رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بعد الفرار من «كابول» واللجوء إلى «لشبونة»
«الموسيقى» .. سبيل الشباب الأفغانى لكسر قيود «طالبان»

هدير الزهار

فى بعض الليالى، عندما يخيم الظلام على غرفتها وتتوقف أجراس الكنائس عن الرنين، تتذكر عازفة البوق الأفغانية الشابة زهرة أحمدى (13 سنة(، أخر ما قامت به قبل الفرار من وطنها، وهو زيارتها هى وعمها لمقبرة عائلتها لتوديع أجدادهما قبل بدء حياتهما كلاجئين، كان ذلك فى الأيام الفوضوية التى أعقبت انسحاب الولايات المتحدة العام الماضى من أفغانستان، واستعادة طالبان سيطرتها على البلاد مرة أخرى، لم تنس زهرة نظرات عمها، التى بدا عليها الحزن والقهر، وهو يقول : «الأجداد مستاءون من قرار مغادرتنا أفغانستان، حتى الحجارة تحثنا على البقاء»، بينما كانت زهرة تضع بعضا من أتربة المقبرة فى وعاء بلاستيكى صغير لتأخذها معها حتى لا تنساهم يوما.. وقبل الرحيل، تعهدت للأجداد بالعودة ذات يوم.

فى صباح يوم حار من شهر مايو الماضي، انطلقت سلسلة من الأصوات غير المألوفة من مستشفى عسكرى سابق يقع فى غرب العاصمة البرتغالية لشبونة، كانت أصوات عزف على آلة الكمان وقرع للطبول، وغيرها من النغمات الصادرة عن الآلات الموسيقية. فقد تحولت المستشفى لمقر مؤقت للمعهد الوطنى الأفغانى للموسيقى، وكان أكثر من عشرين من موسيقييه الشباب، من بينهم زهرة، قد تجمعوا فى أول تدريباتهم منذ وصولهم كلاجئين فى ديسمبر الماضى .

فى ظل وجود الحكومة الأفغانية السابقة المدعومة من الولايات المتحدة فى كابول، ازدهر المعهد، الذى افتتح فى عام 2010، وأصبح رمزا للهوية الأفغانية المتغيرة، فقد كان المعهد مختلطا، وهو أمر نادر الحدوث فى بلد غالبا ما كان يحرص على الفصل بين الفتيات والفتيان، بينما ركزت العديد من برامجه على الموسيقى الغربية، وقام بإعداد وتأهيل مئات الفنانين الشباب لشغل وظائف فى الفنون المسرحية.

ولطالما كانت طالبان تعتقد أن المعهد يمثل تهديدا لها، وهو ما دفع أكثر من 250 طالبا ومعلما للفرار منه خوفا على سلامتهم، واضطروا للجوء إلى الخارج فى الأشهر التى تلت الانسحاب الأمريكي، ووصلوا فى النهاية إلى البرتغال، حيث مُنحوا جميعا حق اللجوء. وفى غيابهم، سيطرت الطالبان على المعهد، وألحقوا أضرارا بالأدوات وقاموا بتحويل الفصول الدراسية إلى مكاتب ومساكن .

بينما كان الطلاب يستعدون لعزف الموسيقى فى ذلك الصباح، تحدث أحمد ناصر سرماست، مدير المدرسة، الذى أصيب بجروح فى هجوم انتحارى من طالبان فى عام 2014، عن الدور الذى يمكن أن يلعبه الطلاب فى مواجهة طالبان حيث يقول: «يمكننا أن نظهر للعالم أفغانستان مختلفة برفع أصواتنا بالموسيقى والغناء، وكذلك بالتحدث علنا عن مواقفنا».

وبالعودة إلى زهرة التى باتت تجسد أحلام آلاف بل ملايين الفتيات الأفغانيات اللاتى يرغبن فى الحرية وكسر القيود، فقد حلمت الفتاة بأشياء كثيرة منذ أن كانت فى التاسعة من عمرها، كأن تصبح موسيقية محترفة وراقصة باليه وعالمة رياضيات وفيزياء، لذا قررت أن تبدأ بالبوق بعدما استجاب والدها لرغبتها وقام بتسجيل اسمها فى المعهد الوطنى الأفغانى للموسيقى، وأرسلها من بلدتها الأصلية فى مقاطعة غزني، جنوب شرق أفغانستان، إلى كابول للعيش مع عمها.

برعت زهرة فى دراستها الموسيقية وإتقان الأغانى الشعبية الأفغانية، بالإضافة إلى الأعمال الكلاسيكية، لكن عندما تولت طالبان السلطة العام الماضي، أصبح بوقها عبئا عليها، فقد حظرت حركة طالبان الموسيقى غير الدينية، وقام مقاتلوها بترهيب الموسيقيين، وضغطوا على محطات الإذاعة وقاعات الزفاف وصالات الكاريوكى للتوقف عن تشغيل الأغانى .

لعدة أشهر فى نهاية الخريف الماضي، كانت زهرة محاصرة فى كابول، غير قادرة على الحصول على جواز سفر لمغادرة أفغانستان، فكانت تراقب زملاءها بحسرة وهم يفرون إلى الخارج، ومع مرور الأسابيع، دب الشك فى قلب زهرة فيما إذا كانت ستتمكن من الانضمام إلى أصدقائها ومعلميها.

ثم فى منتصف نوفمبر الماضي، حصلت زهرة وعمها وابنة عمها ـ التى درست أيضا فى المعهد ـ على جوازات سفرهم لتبدأ رحلة اللجوء .

فى البرتغال، يتمتع الشباب الأفغان بحريات جديدة، خاصة الفتيات، لكن الحياة فى لشبونة أيضا تمثل تحديا لهم، حيث يقضى الطلاب معظم وقتهم داخل المستشفى العسكري، يأكلون وينامون ويتدربون ويغسلون الملابس، لكنهم حريصون على الذهاب للمدرسة المحلية للحصول على دروس فى اللغة البرتغالية والتاريخ، والتعرف على التراث الرومانى الكاثوليكى للبلاد .

تعيش زهرة حاليا مع عمها وابنة عمها فى الغرفة رقم 509 فى المستشفى العسكرى السابق بلشبونة، والتى تعلق على جدرانها صورا لراقصات الباليه وخيولا ولوحات لجدها وجدتها، كما وضعت أسفل حافة النافذة الوعاء الذى يحوى تراب مقبرة أجدادها لتتذكرهم مع كل صباح.

ورغم ما باتت تتمتع به زهرة من حرية فى البرتغال، لكنها لا تزال تحن لأيامها الهادئة وضحكاتها البريئة فى مقاطعة غزنة بأفغانستان، ولكنها حائرة بين أمنيتها فى أن يتمكن والداها من اللحاق بها فى لشبونة، وبين أملها فى العودة لوطنها مجددا ذات يوم .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق