تنبهنى أمى دائما حينما تزورنا، وتقول:
ـ لما تيجى ما تخرجش من أوضتك خالص.
فأهز رأسى، وأردد خائفا من تبريقات عينيها: حاضر.
وأقبع فى غرفتى بالساعات، ريثما تتزحزح أم نوال عن الكنبة التى تجلس مع أمى فوقها.
أسأل أمى عن السبب، فتقول:
ـ منى عينها يبقى عندها واد.
أقول فى استغراب:
ـ لكن دى عندها بنات. عددهم...
ولا أستطيع أن أحصى عددهم، فتقول أمى ضاحكة:
ـ تمانية.
أرد متعجبا:
ـ عندها تمن بنات وتغير مننا؟
تقول أمى جادة:
ـ لما تلاقيها أمشى بعيد، وما توريهاش وشك.
أهز رأسى متخوفا من تنبيه أمى.
ألتقى بها ذات مصادفة، وأنا عائد من المدرسة. سمراء طويلة نحيلة، ترتدى جلبابا أسود، تصطحب معها ثلاث بنات صغيرات، كن فى مثل عمرى.
تقول ضاحكة:
ـ أمك فكت أسرك خلاص؟
وتضحك البنات معها.
لا أعرف بماذا أرد؟. تقول:
ـ يلا بقى أكبر، واختار لك واحدة.
تخفض البنات وجوههن فى حياء.
أعود لأمى، فتضربنى. أصرخ:
ـ يعنى كنت أجرى فى الشارع منهم؟
تمر السنوات.
وأحضر عزاءها.
فى خوف أسأل أمى:
ـ أروح العزا؟
تبتسم لى، وتقول:
ـ خلاص كبرت.
أقف فى العزاء وحدى.
لم يكن لها أهل. بعض الجيران لا يتعدى عددهم العشرة على المقاعد. يرتل القرآن، ثم يقوم الناس فى فتور.
أقول لأمى:
ـ طب والبنات؟
ترد فى حزن:
ـ ليهم ربنا.
ـ مين السبب طيب؟
ترد أمى، وعيناها تلمعان بالغضب:
ـ جوزها. كان عاوز واد، ففضل وراها بنت ورا بنت ورا بنت لحد ما بقوا بالعدد ده. لما عرف أنه ربنا مش رايد، هج وسابها مع البنات.
ثم قامت إلى غرفتها بعدما بكت عليها مجددا.
كانت المرة الوحيدة التى أشعر فيها بأن أمى تكن حبا لأم نوال.
رابط دائم: