مواطنون: فقدنا الثقة فى «الوسيط العقارى» من كثرة الحيل والألاعيب
وكيل «اقتصادية النواب»: تطبيق القانون يقضى على العشوائية.. والحبس والغرامة للمخالفة
محام: غالبية ممارسى التسويق العقارى ليسوا مؤهلين لهذا العمل
نائب بالبرلمان: قطاع السمسرة ما زال اقتصادا «غير رسمى» ويهدر على الدولة المليارات
شئنا أم أبينا نجد أن غالبية التعاملات التى تتم بشأن «الثروة العقارية» تصرفا وبيعا وشراء تقع بين أيدى «الوسطاء» أو «السماسرة» والمثير للدهشة أن ما يقوم به هؤلاء الوسطاء قد يزيد هموم ومتاعب ومشاكل ذلك القطاع الحيوى الذى يعانى ليس فقط من الظروف والتحديات الاقتصادية التى تحيط به ولكن أيضا من هؤلاء الباحثين عن الثراء السريع والذين يتعاملون «بالفهلوة» و الشطارة، هو ما يضرب عالم العقارات ويزيد من الفوضى التى يعانيها جراء ما يمكن تسميته بـ «السمسرة العقارية».
فى السطور التالية ندخل هذا العالم للتعرف على خبايا وألاعيب السماسرة التى وقع ضحيتها الكثيرون، كما نستعرض عبر آراء البرلمانين وأصحاب مكاتب السمسرة المعتمدة تعديلات قانون الوساطة العقارية فى محاولة لإحكام السيطرة على المخالفين فى هذا المجال .
منى أسامة، ربة منزل قضت عشرين عاماً من عمرها مع زوجها مدرس اللغة العربية خارج البلاد؛ حتى يستطيعا توفير ثمن شقة لائقة تكون استثمارا لهما، ولأولادهما وتعويضا لهما عن سنوات الغربة الطوال، ومع رحلة التجول على مدار عام ونصف بين المناطق وسماسرة العقارات، للبحث عن بيت فى منطقة «دهشور» بمدينة السادس من أكتوبر ، فوجئا بعروض شراء لنفس المكان بأسعار مختلفة، مما جعلهما يدركان أن المشترى والبائع كلاهما سلعة فى يد السماسرة، وأن الوضع يفرض على المشتري، إما قبول الطمع والابتزاز وأن يتحصل السمسار على أكبر مبلغ مالى دون وجه حق أو خدمة حقيقة يؤديها، وإما أن تجد عيوبا بالمكان تم إخفاؤها عمدا دون أدنى أمانة فى العرض .
وبنفس المنطق تعرض أسامة علي، من سكان منطقة العبور لما يسميه بالنصب من قبل حارس للعقارات هناك ، يعمل سمسارا عبر إعلان صغير يجذب الأنظار عن قطعة أرض للبناء والتنازل من أجل سفر صاحبها ، وعندما ذهب للسؤال فى جهاز المدينة عن قطعة الأرض، وجد أنه لا يوجد سجل مقيد بالاسم، ولولا ستر الله، لكان وقع على عقد وهمى وخسر مبلغا كبيرا وهو ما أفقده الثقة فى مهنة السمسرة من كثرة الحيل والألاعيب بها .
وتكشف صفاء السبع، محامية ومسوقة عقارية عن حيل مختلفة، يقوم بها بعض السماسرة الذين شوهوا سمعة المهنة؛ نتيجة استخدامهم طرقا ملتوية مع كل من البائع والمشتري، فالبعض يقنع البائع بأن يبيع بسعر(محروق) أقل من سعر المنطقة، بهدف سرعة البيع وتحقيق مكاسب خيالية ، وقد يتعمد شراء الوحدة السكنية شريك له ثم يعيد بيعها من جديد، وعلى طريقة الفيلم المصرى (البيه البواب) يلجأ معظم السماسرة إلى عرض الشقق التى تضمن لهم الحصول على أعلى أرباح ممكنة ، بعيدا عن السعر الحقيقى المناسب للمنطقة.
وتقول منال عوض، التى تدير وزوجها مكتبا للعقارات بمدينة بدر منذ سنوات ، إنهما قررا الدخول فى هذا المجال كنوع من أنواع «البيزنس» الذى لا يحتاج سوى لخبرة واسعة بالمنطقة التى يروجان لها ومعرفة تفصيلية بأصحاب الشقق أو الأراضي، أو بمعنى أصح أن تكون بمثابة « شيخ الحارة» يعنى أنك سمسار ناجح (على حد وصفهم).ولأنهما يسكنان المدينة منذ بداية إنشائها فقد قررا الحصول على رخصة رسمية من إدارة الحى لمزاولة النشاط واستخراج سجل تجارى وآخر ضريبى ويكون عملهما لا تشوبه شائبة من الناحية القانونية.. ولكن سرعان ما تبدل الحلم إلى كابوس على حد قولهما عندما وجدا عشرات الأشخاص يقومون بأخذ زبائنهم بالاتفاق مع حراس العمارات وبعض أصحاب المحلات هناك، ومع تزايد الفوضى ومبدأ الفوز لصاحب أعلى سعر، وجدا أن تغيير النشاط أمر ضرورى ، وبالفعل استسلما للأمر الواقع وابتعدا عن الدخول فى معارك لا طائل من ورائها ، وغيرا النشاط إلى محل لعرض الموبايلات المستعملة.
وعلى الجانب الآخر، يدافع عن مهنة السمسار الحر أو الشعبى موسى العتيبي (مكوجى وسمسار بمنطقة عزبة النخل ) فمن وجهة نظره أن مكاتب السمسرة المرخصة تطالب المشترى والبائع بنسبة كبيرة من عملية البيع والشراء حتى فى حالة الإيجار ، فى حين أن السمسار العادى كحراس العقارات يتراضون بأى مبلغ يتفق عليه بينهم ، والمكسب يتوقف على شطارة كل سمسار دون إجبار على أحد.
ويزيد كلامه سويلم القاضى - صاحب محل ساعات بأن السمسار الشعبى مهنة لا يمكن اندثارها او استبدالها بمكاتب خاصة ، لأنها من وجهة نظره تعتبر همزة الوصل بين الطرفين، ومن أساسيات المهن بكل منطقة، خاصة المناطق الشعبية، فالسمسار يترك وقته وبيته مفتوحين طوال الوقت للجميع ولأى طلب او معلومة ، وهذا ما لا يمكن توفره فى مكاتب السمسرة التى تعمل لوقت محدود، فهم أهل الثقة وبصمة المكان بكل منطقة - على حد تعبيره.
محمد عبد الحميد - محمود الصعيدى
مطلوب منظومة
السبب فى تلك الفوضى من وجهة نظر أمجد مينا - محام - أن اغلب من يمارسون مهنة التسويق العقارى أو السمسرة العقارية ليسوا مؤهلين بالقدر الكافى لهذا العمل ، فهم إما موظفون أو عمال وأغلبهم حراس ، ومع غياب الضمير والواعز الدينى اعتاد أغلبهم اتقان الحيل والألاعيب التى تضمن لهم الحصول على أعلى عمولة على حساب الجميع، فهذا المجال على الرغم من كونه مثل أى مجال آخر به الصالح والطالح، الا أنه يشهد تلاعبا كبيرا ولطالما كانت هناك مطالبات بوضع منظومة محكمة تقضى على ما به من عشوائية ونصب .
من أجل كل ما سبق وغيره مما لمسناه ورصدناه خلال متابعة ما يتعلق بسوق القارات، كان لابد من التدخل الفورى لانقاذ هذا القطاع الحيوي، ويؤكد محمد عبد الحميد، وكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب ضرورة تطبيق قانون الوكالة التجارية والوساطة العقارية والتى أقرها البرلمان منذ شهرين تقريبا ؛ وبناء عليها ستكون البداية للقضاء على ظاهرة عشوائية السماسرة بشكل جذري ، لافتا إلى أن الغرض الرئيسي من القانون هو ضبط سوق الوساطة «السمسرة» حيث يحظر القانون مزاولة المهنة بدون القيد فى السجلات المخصصة لذلك بوزارة التجارة والصناعة، والحصول على ترخيص بمزاولة المهنة وبناء عليه سيتم إغلاق أى مكتب سمسرة لا تنطبق عليه تلك الشروط. ويلفت إلى أنه ورد نص بقانون الوساطة العقارية والوكالة التجارية الآتى: «مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر ، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ، ولا تجاوز مليون جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من مارس مهنة الوكالة التجارية أو قام بعمل من أعمال الوساطة التجارية أو الوساطة العقارية أو أنشأ أو أدار منشأة للقيام بأحد الأغراض المتقدمة ، دون أن يكون مقيدًا بالسجلات المنصوص عليها فى المادة 2 من هذا القانون، فضلا عن الحكم بحرمان مرتكبها من مزاولة النشاط لمدة لا تجاوز سنتين ، وغلق المنشأة لمدة مساوية لمدة الحرمان من مزاولة النشاط وغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف جنيه، ولا تجاوز 50 ألف جنيه كل من خالف حكم الفقرة الثانية من المادة 10، ويستتبع الحكم الصادر بالإدانة إلغاء القيد ، وسقوط الحق فى استرداد التأمين».
ويؤكد وكيل اللجنة الاقتصادية على العقوبة التى أشار إليها القانون بالغرامة او الحبس للمخالفين ، وذلك من شأنه التصدى بشكل قاطع للفوضى والنصب اللذين تفشيا بشكل كبير فى السوق العقارى المصرى ومواجهة المخالفات التى كشف عنها الواقع العملى وبما يحقق قدرة الدولة على مواجهة الفوضى والتصدى لآلاف القضايا من النصب والاحتيال التى يدفع ثمنها المواطن والدولة والمجتمع على حد سواء، فضلا عن مواجهة عمليات غسل الأموال التى تمثل أحد أكبر الأنشطة التى تستغل فى هذه العمليات وفقاً لأحكام قانون «مكافحة غسل الأموال» الصادر بالقانون رقم (80) لعام 2002 .
تفعيل الحوكمة والتحول الرقمى
إذا كان القانون الذى سيدخل قريبا حيز التنفيذ ، فلابد من الحديث عن الجانب الرقابى من خلال إقرار حزمة
قواعد منظمة وإعادة تنظيم ضوابط موضوعية وإجرائية تسهم فى تشديد الرقابة خاصة على أنشطة الوساطة العقارية ، وهو ما يؤكد عليه وكيل اللجنة الاقتصادية تزامناً مع تفعيل الحوكمة و التحول الرقمى وإعتماد وسائل الدفع الإلكترونى المختلفة كأداة هامة للوفاء بالمستحقات المالية فى كافة أنشطة الوكالات وأعمال الوساطة التجارية والعقارية ، لاسيما التحديث الدورى والمستمر للسجلات الإلكترونية لقيد الوسطاء العقاريين أو السماسرة ، فالقانون يلزم « السمسار» ان يقدم بيانات كاملة ووافية عن الوحدات العقارية محل التعاقد، بما يساعد على المراقبة والمحاسبة عند وجود أى شكوى أو تلاعب فى البيانات من الطرفين البائع والمشترى ، كما يوضح القانون كافة التفاصيل المطلوبة للسمسرة ومنها نسب العمولات و العقوبات الرادعة لكل مخالف للشروط او قيمة العمولة او غيرها من نصوص القانون.
يوضح النائب محمود الصعيدى عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان أن قانون تنظيم أعمال الوكالة التجارية وبعض أعمال الوساطة التجارية يعتبر من الخطوات الإيجابية التى اتخذتها الحكومة المصرية مؤخراً لإنهاء العشوائية فى مجال الوساطة لتتخذ مسارا منظماً من خلال القنوات الشرعية ، لاسيما ان قطاع السمسرة العقارية تحديدا يقع تحت طائلة الاقتصاد غير الرسمي ما أهدر على الدولة وخزينتها المليارات حيث لم يتم تعديل القانون الأصلى الصادر عام 1982 أى منذ أكثر من 30 عاما ، وهو ما كان يجب الوقوف له بشكل واضح ضمن حزمة الإجراءات التى تتخذ للإصلاح الشامل فى كافة قطاعات ومفاصل الدولة، لافتا إلى أن هذا التعديل سيكون له عائد اقتصادى وفير، لاسيما أن إعادة صياغة التشريع سوف تتوافق مع التغير الكبير فى مفهوم هذه المهنة وخاصة ان التعديلات الجديدة على القانون تستهدف إحكام الرقابة على هذا القطاع بكافة صوره التى تشمل صنوفا من الوكالة التجارية وبصفة خاصة فيما يتعلق بقطاع الوساطة العقارية.
ويشير النائب إلى مواد التعديل التى تضمنت سبع مواد من القانون تضمنت : « تعريف الوسيط العقارى ، الوزارة المختصة ، مستحقى الحصول على تصريح مزاولة المهنة ، بالإضافة إلى عمل سجل منفصل للوكلاء والوسطاء العقاريين فضلاً عن تطبيق آليات الرقمنة والخروج من الآليات الورقية المطبقة حالياً من خلال عمل سجل الكترونى للوسطاء العقاريين وربطه بالشروط والمعايير التى تسمح لهم بالتسجيل» .
رابط دائم: