رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أزمة إسرائيلية ــ روسية حول وكالة الهجرة اليهودية

رسالة موسكو د. سامى عمارة
يائير لابيد

فاجأ رئيس الوزراء الإسرائيلى يائير لابيد الأوساط الاجتماعية والسياسية الروسية بإعلانه تهديده روسيا فى حال اتخاذ قرار بإغلاق وكالة الهجرة اليهودية «سهنوت». وفيما لم يفصح ليبيد عن الإجراءات التى سوف يتخذها فى حال اتخاذ وزارة العدل الروسية لقرارها حول إغلاق هذه الوكالة التى تعمل فى روسيا منذ 1989، أى منذ ما قبل تاريخ استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والاتحاد السوفيتى فى 1991، توقفت الأوساط الروسية عند الأسباب التى أوردتها الوزارة فى خطابها الى الوكالة الإسرائيلية، حول «ضرورة توفيق أوضاعها»، فى محاولة للحيلولة دون تجاوزاتها وخروجها عن حدود وضعيتها القانونية كمنظمة اجتماعية ومدى ما تمثله من خطورة على أمن الدولة الروسية.

 

كان من الغريب أن يستمر نشاط مثل هذه المنظمة التى استهدفت منذ تأسيسها تهجير المواطنين السوفيت من يهود وغير يهود تحت ستار حق الهجرة الذى لطالما رفعته الأوساط اليهودية والغربية سلاحا فى إطار صراعها مع الاتحاد السوفيتى السابق. ويذكر المراقبون قانون «جاكسون - فينيك»، الذى فرضه الكونجرس الأمريكى ضد الاتحاد السوفيتى السابق، عام 1974، بسبب «تقييد حرية هجرة اليهود السوفيت» آنذاك، والذى ظل قائما حتى سنوات الولاية الثانية للرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، رغم إلغائه بالنسبة لبقية جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق، ويعوق حرية التجارة والاستثمار بينها وبين الولايات المتحدة.

ولمشكلة تقييد هجرة اليهود السوفيت إلى إسرائيل تاريخ قديم يبدأ منذ «انقلاب» الأوساط السياسية فى إسرائيل ضد علاقاتها مع الاتحاد السوفيتى السابق وزعيمه جوزيف ستالين الذى يعترف الجميع بما فى ذلك فى روسيا اليوم، انه لولا جهوده وما اتخذه من قرارات وإجراءات لما قامت إسرائيل. ويذكر المراقبون أن «هجرة اليهود السوفيت» لطالما جرى الاستناد إليها مع تصاعد حدة الصراع بين القوتين العظميين فى أعقاب حرب يونيو 1967 وإعلان الاتحاد السوفيتى قطع علاقاته مع إسرائيل للمرة الثانية، بعد الأولى التى جرت فى عام 1953 بعد تفجير مقر السفارة السوفيتية فى تل أبيب نتيجة تصاعد حالة الكراهية ضد الاتحاد السوفيتى فى إسرائيل بعد تحولها عنه وكشفها عن بوادر التحول إلى الصديق الأمريكى الجديد.

وعلى الرغم من تراجع هذه القيود مع بدايات سنوات البيريسترويكا والجلاسنوست التى أعلنها الزعيم السوفيتى الأسبق ميخائيل جورباتشوف فى منتصف ثمانينيات القرن الماضى، وإلغائها بعد الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل التى طرحت ذلك شرطا لموافقتها على الانضمام إلى مؤتمر مدريد للسلام فى أكتوبر- نوفمبر 1991، فقد أبقت إسرائيل على منظماتها التى تواصل الدعوة والإشراف على تهجير اليهود السوفيتى وغير السوفيت إلى «أرض الميعاد»، فى إطار مشروعاتها للاستيطان والتوسع على حساب الأراضى الفسطينية والعربية فى الشرق الأوسط. ومن هذه المنظمات وكالة الهجرة اليهودية «سهنوت» التى تقول المصادر الروسية إنها تجاوزت حدودها بما صار يشكل تهديدا للأمن القومى الروسى، بما يتعلق منه بتهجير الكفاءات العلمية والثقافية وتهريب رؤوس الأموال الى إسرائيل، على الرغم من إسقاط السلطات السوفيتية ثم الروسية لكل القيود التى كانت مفروضة على الهجرة وحرية التنقل والسفر لكل القوميات والأعراق.

وقد جاءت التطورات الأخيرة بشأن متابعة نشاط الهيئات الأجنبية ومنظمات المجتمع المدنى كإجراء وقائى اتخذته السلطات الروسية مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية، لتكشف مدى ولاء الكثيرين من مواطنى الدولة الروسية، وحقيقة نشاط الهيئات الأجنبية داخل روسيا، وأبعاد هذا النشاط، ومدى ارتباطه بالمخططات العدائية والتخريبية التى لم تتوقف فى روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفيتى فى مطلع تسعينيات القرن الماضى. وفى تقرير لها بهذا الشأن كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» عن تقديرها، لما وصفته بتهديد روسيا بإغلاق وكالة «سهنوت» باعتباره إشارة «إلى تدهور علاقة الكرملين بإسرائيل والتداعيات بعيدة المدى للحرب فى أوكرانيا». كما اعتبرت «خطوة الحكومة الروسية بمثابة انتقاد لليهود فى روسيا وبدا أنها تراجع عن جهود الرئيس فلاديمير بوتين على مر السنين لبناء علاقات أوثق مع إسرائيل والجالية اليهودية». وجاءت تصريحات يائير لابيد رئيس الحكومة الإسرائيلية لتفضح حقيقة الكثير من جوانب نشاط الدوائر اليهودية داخل المجتمع الروسى بما قاله فى بيانه الصادر بهذا الشأن، حول أن «الجالية اليهودية فى روسيا مرتبطة بإسرائيل بعمق»، الأمر الذى استند إليه فى «تعهده بمواصلة العمل من خلال القنوات الدبلوماسية حتى لا يتوقف نشاط الوكالة اليهودية المهم».

كما كشفت المصادر الروسية عن بعض مما جاء فى خطاب وزارة العدل الروسية الموجه إلى مكتب الوكالة اليهودية من اتهامات «بانتهاك قوانين الخصوصية من خلال الاحتفاظ بتفاصيل المتقدمين للهجرة إلى إسرائيل فى قاعدة بيانات»، فى إشارة إلى ما اعترف به البعض حول «ان إسرائيل تستنزف بعضا من أفضل العقول من روسيا، التى يقطنها مئات الآلاف من الأشخاص من أصل يهودي». كما كشفت عن ان إسرائيل أصبحت بعد اندلاع الحرب فى أوكرانيا فى 24 فبراير الماضى، واحدة من الوجهات الرئيسية لموجة الهجرة، وهى موجة نزوح شملت العديد من العمال فى صناعة التكنولوجيا الروسية. وتم تسجيل حوالى 16٫000 مواطن روسى كمهاجرين فى إسرائيل منذ بداية الحرب، أى أكثر من ثلاثة أضعاف ما تم تسجيله فى العام الماضى بأكمله، ووصل 34٫000 آخرون كسائحين». ونقلت المصادر عن مسئول فى الوكالة اليهودية ما قاله حول «أن الاستياء الروسى من إسرائيل بشأن مجموعة متنوعة من الأمور الأخرى قد يساعد أيضا فى تفسير الضغط الروسى الجديد. وتشمل هذه الأنشطة العسكرية الإسرائيلية فى سوريا والنزاع على ممتلكات الكنيسة فى القدس».

ولعل المتابع لاتصالات الرئيس الأوكرانى اليهودى الأصل فلاديمير زيلينسكى مع الكثيرين من أعضاء حكومته وفريقه وأنصاره فى الكثير من العواصم الغربية، يمكن أن يدرك المدى الذى وصل إليه فى تقاربه ونشاطه مع خصوم روسيا فى الخارج، والخطر الذى تشكله تحركات هذه الأوساط ضد أمن روسيا ومصالحها الوطنية. كما كشفت المواقف والسياسات التى اتخذتها إسرائيل على طريق دعمها لأوكرانيا بما فى ذلك ما قدمته من أسلحة ومتطوعين للقتال الى جانب أوكرانيا عن توجه جديد الشكل قديم المضمون، أعرب عنه نحمان شاى وزير شئون الشتات الإسرائيلى، فى بيان اعتبر فيه القرار الروسى حول مكاتب الوكالة اليهودية «سهنوت» فى روسيا: «محاولة معاقبة الوكالة اليهودية على موقف إسرائيل من الحرب أمر مؤسف ومهين.. لا يمكن فصل يهود روسيا عن علاقتهم التاريخية والعاطفية بدولة إسرائيل». وهو ما يمكن ان يكون تعبيرا آخر عما كشف عنه لابيد رئيس الحكومة الإسرائيلية فى الإعلان المشترك الذى وقعه مع الرئيس الأمريكى جو بايدن خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل حول ما وصفاه بـ«مخاوف بشأن الهجمات المستمرة ضد أوكرانيا».

وتقول الأدبيات الروسية إن الوكالة اليهودية «سهنوت» تأسست منذ ما يقرب من قرن من الزمان باسم الوكالة اليهودية لفلسطين، ولعبت دورا أساسيا فى المساعدة فى إنشاء إسرائيل فى عام 1948، وسهلت هجرة ملايين اليهود من جميع أنحاء العالم. وهى تصف نفسها بأنها أكبر منظمة يهودية غير ربحية فى العالم، وتدير برامج اجتماعية فى إسرائيل وللمجتمعات اليهودية فى الخارج». ونقلت الصحف الروسية ما قاله رئيس المؤتمر اليهودى الروسى يورى كانر، حول «إن تحرك الحكومة الروسية لتصفية الوكالة يمثل ضربة للجالية اليهودية فى روسيا، حتى لو كان لا يزال من الممكن تجنب التفكيك الكامل لعملياتها». لكن الواقع يقول إن لهذه القضية وجوها أخرى لم تكشف السلطات الروسية المعنية عنها بعد، على ضوء ما يتوالى من تطورات على صعيد المعارك القتالية فى أوكرانيا. وذلك فى الوقت نفسه الذى تؤكد فيه وقائع الماضى والحاضر، ان وكالة الهجرة اليهودية ومكاتبها فى الخارج، وليس فى روسيا وأوكرانيا وحدهما، تواصل نشاطها الذى قامت من أجله منذ ما يزيد على مائة عام دعما لمخططات الاستيطان التوسعية فى الأراضى العربية تحت شعار «من النيل إلى الفرات»!.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق