رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«مشاحنات» الضحية والجلاد على فراش الموت

باسم صادق
> ريم حجاب وهند حسام الدين وسهام عبدالسلام خلال العرض

حين قدم المخرج الراحل د. هناء عبد الفتاح عرض «مشاحنات» سنة 1998 إخراجا وإعدادا عن نص الكاتبة البريطانية كاثرين هايس، تناوله برؤية طقسية تحيطها الشموع وأنغام الكمان وتمنح الموت جلاله ورهبته، فى ظل صراع نفسى قاسٍ بين أختين حول فراش أمهما المشرفة على الموت.. وبعد أربعة وعشرين عاما يقدم المخرج هانى عفيفى ــ على مسرح مركز الإبداع الفنى ــ حالة درامية إنسانية مغايرة، بإعداد لنفس النص المترجم، انحاز فيه للأداء التمثيلى بعيدا عن حالة المشهدية البصرية خوفا من أن تُلهى المتلقى عن جوهر الصراع النفسى للشخصيات.

 

فى فضاء مسرحى بسيط لا يشغله سوى أثاث غرفة نوم توحى بقدمها، وهى عبارة عن سرير الأم واثنين كومود على جانبيه وأريكة ومنضدة، تدور أحداث العرض، وتتفجر بوصول الأخت الصغرى إلى بيت العائلة بعد غياب لسنوات طويلة، وهو الوقت الذى عاشته أختها الكبرى لرعاية أمهما حتى صارت على حافة الموت، ومن هنا صارت لكل شخصية دوافع صراعها وانهيارها النفسي، فبين الأم وابنتيها تاريخ طويل من القسوة والمعاناة استدعته اللحظة الراهنة، وما ان يبدأ الحوار بين الابنتين حتى تتكشف علاقتهما المتفسخة، فالكبرى فقدت زهرة شبابها بين أم مريضة ترعاها وزوج فى سفر بلا مبرر واضح وعقم بلا علاج حتى صارت متبلدة المشاعر.. والصغرى تحركها الأنانية فتهرب للزواج من رجل متزوج بحثا عن حلم الأمان الأسرى المفقود.. وتجد الابنة الكبرى فى عودة أختها فرصة للخلاص إلى حياة جديدة، بينما تتأرجح الصغرى بين الإصرار على الرحيل بحجة رعاية زوجها وأطفالها، وبين شعورها بالذنب تجاه أمها.. وهكذا يظل الصراع مشحونا بالقسوة والشجن المرير.


تصوير : بسام الزغبى

يطرح العرض كثيرا من التساؤلات ويضع الجمهور أمام مبررات الضحية والجلاد، فإلى أيهما ينحاز؟! ومع أيهما يتعاطف؟! فلكل منهما دوافعه وأحاسيسه التى يتحصن بها، وبدوره تحصن المخرج فى حوار محمل بالدلالات والمعانى العميقة، وحرره من الزخارف البصرية المختلفة، مكتفيا ببؤر إضاءة ناعمة تناسب المشاعر الإنسانية، واختار لمشهدى الافتتاحية والنهاية إضاءة ذات تأثير موحِ بالسجن أو القيد خلف النوافذ المغلقة، مضيفا لها فى مشهد النهاية ملمسا أزرق يرثى الأحلام المفقودة.. وحين تموت الأم بين يدى ابنتها الصغرى يضع المخرج المتفرج أمام تأويلات عدة عن مغزى موتها فى أحضان الصغرى وليست الكبرى، فهل يعنى ذلك أنها أرادت تعويضها عن سنوات الحرمان من دفئها وحنانها؟ أم غضبا من الابنة الكبرى؟ إلى غير ذلك من التأويلات التى يطرحها هذا المشهد المؤثر المرسوم بعناية.. فالإضاءة هنا بطل حقيقى من أبطال العرض.

وتماشيا مع نفس المنهج اكتفى المخرج بقليل من الجمل الموسيقية الشجية والناعمة المبطنة للمواقف الشعورية والانفعالات المختلفة للممثلين، مطلقا للأداء التمثيلى العنان فى مساحات من الصمت الموسيقى الذى قد يسمح للجمهور بالتركيز واستكشاف تاريخ الأسرة فيما بين السطور بدرجة أكبر..

وفى ظنى أن ذلك التصور الإخراجى لم يكن ليعيبه زيادة مساحات الموسيقى قليلا لزيادة تفاعل الجمهور مع حالات الصعود والهبوط الانفعالى للممثلات فى مناطق الشد والجذب، ولمساعدة الممثلات على الاحتشاد الانفعالى فى اللحظات التى تتطلب ذلك لمنح العرض مزيدا من العنفوان الإنسانى.

أدائيا، اتخذت الممثلات مسارات مختلفة تناسب طبيعة كل شخصية، فلجأت ريم حجاب (الأخت الكبرى) إلى الأداء الانفعالى المتأرجح بين الصخب والكوميديا الساخرة النابعة من سوداوية الأحداث بتوازن محسوب، وفى تصورى أنها مازالت قادرة بخبرتها المسرحية على استكشاف أبعاد إنسانية أكثر عمقا لتلك الشخصية مع تكرار ليالى العرض، ولعبت هند حسام الدين شخصية الابنة الصغرى بدأب بالغ، وتنقلت بين برود الأنانية ودموع الشعور بالذنب وافتقاد حضن الأم، بوهج ملموس وإن كانت تحتاج لمزيد من الشعور باللحظات الإنسانية المتباينة، بينما كان دور الأم الأكثر صعوبة وإجهادا بسبب انعدام جملها الحوارية تقريبا، ورغم هذا كانت الأم فى أيد أمينة فقد استطاعت سهام عبد السلام أن تؤدى دورها بنظرات أبلغ من أى حوار، فتارة تنظر لابنتها الكبرى نظرة لوم وتارة نظرة خوف، ثم نظرة استنجاد لا تخلو من عتاب للابنة الصغرى، ونظرة ضعف حزنا على مصيرها، وهكذا أضافت بعينيها وانفعالاتها وتشنجاتها تفاصيل خاصة جدا بخبرة وتمكن شديدين كما لو كانت تكشف وتروى تاريخها كله مع ابنتيها بحلوه ومره، وهو ما تستحق عنه التحية والتقدير.

عرض موجع ولكنه يتماس مع مشاعرنا الإنسانية، ويدفعنا ببساطته للوقوف مع الذات لتأملها واسترداد ما نفقده منها كل لحظة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق