدءا من ساعة اليد حتى الأجهزة المنزلية والسيارة وكذلك المكتبات والمصالح الحكومية. كل ما يحيط بنا الآن يمكن إدارته عبر تقنية إنترنت الأشياء، كما ظهرت نماذج السوبر كمبيوتر القادرة على حل العديد من المشكلات الحسابية خلال وقت قياسى وتتم الاستفادة منها حاليا فى عدة مجالات مثل بحوث الهندسة الوراثية والتسلسل الجينى وجمع وتحليل صور المراصد الفلكية وغيرها من المهام المعقدة. ولعل السؤال الأهم هو أن يحدد المستخدم ماذا يريد من جهاز الكمبيوتر وغالبا تكون الإجابة كالتالي: فالمستخدم فى العادة يبحث عن جهاز يمكن الاعتماد عليه، غير معرض للتلف، أو الاختراق، يسهم فى الحصول على نتائج صحيحة، خلال وقت قياسى، دون أن يستهلك قدرا كبيرا من الطاقة الكهربية، وأخيرا أن يكون سعره اقتصاديا. تلك المتطلبات الستة هى الأشهر عند استخدام أى جهاز كمبيوتر إلا أن الأوليات بين تلك المتطلبات تتفاوت وفقا لطبيعة الاستخدام المقررة

لماذا زاد الاهتمام بتطبيقات الذكاء الاصطناعى فى السنوات الأخيرة؟

هذا يعود فى الأساس للتطور الكبير الذى حدث بأجهزة الكمبيوتر، فمصطلح الذكاء الاصطناعى ظهر فى بادئ الأمر عام 1957 على يد مجموعة من كبار المفكرين والباحثين بالعالم مثل كلود شانون عالم الرياضيات والأب الروحى لنظرية إدارة وتخزين المعلومات الرقمية وهربرت سايمون وهو باحث موسوعى جمع ما بين علوم الكمبيوتر وعلم النفس وحصل على جائزة نوبل فى الاقتصاد عام 1978 وهو بلا شك أحد الآباء لعلم الذكاء الاصطناعى. فى تلك السنوات ومع طرح المصطلح بدت الحكومة الأمريكية متحمسة جدا لذلك المفهوم الجديد والذى يمكن الآلة من حل معضلات وإتمام مهام بمهارات تحاكى وتفوق الإنسان. المشكلة فى تلك الفترة أن إمكانات الدوائر الكهربية وسعة التخزين والمعالجات بأجهزة الكمبيوتر كانت محدودة للغاية وتطلب الأمر مرور سنوات عديدة من البحوث والتجربة لتطوير الأجهزة وهو ما تحقق بشكل كبير عام 2010 وظهر على أثر ذلك علم تعلم الآلة والاستفادة من تراكم المعلومات المخزنة لطرح حلول للمشكلات. لذلك فإن التطوير فى تصميم وتصنيع الأجهزة مهد للاستفادة من برمجيات الذكاء الاصطناعى وهو ما نشهده حاليا فى الكثير من المجالات. المشكلة الراهنة هو أننا فى بعض الإجراءات المعقدة لا يمكننا معرفة لماذا اختارت الآلة هذا القرار عن غيره وما هى الخطوات التى اتبعتها والأخطاء التى يمكن تصحيحها. إضافة لذلك هناك أمور مازالت معلقة فمثلا فى السيارات ذاتية القيادة هناك أمور كثيرة جدلية فهل نترك للآلة أن تقرر ما إذا كانت ترتطم بعابر الطريق أم تتفاداه وتصدم من يقفون على الرصيف. باختصار على الرغم من الاهتمام الواسع بالذكاء الاصطناعى إلا أن هناك تحديات أخلاقية وعلمية مازالت قيد البحث وهناك حاجة كبيرة فى كل دولة لمناقشة الأخلاقيات والسياسات العامة لتطبيقات الذكاء الاصطناعى.

ما هى الموضوعات المستقبلية التى طرحت ضمن أعمال المؤتمر الدولى لتصميم الحاسبات؟

لقد نلت شرف قيادة وتنظيم المؤتمر هذا العام وخلال الأعمال التحضيرية وتلقى الأوراق البحثية وجدت أن هناك توجهاً عالميا لموضوع جديد نسبيا من المتوقع أن يحظى بالاهتمام فى العالم العربى خلال السنوات الخمس القادمة وهو الحاسبات الكمية Quantum computers وهى تختلف عن الحاسبات التقليدية أو حتى أجهزة السوبر كمبيوتر التى تعتمد على معالجات ونظم تخزين البيانات بالنظام الرقمى صفر وواحد وكلما زادت البيانات وتعقدت العمليات الحسابية تطلب الأمر وقتاً أطول وطاقة أكبر لتنفيذ المهام. أما الحوسبة الكمية أو الكمومية فتعتمد على قوانين ميكانيكا الكم والخواص المزدوجة للإلكترونات مما يمكننا من معالجة البيانات وتخزينها فى وقت واحد بطرق لا يمكن تنفيذها بتقنيات الحواسب التقليدية، ولذلك فإن الدوائر الكهربية والمواد المستخدمة فى تصميم وتنفيذ تلك الحواسب مازالت قيد البحث والتجربة ووفقا للنماذج الأولية التى صممتها الشركات الكبرى مثل جوجل، مايكروسوفت فإن هذا النوع من الأجهزة يجب أن يكون فى درجة حرارة أقل من 273 درجة مئوية لتجنب حدوث أى أخطاء بالعمليات الحسابية. والمتوقع حسب الدراسات أن يحوز هذا المجال على المزيد من الاهتمام الدولى فى السنوات القليلة القادمة، كما تراهن الدول على الاستفادة بها لكسر أكواد التشفير خلال بضع ساعات وليس سنوات كما يحدث اليوم بالأجهزة التقليدية. هذا ما يفسر التسابق المحموم بين الولايات المتحدة والصين فى هذا المجال. وحسب اعتقادى فإن الدولة التى ستتمكن من تصميم وتصنيع هذا الجهاز لن تعلن عن هذا الخبر كى تطيل فترة الاستفادة به فى المهام العسكرية.

خلال الحوار انضمت لنا الباحثة دينا طنطاوى المدرسة المساعدة بقسم الحاسبات بكلية الهندسة جامعة القاهرة وطالبة الدكتوراة التى تعمل تحت إشراف مشترك بين د. عمرو وصال رئيس قسم هندسة الحاسبات بهندسة القاهرة ود. زهران حيث تحدثت عن مشروعها البحثى لتطوير الشبكات العصبية التنافسية لبناء عوالم افتراضية مثلما يتم فى تقنيات الواقع الافتراضى.

تقول د. دينا: إننا أصبحنا أكثر اعتمادا على برمجيات الفيديو كونفرانس لنقل البث بكفاءة عالية. كل تلك البرمجيات تحتاج لطاقة كهربية ونقل كم هائل من البيانات واعتمادا على الشبكات التنافسية فى صناعة أجهزة الكمبيوتر فإنه يمكن تشغيل تلك البرمجيات بصورة أسرع وأقل استهلاكا للطاقة. فتلك الشبكات تساعد على إعادة بناء الصور اعتمادا على انتقاء المعلومات والبيانات الأهم لسرعة نقلها. كما يتم الاستفادة بذات التقنية فى التكنولوجيات الطبية سواء فى سرعة نقل وحفظ الملفات الرقمية وتركز دينا فى مشروعها البحثى مع د. زهران على تطوير الشبكات التنافسية وتطوير البرمجيات والأجهزة لخفض الطاقة المستهلكة بالاعتماد على البيانات الأهم التى يجب نقلها والحصول على جودة عالية للمؤتمرات الافتراضية مع خفض كمية البيانات التى يتم نقلها بنسبة 70 %وخفض للطاقة المستهلكة بنسبة 30%

إذن ما الذى يعوق الباحثين عن التميز فى هذا المجال؟

أكبر عائق أمام الباحثين المصريين هو الوقت وكيفية إدارته. لا يخفى عليك أن وقت الباحثين مقسم ما بين الدراسات والسعى وراء فرص زيادة الدخل. فى مجال تصميم الكمبيوتر البرمجيات وبرامج المحاكاة والأوراق البحثية متاحة وكل ما هو مطلوب هو أن يتفرغ الباحث لإنتاج أوراق بحثية والوصول لابتكارات إذا ما نجح فى تسجيلها دوليا ستكون مصدرا دائما للدخل للباحثين والجامعات وهو ما يعود بالنفع على الاقتصاد القومى ولك أن تتخيل أن حجم السوق لتصميم وإنتاج الشرائح الإلكترونية يتخطى الـ 100 مليار دولار. هذا النوع من الاستثمار فى الأفكار والابتكارات هو أحد مصادر الدخل الكبرى للهند على سبيل المثال وهو ما يمكن أن تحققه مصر ويعود عليها بمنافع اقتصادية أكبر بكثير من أى عائدات زراعية أو صناعية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق